قضايا وآراء

حلب تُسقط أطنان الأكاذيب

| د. بسام أبو عبد الله 

لم يستطع أحد في العالم أن يوقف حالة الاهتزاز التي كانت تصيب سعود الفيصل عن كل داعمي الإرهاب في العالم، إذ أصابتهم حالة من الهستيريا التي لم يسبق لها مثيل، فها هي (سامانثا باور) مندوبة الولايات المتحدة الأميركية تتحول إلى (الأم تيريزا) على حد وصف فيتالي تشوركين مندوب روسيا في الأمم المتحدة من دون أن يرف لها جفن أبداً تجاه مجازر جيش بلادها في كل أنحاء العالم من فيتنام إلى العراق، ولا تجاه كذب إنسانيتها حينما نفتح دفاتر ما ارتكبته بلادها في العراق باستخدام اليورانيوم المنضب بحق العراقيين، والأفغان… وفي غير مكان من العالم.
هو نفسه باراك أوباما يعترف بأن أميركا من صنعت داعش بعد احتلالها العراق، ويعترف أيضاً بالأخطاء الإستراتيجية التي ارتكبتها بلاده في الشرق الأوسط، ولكنه أتى (ليكحلها- فعماها) حسب المثل الشعبي الدارج لدينا إذ اعتقد مع إدارته أن (الربيع العربي) سيكون المخرج لبلاده من أزماتها فمن ناحية سيسيطرون على المنطقة بتكاليف أقل، ومن دون إرسال جنود إلى المنطقة بعد كوارث (أفغانستان والعراق)، وسيمنعون بزوغ منافسيهم الكبار في العالم، والإقليم (روسيا- الصين- إيران)، ولكن حسابات الحقل لم تنطبق على حسابات البيدر، فها هو ربيعهم الإخواني الوهابي ينكشف عارياً في سورية، وها هم تكفيريوهم يسقطون في منطقة تلو الأخرى على أيدي جنود الجيش العربي السوري والحلفاء.

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب نفسه يُقر بأن من يتهمون موسكو بالتدخل في نتائج الانتخابات الأميركية، هم أنفسهم من قالوا إن هناك أسلحة دمار شامل في العراق، أي جوقة مزوري التقارير والمعلومات… ومن ثم فإن مشروع العدوان على سورية قام على ثلاث ركائز للكذب، والتضليل: أولها الإعلام الذي وصل إلى مرحلة تحول فيها إلى ماكينة ضخمة للتزوير، والتضليل لم يسبق لها مثيل- لكنه انكشف، وانهار، وثانيها: الاستخبارات التي تحدثت عن شهور معدودة لسقوط الدولة السورية ليصل الأمر بهم إلى حد تقريع الإعلام الإسرائيلي لأجهزة مخابراته التي بالغت في الكذب، والتضليل، وإلى اعتراف مدير جهاز الاستخبارات القومي الأميركي إلى أن الرئيس الأسد يتفوق على خصومه، وأما ثالثها: فهو البعد الإنساني- الذي يشكل ركيزة أساسية من ركائز إعلام الحرب ليكون مدخلاً للتدخل العسكري، وهذا البعد نظر له أساتذة قانون دولي كذريعة لقلب أنظمة الحكم، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول- ومنهم (سامانثا باور) التي وضعت كتاباً حول هذا الموضوع عام 2001 بناءً على كذبة (يوغسلافيا) في تسعينيات القرن الماضي، والذي لم تستطع محاكمهم الجنائية الدولية أن تدين سلوبودان ميلوسوفيتش الرئيس اليوغسلافي الأسبق ثم برأته بعد وفاته في السجن، لكن ما فائدة كل ذلك بعد أن مرت أطنان الأكاذيب على الجميع ليعاد تكرارها في العراق، وليبيا، وفي سورية.

حلب التي قالوا هم بأنفسهم إنها أم المعارك، وسوف تحسم الحرب في سورية، عادوا عن كلامهم ليقولوا إن الحرب لم تنتهِ، وإنها مستمرة ونحن ندرك أنها مستمرة، ولكن القضاء على إرهابييهم في شرقي حلب أصابهم بالهستيريا، والجنون، وجعلهم يطلقون أطنان الأكاذيب حول ما يجري في حلب، فالكذبة الكبرى كانت حول المساعدات الإنسانية والمجاعة لنكتشف أن مستودعات الإرهابيين مملوءة بكل ما لذ، وطاب، وأن كاميرات وسائل الإعلام عرتهم، وأظهرت أن المساعدات لم تكن لتدخل إلا من أجل استثمارها في إركاع المدنيين، وإخضاعهم لمشيئة الإرهاب، وشهادات الخارجين من شرقي حلب تصفع سامانثا باور، وجوقة الكذب التي تقودها، وأما الواقع الصحي، والمشافي فقد تبين أن الإرهابيين اتخذوا من المشافي، والمستوصفات مقرات قيادية لهم، ولم يستخدموا المؤسسات الصحية لعلاج الناس، وهم بذلك يحتمون بهذه المؤسسات، وفي حال استهدافها سيقولون إن الجيش العربي السوري، وروسيا تقصف المؤسسات الصحية، وهو ما عملوا عليه في إعلامهم المغرض… أما التباكي على الشأن الإنساني فلم نر أي ردة فعل لديهم حينما أخرج الجيش العربي السوري آلاف المدنيين من شرقي المدينة، وقامت الدولة السورية برعايتهم، وتقديم كل أشكال الدعم الممكن بالتعاون مع المجتمع المدني السوري، ولم نسمع بيانات للأمم المتحدة، أو عملاً لدعم حاجات المدنيين الذين كانوا يذرفون الدمع عليهم في البيانات، وجلسات مجلس الأمن، والصحافة وحفلات العويل، والصراخ التي أصابتهم بجنون ما بعده جنون.

حلب التي ستخرج من تحت رماد إرهابهم أكثر قوة، وإيماناً وصبراً على البلوى، والجراح أسقطت أطنان الأكاذيب وسحقت مشروعهم التقسيمي، والتكفيري (الوهابي الإخواني) أما أولئك الجالسون في مقاهي (المعارضة) يثرثرون كعادتهم، ويطلقون الشعارات الكاذبة، والآمال الواهية، والعبارات التي مللنا منها، ومن مطلقيها، فما عليهم سوى التقاعد من وظيفة المعارضة وفقاً للمبادئ الديمقراطية التي ينظرون بها، فالفاشل، في برنامجه وطروحاته لا يحق له بعد سنوات ست أن يُلقي المسؤوليات تارة ذات اليمين، وتارة ذات الشمال بينما هو يجلس على ضفاف البوسفور، أو في مستودعات الخارجية السعودية (غب الطلب) لينتظر الحائط (رياض حجاب) أن يخرج عليه بالحل السحري بعد محادثات مع الرئيس الأتفه في تاريخ فرنسا فرانسوا هولاند.

حلب كما سورية كلها أسقطت أطنان الأكاذيب، وتقديرات الاستخبارات، ووسائل الإعلام، وأبواق المعارضة في أسفل سافلين، ولن يكون الحل السياسي مع من باع كرامته، ووطنه، وعرضه وتاريخه، وهويته على موائد شيوخ النفط، والغاز، أو في مشروعات استهدفت تدمير البلاد، والعباد.

الحل السياسي هو إنتاج سوري بامتياز، ويجب أن يتفوق بإبداعه على كل ما طرح سابقاً لأن هدفه يجب أن يكون أولئك البسطاء من السوريين الذين جروا إلى وهم كبير ليجدوه كابوساً فظيعاً قائماً على أطنان من الأكاذيب، كما يجب أن يكون أيضاً مرتكزاً على أخطاء الماضي، وثغراته، ونقاط ضعفه، فالقوة أن تخرج من المأساة بحلول إبداعية، وأن ترى الأمل دائماً حاضراً أمامك على الرغم من الآلام، والطعنات والدماء.
حلب أسقطت أكاذيبهم، وكشفت أورامهم الخبيثة التي يجب استئصالها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن