ثقافة وفن

الترجمة مهنة مهددة بالتهجير القسري

| حسام الدين خضور

ما دفعني إلى اختيار هذا العنوان لهذه المادة، التي تستهدف تقديم صورة واقعية لمشهد الترجمة عندنا، هو الواقع الصعب الذي تعيشه هذه المهنة الإبداعية.
ربما لا يختلف اثنان على أهمية الترجمة والحاجة الماسة إليها، فالجهات المعنية، في المؤسسات العامة والخاصة، تدرك ذلك وتعمل على توفير مستلزمات عمل هذه المهنة الحيوية في كل ميادين الحياة، ولاسيما الأدبية والفكرية والعلمية، نجد أن الجهة المعنية الأعلى (رئاسة مجلس الوزراء) لم تستجب من قبل، لمطلب المعنيين بتنشيط عمل الترجمة وتطويره.
والسؤال، الذي يطرح نفسه هو: كيف هذا؟ أما الإجابة عن هذا السؤال فهي شديدة البساطة وشديدة التعقيد في آن معاً.
أولاً: هي شديدة البساطة لأن الجهة الأعلى (رئاسة مجلس الوزراء) المعنية برفع الحيف عن صناعة الكتابة عموماً ومهنة الترجمة خصوصاً، أبقت على تعرفة الكتابة بكل أنواعها ثابتة من دون تغيير منذ عام 2002 على الرغم من ارتفاع تعرفة كل شيء في البلد:
1- ارتفعت الرواتب والأجور عدة مرات.
2- ارتفعت تعرفة مهن الطبابة والمحاماة والهندسة، عدة مرات.
3- ارتفعت تعرفة المهن الحرة مرات كثيرة.
4- ارتفعت أسعار كل الأشياء، بما فيها أدوات الكتابة، مرات كثيرة.
5- إلا تعرفة الكتابة فبقيت على حالها لم تتغير منذ عام 2002.
ثانياً: هي شديدة التعقيد، لأن ارتباط تعرفة هذه المهنة برئاسة مجلس الوزراء خطأ جسيم تسبب ويتسبب في ما أصفه أنه تهجير قسري لمواردنا البشرية في صناعة الكتابة عموماً والترجمة خصوصاً.
انظروا كيف يجري الأمر:
– يُسمح للهيئة المعنية بصناعة الكتاب بشراء الورق مهما كان سعره في السوق، وفق الأصول القانونية.
– يُسمح للهيئة المعنية بصناعة الكتاب بشراء الحبر مهما كان سعره في السوق، وفق الأصول القانونية.
– يُسمح للهيئة المعنية بصناعة الكتاب بشراء أدوات الطباعة والتجليد مهما كان سعرها في السوق، وفق الأصول القانونية.
– وارتفع تبعاً لذلك سعر الكتاب مرات كثيرة.
– لا يُسمح للهيئة المعنية بصناعة الكتاب أن تدفع للكاتب إلا ما قررت رئاسة مجلس الوزراء أن يُدفع في عام 2002!
مؤثرات عدم رفع تعرفة الكتابة على صناعة الكتابة بشكل عام وعلى الترجمة بشكل خاص:
لقد رسخت وزارة الثقافة، على مدى أكثر من نصف قرن، سمعة جيدة في ترجمة عدد كبير من الكتب في الأدب والعلوم الإنسانية، وقليل جداً في العلوم الطبيعية والصحة العامة، نحن الآن مهددون بخسارة سمعتنا، لأن مترجماً متمرساً لن يقبل أن يعمل بالأجر الاسمي (الرسمي) الذي كان يتقاضاه عام 2002، وإذا ما أضفنا إلى ذلك الطلب على المترجمين ذوي السمعة، الذين نشأ كثيرون منهم في كنف وزارة الثقافة، من دور النشر المحلية والعربية، نجد أننا في وضع سيئ يتمثل الآن في تراجع معدلات إنتاجنا نوعاً وكماً على مدى سنوات.
نحن الآن، وأنا أقرع جرس الإنذار، نعمل من دون خطة، ننتظر أن يقدم أحدهم عملاً ترجمه لأسبابه، يعرضه علينا، نقيمه ونوافق على نشره أو نعتذر عن ذلك. وهذه هي الآليات المتبعة قانوناً لعمل المؤسسة، إنما أرى أن يكون عمل المؤسسة كالتالي:
عمل المؤسسة يقوم على خطة محددة: توفر مادة الترجمة المدروسة التي تغطي الأجناس الأدبية والعلوم الإنسانية والعلوم الطبيعية والصحة العامة، من مصادرها المشهود لها بالكفاءة والسمعة المهنية الجيدة.
عمل المؤسسة يقوم على تحديد المترجمين المجربين: تكلفهم رسمياً بإنجاز الأعمال موضوع خطتها في زمن محدد.
عمل المؤسسة لا يخضع لقيود ما قبل وضع الخطة: فكما تخضع لشراء مواد صناعة الكتاب التي ارتفع ثمنها ينبغي أن تدفع للمترجم أجراً أعلى تبعاً لذلك لأن تكاليف عمله ارتفعت أيضاً.
هل من سبيل إلى معالجة هذه المشكلة، وكيف؟
نعم المعالجة ممكنة، بكلفة زهيدة بالإجراءات التالية:
– إعطاء الجهة المعنية بصناعة الكتاب، وزارة الثقافة، الهيئة العامة السورية للكتاب، صلاحية تحديد تعرفة الكتابة والترجمة، ترفعها أو تخفضها تبعاً لأسعار مكونات صناعة الكتاب المؤلف أو المترجم وتكاليف العيش الكريم للكاتب والحفاظ على مواردنا البشرية ولاسيما من المترجمين ذوي الخبرة والكفاءة.
– أن تضع الجهة المعنية موازنة واقعية للكتب التي ستنتجها خلال خطتها السنوية.
– أن تعلن الجهة المعنية عن خطة نشرها السنوية التالية، في الربع الأخير من السنة الجارية، وتدعو المترجمين ذوي الخبرة والكفاءة إلى المساهمة في إنجازها بتعرفة واقعية، ليست التعرفة المعمول بها الآن على الإطلاق.
هذا هو الحل الأمثل، فإن امتنع ذلك في ظروف البلاد الراهنة، لابد لرئاسة مجلس الوزراء، كحل إسعافي، أن ترفع تعرفة الكلمة ليس أقل من عشر مرات، أو الطبيعي أن تُعطي صلاحية وضع التعرفة للجهة المعنية بالعمل على أرض الواقع، لأن السائد والمألوف هو أن قرارات الجهات التنفيذية العليا، رئاسة مجلس الوزراء، لها صفة الثبات لمدد طويلة، غالباً حتى تستفحل الأزمة في الميدان الذي يتطلب تغييراً، وإذا أخذنا تعرفة الترجمة مثالاً، نرى أن ثلاثة رؤساء وزراء لم يوافقوا على تعديل تعرفة الكتابة بطلب من ثلاثة وزراء ثقافة.
أنا متفائل بأن الوزارة الجديدة، مع رئيس وزراء جديد ووزير ثقافة جديد، ستضع الأمور في نصابها، وتتخذ القرار الطبيعي الصحيح المنصف، الذي يطور عمل الهيئة العامة السورية للكتاب ويحافظ على سمعة كتاب وزارة الثقافة، ويفتح آفاقاً رحبة لنقل المعرفة من اللغات الأخرى إلى لغتنا الأم لتكون الأساس لبناء اقتصاد المعرفة الذي نتطلع إليه، فالترجمة ارتبطت دائماً بمراحل النهوض في تاريخنا القومي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن