ثقافة وفن

درس لا ينسى..

د. اسكندر لوقا : 

لا أعتقد أن أحداً لم يسمع باسم أدولف هتلر، زعيم النازية في القرن الماضي، كما أن أحداً من أبناء جيل الخمسينيات من القرن المذكور، لم يعش زمن الحرب العالمية الثانية التي كان هتلر من مشعليها بدافع أحلامه التوسعية ومنها أولاً إغراق جزيرة بريطانيا في مياه البحر، وتالياً السيطرة على العالم.
المهم، لست هنا في مجال الحديث عن الحرب، بل عن الفن، وتحديداً عن الفنان العالمي الشهير بابلو بيكاسو، الذي أمر هتلر بإحراق لوحاته كافة في عام 1943، خلال احتلال قواته فرنسا، لأنه، كما قال، وجد فيها انحرافاً مرضياً وجنوحاً نحو الانحلال ويجب أن تسحق آثاره جميعها.
هكذا نظر هتلر إلى فن بيكاسو معتقداً أنه بإتلاف لوحاته يمحو اسمه من تاريخ الفن، وبطبيعة الحال نفذت قوات الاحتلال النازي أمر الفوهرر هتلر فقامت بإتلاف حوالى خمسمئة لوحة من أعماله في شوارع باريس.
ومن مفارقات التاريخ أن متحف شتوتغارت في ألمانيا، وكذلك متحف ميونيخ، قاما بتكليف الفنان بيكاسو، بعد مرور عشرين عاماً، رسم لوحتين فقط لحفظهما بين لوحاتهما مقابل مليون مارك لكل لوحة، وكان هذا درساً لا ينسى لمن يعتقد أنه بإتلاف أثر هذا الفنان أو ذاك يشفي غليله من صاحب الأثر ويمكنه إخراجه من سجلات تاريخ البشرية.
في هذا السياق، ونحن نرى مشاهد تدمير معلم أثري من أوابدنا هنا أو هناك، من جانب أعداء الحضارة والتاريخ وتراث السلف من أبناء وطننا، لا نشك مطلقاً بأن إعادة ما تم تدميره أو تشويهه من معالم حضارتنا العريقة في قدمها على الأرض لن تحول دون عزيمة هؤلاء الأبناء لاستعادة ألق المعالم التي دمرت أو أحرقت، وكما أعيد الاعتبار للفنان بيكاسو، من متحفي شتوتغارت وميونيخ، كذلك نحن سنعيد الاعتبار لصورة بلدنا عاجلاً أم آجلاً. إن قدرة الإنسان السوري وإمكاناته على إثبات حضوره في أي مجال يختاره طوعاً لم تكن يوماً موضع شك بل كانت وستبقى دوماً موضع إيمان وقناعة.
لهذه الاعتبارات، يدفع شعبنا اليوم ضريبة النصر على أعدائه، ضريبة استعادة ما فقده وفي مقدمها أمنه وأمانه وحرية قراره الوطني بعيداً عن التدخل في شؤونه الداخلية إلا من أصحاب النيات الطيبة والصادقة الراغبين في أن تكون سورية الغد القريب كما كانت عليه بالأمس القريب بل أفضل.
بهذا المعنى نقرأ لعبد الله مراش 1839- 1899 أحد أدباء مدينة حلب المشهورين في القرن التاسع عشر، قوله: بعض النكسات التي تصاب بها أمة يجب ألا تكون مصدر إيحاء سلبي لأبنائها.
كذلك هو يقيننا بقدرة أبناء شعبنا على تخطي كل التبعات السلبية التي خلفتها المحنة التي نعاني منها في الوقت الراهن إلى أن تزول ويبقى صمود سورية وانتصارها درساً لا ينسى لكل من يعتقد أنها سهلة المنال متى شاء وكيفما شاء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن