ثقافة وفن

استقبال رمضان وحالات لا تفارقه …إكسسوارات… مأكولات… ووصايا.. رغم الأزمة

 إيمان أبوزينة : 

للسنة الخامسة على التوالي، وفي ظروف اقتصادية واجتماعية ونفسية قاسية، مازال الناس يستعدون لاستقبال شهر رمضان المبارك رغم مصاعب الحياة التي استنزفت الحرب طاقاتهم وبهجتهم، ومازالت استعدادات استقبال الشهر الفضيل قائمة عند الجميع الغني منهم والفقير، فبعضهم قد زين شرفته بأضواء مبهجة، وبعضهم زين غرفة استقباله بفوانيس رمضان، وآخرون بتعليق زينة الأوراق الملونة، أما المحال فتستعملها جميعاً إضافة إلى الأقمشة الخيامية.
في رمضان يصبح كل شيء مختلفا بدءاً من الالتزام بالطاعة وأداء الصلوات، والإكثار من عمل الخير والإحسان، مروراً بلمة العائلة حول المائدة وقت الإفطار، وانتهاء بالضيافة واستقبال الأهل والأصدقاء، وتوثيق صلة الرحم.
ومع أن أجواء رمضان الروحانية لم تعد كما في السابق، إلا أن الأزمة لم تمنع السوريين من مزاولة اهتمامهم بكل تفاصيل هذا الشهر، فنرى الكثير من سيدات البيوت يزيّن مائدة الإفطار بوضع المفارش ذات النقوش والرسومات التي تعكس أجواءه، ومنهن من يملأن طاولاتهن بشموع ذات رسومات رمضانية، أو يضعن المباخر بروائح عطرية مميزة، أو يضعن صحنا مشكلاً من التمور والفواكه المجففة.
السيدة «إيمان» /28/ عاماً– مهندسة– تزوجت منذ شهرين وهي سعيدة لأنها ستدعو أهل زوجها على مائدتها في أول يوم عكس ما أرادته حماتها، وقالت إنها أرادت أن تحتفل بأهله كي تثبت لهم أنها سيدة بيت من الطراز الأول، وأنها ستفاجئهم بتقديم حلي بتصميمات مناسبة لشهر رمضان كي يكون الاحتفال مختلفاً.
«ماهر» /44/ عاماً يعمل في شركة خارج سورية ويأتي كل عام لقضاء شهر رمضان مع أهل بيته وأولاده وهو يشكر اللـه على بلوغه، ويعتقد أنه الشهر المناسب لطلب المغفرة من اللـه والدعاء لسورية وأهلها للخروج من هذه المحنة التي أصابت هذا الوطن الغالي.

ماذا عن الطعام..
وهل لرمضان علاقة بزيادة الوزن؟
أخصائية التغذية «رشا نجمة» قالت: يلجأ البعض إلى تناول الطعام بكثرة قبل بلوغ الشهر الكريم لاعتقادهم أن ذلك يساعدهم على الحد من الشعور بالجوع، لكن هذا الكلام غير صحيح لأن هذا سيؤدي إلى زيادة الوزن نتيجة تكدس الدهون قبل الصيام، لذلك لابد من الاعتدال في الأكل وعدم الشراهة سواء في رمضان أو في بقية الأشهر، لكن يجب أن نحرص على تناول الخضر والأكل الصحي في رمضان، ومحاولة تناول أطعمة متوازنة كي لاتؤدي الشراهة إلى أمراض تؤذي الإنسان، كذلك يفضل تخفيف القهوة للمدمنين على تناولها قبل أسبوع من الشهر كي لايصابوا بالصداع نتيجة فقدان الكافيين بشكل مفاجئ، وأحب أن أقدم نصيحة مهمة للسيدات في البيوت وهي الحرص على تخفيف التنوع في تحضير أصناف الطعام وخاصة أننا نعيش فترة حرجة، وهناك الكثير ممكن لايجدون طعاما كافيا، والكثير ممن يحتاجون اللقمة التي تزيد في موائد المقتدرين.
«لانا» /22/ عاماً طالبة في كلية الاقتصاد تقول إن رمضان يزيد من وزنها إلى الحد الذي لا تستطيع فيه استيعاب هذه الزيادة، وتتمنى لو تكون قادرة على مقاومة الطعام، لكن الصيام لفترة طويلة يجعلها تأكل من دون أي حساب لصحتها أو وزنها.
الأخصائية «نجمة» تؤكد أن الإرادة الضعيفة أمام أصناف الطعام الشهية بعد يوم من الصيام قد تؤدى إلى البدانة، وكذلك الأمر بالنسبة لوجبة السحور فهي وعلى الرغم من أنها أساسية لأنها تزود الجسم بالطاقة خلال فترة الصيام، إلا أنها من الضروري أن تكون وجبة خفيفة، ويفضل أن لاينام الناس بعد وجبة السحور مباشرة. والمرأة معرضة للبدانة أكثر من الرجل بسبب قلة حركتها وبسبب صعوبة حرق الدهون عندها، لذلك لابد من تنظيم كمية الوجبات لأن تناول الطعام بكميات كبيرة سيخزن الدهون التي تؤدي إلى الزيادة وخاصة أن بعض الناس يستلقون ويتابعون برامج التلفزيون ما يعني عدم الحركة وعدم حرق ما تم تناوله، والأهم من كل هذا هو عدم الإكثار من الحلويات، والابتعاد عنها قدر الإمكان.
السيدة «أماني» /45/ عاماً ممرضة، وهي من السيدات اللواتي يحرصن على اتباع قواعد صارمة في رمضان لها ولعائلتها من حيث التحضير، والتنظيم، والحرص على الحفاظ على الوزن وخاصة أنها تعبت كثيراً مع زوجها الذي كان يعاني من البدانة وتقول: رمضان لايعني أن نزيد من كميات طعامنا وأن تزداد شهيتنا، فما يسري في كل أشهر السنة يجب أن يستمر حتى في رمضان كي يحافظ جسمنا على وزنه أولا، وكي يكون خاليا من أمراض الضغظ والشحوم الثلاثية والكوليسترول، وكوني أعمل في مجال التمريض فأنا أحرص من غيري على الاهتمام بكل تفاصيل التغذية والصحة وعدم زيادة الوزن.

طقوس ووصايا
يتميز الشهر الفضيل بطقوس مميزة بكل أنحاء العالم، لكنه في سورية ورغم الأجواء السياسية العاصفة لا يزال محافظا على طقوسه القديمة بدءا من صوت المدفع لحظة الإفطار، وانتهاء بصوت المسحّر، ولا تزال موائد الرحمن في الكثير من الشوارع والجوامع تقام من قبل الأغنياء لتوزيع وجبات الإفطار على الصائمين الفقراء، ومازل الناس يقبلون على شراء التمور حيث يعتبر التمر من أهم المواد الغذائية المميزة لشهر رمضان بسبب ارتباطه بالسنّة النبوية الشريفة، وكذلك الأمر بالنسبة للذهاب إلى المساجد والصلاة فيها بكل أوقاتها ولاسيما صلاة التراويح.
من أجمل الظواهر التي نشاهدها في هذا الشهر الكريم تلك الإفطارات التي تجمع المسلمين والمسيحيين أحياناً على مائدة واحدة للدلالة على المحبة والتسامح.
«كارلا» /35/ عاماً طبيبة أسنان تقول: أحب هذا الشهر، وأصبحت أحبه أكثر في فترة الأزمة، فقد جمعتنا الحرب مع إخواننا من الديانة المسلمة وقربتنا من بعضنا وأعطتنا القوة كي نتلاحم أكثر، لذلك أنا أشعر بطغيان الروحانيات في هذا الشهر، وأتفق مع أصدقائي المسلمين كل عام كي نجتمع وقت الإفطار، وكي نعيش تلك اللحظات الجميلة التي يحسها جميع الصائمين في أنحاء العالم أثناء تناولهم أول لقمة طعام بعد أذان المغرب.
«جوزيف» /42/ عاماً يعمل في تصليح السيارات يقول إنه اعتاد على تبادل التهاني بقدوم رمضان مع جيرانه المسلمين، وهو يحرص على مشاركة أصدقائه دعوات الإفطار والسحور، حتى إنه يتابع الدراما التلفزيونية في هذا الشهر من دون توقف.
«ميشيل» /22/عاماً طالب ماجستير يقول: أستمتع بطقوس وتقاليد هذا الشهر المبارك، وأحترم علاقتي مع أصدقائي المسلمين فلا آكل أمامهم خلال فترة الصوم، ولا أدخن، ولا أتناول المشروبات الروحية.
الشيخ «أبو خالد» /65/ عاماً يعمل مؤذنا في أحد المساجد قال: لي صديق مسيحي يصوم معي شهر رمضان ويصر على صيامه كاملا، وحين أسأله عن السبب يقول إنه يحب الحالة الروحانية التي يعيشها الصائم، وإن ذلك يزيده إحساسا بالتضامن مع أصدقائه وجيرانه وخاصة بعد أن جرب أهمية الصوم على صحته.
طلبت من الشيخ ذكر بعض الوصايا التي أمرنا اللـه بها في الشهر الكريم فقال: علينا أولا شكر اللـه لبلوغه، وعلينا بالصلاة، قال تعالى: «ان الصَّلاَةَ كَانتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً – النساء- 103-، وعلينا أن نعلّم أولادنا قراءة القرآن والأحاديث الشريفة كي تصبح هذه العادة عادة محببة ودائمة، وأن نصل الرحم ونكون من المبادرين في الاتصال بأهلنا وأصدقائنا وأقربائنا وحتى من كنا على خلاف معهم، ونتذكر الدعاء فهو من أحب الأعمال إلى اللـه عز وجل وخاصة أننا نعيش ظرفاً قاسياً، لذلك من الواجب علينا اليوم الدعاء لإخوتنا الذين يحاربون في الجبهات، والمعتقلين، والمأسورين، ولكل شهداء الوطن الأبرار، لأن للصائم عند إفطاره دعوة لاترد.
كن كريما، وتذكر الفقراء والمساكين، وكن حليما وصن لسانك من قول الزور ومن السب والشتيمة. وتذكر أخيراً أن اللـه يحب للمسلم الإفطار من دون تأخير تبعا لقول النبي صلى اللـه عليه وسلم: (قال اللـه عز وجل: أَحَبُّ عباديَ عليّ أعجلهم فطرا) – رواه الترمذي.
إذاً.. عاد رمضان، وعادت بهجة استقباله وممارسة طقوسه وتطبيق وصاياه، وعادت الأمنيات والأدعية إلى اللـه لتمنحنا القدرة على ترجمة حبنا له، والتوسل إليه لعودة الطمأنينة والأمان والاستقرار لبلدنا وأهلنا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن