ثقافة وفن

احتفالية «الإنسان.. والفنان المعلم» المبدع نذير نبعة … شعبان: سورية لا يمكن أن تقهر أبداً لأنها ولادة ومنتجة لأفضل الطاقات والإبداعات .. توفيق الإمام: له دور كبير في دفع الحركة الفنية في سورية

| سارة سلامة- ت: طارق السعدوني

بدايته كانت من بستان يقع في غوطة دمشق، وكانت نوعاً من العلاقة الحرة المباشرة مع الطبيعة، هي السنوات الأولى التي عرف فيها الكون طفلاً، وفيها عرف اللون والشكل والصمت والصوت، وعرف الأحاسيس الغامضة عندما كان يشاهد مخلوقاً يدب على الأرض أو فرعاً أخضر يشق الخشب، هذه الأحاسيس وهذه الحياة المباشرة مع الطبيعة هي المكونات الأولى التي انطلق منها الإحساس الفني لنذير نبعة بالعالم الخارجي ليصبح أحد أهم الوجوه في الحركة التشكيلية السورية بل العربية أيضاً.
ومنذ المعرض الأول الذي نظمه عام 1965، بعد عودته من الدراسة في القاهرة لفت الأنظار إلى أهمية الإنسان عنده كمحور أساسي فني متميز يملك اللغة الفنية القادرة على التعبير عما يريد وذلك عبر المراحل المختلفة التي مرت بها تجربته، على تنوع قدراته الفنية والتعبيرية وعلى غنى ما قدمه عبر سيرته الفنية، حتى استقرت تجربته لما يزيد على ربع قرن على أسلوب خاص، يمكن وصفه بأنه واقعية مبسطة.

عام على الغياب

لأن ذكراه باقية، ومن الواجب علينا أن نخلد أعماله وبصمته لأنه جزء كبير من ذاكرة سورية وتشكيلها، بل التشكيل العربي وفي بادرة تكريمية رعاها وزير الثقافة محمد الأحمد أقامت مديرية الفنون الجميلة واتحاد التشكيليين السوريين في مكتبة الأسد الوطنية بدمشق مساء الإثنين احتفالية: «الإنسان.. والفنان المعلم»، وذلك بمناسبة مرور سنة على وفاة الفنان التشكيلي نذير نبعة.

سورية لا تقهر
وعلى هامش المعرض قالت المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية بثينة شعبان في تصريح صحفي: «إن من واجبنا جميعاً تذكر هذه القامة الوطنية والفنية التي لها فضل على الهوية الفنية السورية وعلى الهوية الفنية العربية»، معربة عن سعادتها بمشاركة رفيقة درب الفنان وزوجته شلبية ابراهيم وبمشاركة زملائه وكبار الفنانين في هذا المعرض وقالت: «كان نذير يحب أن يراهم ويكون معهم من الأستاذ إلياس زيات إلى الأساتذة الكبار في المعرض لذلك نحن سعداء جداً بهذا العمل».
مؤكدة أن «سورية رغم كل الصعاب ورغم كل المحن وكثرة الاستهداف تبقى منتجة ومبدعة على يد أهلها، وبوجود نخبة وكوكبة من الفنانين اليوم في هذا المعرض تجعلنا نؤمن أن سورية لا يمكن أن تقهر أبداً لأنها ولّادة ومنتجة لأفضل الطاقات وأفضل الإبداعات».

التكريم واجب
وأكد معاون وزير الثقافة توفيق الإمام أن من واجبات وزارة الثقافة أن تقوم وترعى هكذا فعاليات، قائلاً: «واجب علينا أن نقوم بتكريم هؤلاء المبدعين الذين سخروا حياتهم في سبيل رفعة سورية ومثلوا سورية في العديد من المحافل الدولية من خلال المهرجانات والأمسيات الأدبية والفنية»، مشيراً أن «لهذا الفنان المبدع دوراً كبيراً في دفع الحركة الفنية إلى الأمام فهو يعتبر من القامات الفنية اللامعة والمبدعة في سورية، وكان له دور كبير في عدد من المؤلفات من خلال الرسوم لوزارة التربية أو وزارة الثقافة، وحصل على تكريم من السيد الرئيس بشار الأسد في عام 2005، عندما كرمه بوسام الاستحقاق الأول من الدرجة الممتازة».

نبعة قادنا إلى العالمية
أما الدكتور إحسان العرّ رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين فنوّه إلى أهمية موضوع التأبين وشكر وزارة الثقافة واتحاد الفنانين التشكيليين لتكريم قامة كبيرة مثل نذير نبعة وقال: «أنا أعرفه منذ الثمانينيات عندما كنت طالباً في كلية الفنون الجميلة، فالفن التشكيلي في سورية يختلف قبل نذير نبعة وبعده ويجب أن نضيء على تجربته وخصوصاً بالنسبة للجيل الجديد الذي لا يعرفه، وأن نتذكر دائماً أن نذير نبعة أوصل حركة الفن التشكيلي إلى العالمية».
ونوه العرّ أن على وزارة الثقافة تكريس مفهوم التأبين، إلا أنه يفضل تكريم الفنان قبل رحيله لما له من رد فعل إيجابي وخاصة لبعض الفنانين الموجودين حالياً في دار المسنين، متمنياً أن يكون هناك لفتة انتباه إليهم من الدولة.

نذير نبعة المؤسس
ومن جانبه أشار مدير مديرية الفنون الجميلة عماد كسحوت إلى أهمية نبعة باعتباره رائداً بالحركة الفنية في سورية «تتلمذ على يده فنانون وأساتذة في الفن التشكيلي وسجل بصمة مهمة بالحركة التشكيلية السورية».
وأشار كسحوت أن نبعة يعتبر منهجاً من مناهج الفن التشكيلي في سورية ودُرِّس فيما بعد، ووزارة الثقافة اليوم تكرم قامة لا يستهان بها، مضيفاً إن هناك قامات كبيرة بالفن التشكيلي في سورية لهم دور كبير لأنهم أبناء حضارة وأرض خصبة صدرت الفن للعالم.
وأثنى على تاريخ نبعة قائلاً: «كان مؤسس فن لا يستهان به، ولا نستطيع أن ننسى دوره في كلية الفنون الجميلة في التدريس بمادة التصوير الزيتي، وهذا ليس غريباً عن الفنانين في سورية فهم دائماً يصنعون الجمال وينقلون الأحداث بمحبة ونحن شعب يحب الجمال والفن».

نذير الحيّ
أما كلمة أسرة وأصدقاء الراحل فألقاها الفنان المعلم الياس زيات قائلاً: «ليس رثاءً ما أريد أن أقوله فالرثاء يكون للمتوفين الذين رحلوا عن الدنيا وأنت يا نذير حيّ فيما بيننا تعيش في ذاكرتنا وسيبقى إنتاجك ولوحاتك ورسوماتك في ذاكرة أجيال الشباب وطلابك الذين تتلمذوا على يديك ونهلوا من معرفتك وعلمك بفني الرسم والتصوير بتاريخ الفن وتاريخ الحركة التشكيلية في سورية، وقد كان لك نظرة ثاقبة إلى كل ذلك واستطعت أن تنقلها إلى زملائك وتلاميذك، وكان الحديث معك طيباً والنقاش في أمور الفن والحياة والسياسة، فإبداعك كان في الحديث والريشة وطيب المعشر، في الفن تركت بصمة مهمة فمن منا لا يتذكر لوحتك الشهيرة «الشهيد» في المتحف الوطني بدمشق لقد استطعت بمعالجة ذلك الموضوع أن تحوله أي الشهيد إلى فرحٍ ودلالات سامية باللون والحركة والإخراج وأعمال أخرى».

احتفالية إنسانية
وبدوره عبّر الفنان بسام كوسا عن أهمية هذه الفعالية واعتبرها احتفالية إنسانية أكثر مما تكون فنية موضحاً أن «ما يميز الأستاذ نذير نبعة أن حالته ومصداقيته الإنسانية أعلى بكثير من إنتاجه بقدر ما هو إنسان معطاء وجميل من الداخل ومحب».
منوهاً «أن الحالة الإبداعية التي قدمها نبعة عبر نصف قرن تقريباً حالة مشهود لها بالفن السوري المعاصر إضافة إلى أن الذي يعرفه عن قرب يرى فيه إنساناً حالته الإبداعية والوجدانية والإنسانية والحب الذي يمتلكه أعلى بكثير من العمل الذي قدمه، وهذه حقيقة نادرة أن نرى إنساناً مبدعاً بهذه الطريقة ويكون إنسانياً خلاقاً وبهذا الود الإنساني وبهذا النبل».
وتضمنت الاحتفالية عرض فيلم قصير من إعداد الناقد والفنان التشكيلي سعد القاسم تحدث عن مسيرة الفنان نبعة، كما افتتح على هامش الفعالية معرض لأصدقاء الفنان الراحل بعنوان تحية إلى «نذير نبعة»، ممن عاصروا مسيرته الإبداعية ونهلوا من علومه وخبرته الطويلة فجاءت اللوحات التي يقارب عددها 50 لوحة متنوعة المواضيع والأساليب والقياسات والمدارس، وفاءً لعطاءات نبعة الكبيرة ومسيرته التي أغنت الحركة التشكيلية على مدى نصف قرن، كما تم توقيع كتاب بعنوان «نذير نبعة: الإنسان والفنان المعلم»، من إعداد الناقدين والفنانين التشكيليين الدكتور نضال معلا وسعد قاسم حيث يلخص الكتاب تجربة نبعة الفنية وعمقها إضافة إلى صور مختارة للوحاته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن