قضايا وآراء

بين «معركة حلب» و«المعركة الإعلامية»… إياكم أن تنهزموا من الداخل..

| فرنسا – فراس عزيز ديب 

(أنا لا أنهزِم، إما أن أنتصر، أو أن أتعلم) عبارةٌ قالها يوماً المناضل الكبير «نيلسون مانديلا»، وما أحوجَنا في هذه الأيام أن نستوعب هذهِ العبارة، انطلاقاً من تفاصيلِ ما نعيشه من ارتفاعٍ لوتيرة الحربِ الضروس التي نعيشها.
منذ مدة، طلب المندوب السوري الدائم في الأمم المتحدة «بشار الجعفري» من داعمي الإرهاب في كل من فرنسا وبريطانيا أن يستخدموا أسماء قادةِ الجماعاتِ الإرهابية في سورية لتسميةِ شوارعهم تخليداً لهم. البعض تعاطى مع الطلب كونهُ نكتة، لكن مع مرورِ الأيام بدا هذا الطلب وكأنهُ أشبه باستقراءٍ ذكي من «الجعفري» للحال الذي سيصل إليه ورثة إمبراطوريات الإجرام.
لم يكن إطفاء أضواءِ «برج ايفل» تضامناً مع ما سموه «ضحايا المجازر في حلب»- لدرجةٍ ظننا أن الساسةَ الفرنسيين سيعلنون يوم الأحد القادم «أحدَ نصرةِ الدين»- هو الحدث الكاريكاتوري الوحيد الذي غلَّف ردة فعلهم على هزيمتهم في حلب، فهل هناكَ من فرقٍ بين هذه التجارة الرخيصة وظهور رئيس دولةٍ بحجم فرنسا إلى جانبِ زعيمِ تيارٍ من التيارات السورية المعارضة؟ أما الأشد كاريكاتورية فإن يكونَ خلفهما علم يمثل دولة، والثاني لا نعلم ماذا يمثل، فإذا كان هذا المعارض يمثل دولةً معترفاً عليها في الأمم المتحدة، فأين علمها؟ وإذا كان هذا المعارض يمثل تياراً سياسياً فلماذا أقحم «هولاند» الفرنسيين بشكل عام لما يمثله علمهم من رمزٍ بهكذا لقاء؟ هل يمكن لدولةٍ تحترمُ نفسها أن تسقطَ سقوطاً بروتوكولياً كهذا، طبعاً هنا لن نخوض بإنجازات هذا اللقاء لأن «هولاند» لا يمون حالياً إلا على نفسه، لكن هذا الأمر يجعلنا نتساءل:
هل سنرى يوماً علم «النصرة» بشقها المعتدل يرفرف في الإليزيه إذا ما قرر «هولاند» دعوةَ المعارض المعتدل «أبو محمد الجولاني»، الذي يجب أن يخرج هو ومقاتلوه من حلب «بكرامة» كما طلب يوماً «الملا ديمستورا». ما الفرق بالنسبة لمنظور «هولاند» بين «حجاب» و«الجولاني».. لا فرق فكلاهما في الاعتدال سواء.
هذه المسرحيات الفرنسية غير المكتملة، التي أتت في سياق الشحن الإعلامي ضد الجيش السوري والحلفاء سياسياً وإعلامياً لم يكن ضحيتها الحقيقة فقط، لكن اللافت أن أحد أبرز ضحاياها كان «فرانسوا فيون». كان لافتاً أن عدداً من الصحف والمجلات ذات التمويل المعروف، وفي سياق حملتها على ما يجري في حلب حاولت بشكلٍ فاضح زجَّ اسم «فيون» والتذكير بأنه شخصٌ يدعم من يرتكبون المجازر، ربما هي فرصه جاءتهم، فمثلاً إحدى المجلات نشرت مقالاً من بينِ عشرات المقالات عن المأساة التي تجري في حلب وعنونتهُ بعبارة: (هل يستطيع فرانسوا فيون النوم؟).
هذا الجنون الإعلامي والسياسي، يُبدي حجم الارتباك الكبير الذي عاشه محور الحرب على سورية، ليس لخسارةِ مدينةِ بحجم حلب فحسب لأن هذا الإنجاز لا يعدو كونه تفصيلاً من تفاصيل هذه الحرب، لكن هناك ما هو أهم، أي اقتراب رحيلِ عددٍ من رموز هذه الحرب، والتصويب منذ الآن على «فيون» وربط موقفه بكل الأكاذيب التي يروجون لها. هي صورةٌ ثانية عن الاتهاماتِ التي وجهها «باراك أوباما» لـ«فلاديمير بوتين» بأنه شخصياً من يقف خلف انتصارِ «ترامب» بعد قرصنةِ بريد «كلينتون» الإلكتروني، الحدث الذي كان فيما يبدو القشة التي قصمت ظهر «الديمقراطيين»، الاتهامات الأميركية هذه ما هي إلا استمرارٌ لسياسة ربط كل من هو قادم بتهمةِ العمالة للروس، أو الشريك بـ«إرهابهم». أما «أوباما» فإذا كان سيرد- كما وعد- على «بوتين» خلال الشهر المتبقي له في قضية التدخل بالانتخابات، فهل المتاح حالياً هو الرد في سورية وتحديداً في حلب؟!
بدا واضحاً أن استماتتهم لإنقاذ الإرهابيين في حلب أشبه بالمثلِ القائل «يكاد المريب أن يقول خذوني»، فحاولوا بشتى الوسائل العمل على إخراج الإرهابيين (ومن معهم)، ما يدعم هذه الفكرة أننا إذا ما نظرنا للطرف الآخر فإن الجيش السوري والحلفاء كانوا مرتاحين أشد ارتياح لمسارِ العمليات، بل إن ما أنجزوه لم يكن أحد ليحلم بحدوثه في هذه الفترة الوجيزة، ربما لعلمِهم الكامل بأنهم قاب قوسين أو أدنى من لي ذراع داعمي الإرهاب، لأن الإرهابيين (ومن معهم) في النهاية مجرد تفصيل.
ظلت بنود الاتفاق الذي قضى بإخراج الإرهابيين وعائلاتهم من الجيوبِ الصغيرة المتبقية غير معلنة، بل إن أهم ما ميز مجريات التنفيذ أن جمهور «الطرفين» لم يكن راضياً عنه: فمن جهة الإرهابيين هناك من أكد أن الخروج كان مذلاً، لأن هناك من خذلهم، معتبرين أن ضياع حلب سيعني حكماً ضياع ما يسمونه «الثورة»، أما الطرف المقابل، فقد رأى بالاتفاق فرملةً مكررة لانتصارات الجيش، أو بالأصح هو اتفاقٌ ليس متوازناً لأنه من جهةٍ يضمن خروج الإرهابيين مع عتادهم الثقيل، أو ربما «كنوز المدينة القديمة»، والأهم هو قضية الأسرى والمخطوفين. في الإطار العام، غالباً ما تكون اتفاقات كهذه محلَّ عدمِ رضى من جميع الأطراف المعنية، تحديداً أن نوعاً كهذا من الاتفاقات لا يتم بصورةٍ مباشرةٍ بين الطرفين المعنيين. إن الطرف الذي يقف مع الدولة لا يمكن له بأي شكلٍ من الأشكال أن يتعاطى بإيجابيةٍ مع أي وعودٍ أو اتفاقاتٍ يشارك فيها «النظام التركي»، هذه القضية على الجميع أن يستوعبها ويتقبلها، لأن هذا الطرف لا يرى في هذا النظام إلا الثعبان الذي يبدل جلدهُ فقط، لكنه جاهز في أي وقتٍ ليلدغ، أياً كانت الضمانات روسية أم إيرانية، حتى ما قيل عن سعي أميركي أوروبي لإفشال الاتفاق من أجل إحراج الأتراك يبدو فيما يبدو أضغاثَ أحلام، إلا إن أرادونا أن نصدق أن النظام التركي يتصرف بصورةٍ مستقلة.
هذا اللغط ربما في آليات تنفيذ الاتفاق جعلت البعض «على المستوى الشعبي» كالعادة يصوب نحو ما سموه الوقوع في فخ اتفاقيات كهذه تسمح للإرهابيين بالخروج بعد أن كان تحرير المدينة بالكامل قاب قوسين، من دون أن يعترف هؤلاء بأن مجرد إجبارِ الإرهابيين على الخروج هو نصر حقيقي، لكن المشكلة الكبيرة لا تكمن في نوعية الاتفاق وآليات تطبيقه، بل في الحرب الإعلامية التي يقع في مطبها الكثير ممن هم إلى جانبِ الدولة وبصورةٍ ساذجة، وهنا سنذكر بعض الأمثلة لكي تتضح الصورة:
منذ أسبوعين وفي مقالٍ بعنوان: أردوغان يهدد الأوروبيين: طوفان لاجئين أم طوفان إرهابيين! قلنا إن «أردوغان» سيستثمر يوماً ما خزان «إدلب» المتطرف لابتزازِ الأوروبيين. منذ أيام انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقالاً منسوباً لإحدى الجهات الإعلامية الشريكة بالدم السوري مشابهاً للفكرة لكن بصورةٍ معكوسة؛ أي إن الأسد يجمع الإرهابيين في «إدلب» تمهيداً لإرسالهم إلى أوروبا، ووضعوا في المقال بعض العبارات الرنانة لكي تجذب الشارع المؤيد كالقول (الأسد أذكى من والده)، بهدف جعله ينتشر بصورة كبيرة، وهو ما حدث فعلياً، وتجاهل من وقع في فخ مقال كهذا (بينهم وسائل إعلامية للأسف) أنه يدعم فرضية أن القيادة السورية تسيطر وتحدد مسار الجماعات والتنظيمات الإرهابية، في حين بدا «أردوغان» وكأنه حمامة سلام. أما المثال الثاني فهو الحالة العاطفية التي رفعت كثيراً من معاني سقف الانتصار في حلب، البعض مثلاً تسابق للحديث عن أن خطاب النصر سيلقيه الأسد من حلب، وبعضهم الآخر ظنّ أن انتصار حلب هو نهاية المعركة، هذه العناوين الرنانة لمضامين فارغة لا تستند في تحليلاتها إلا بالضرب على الوتر العاطفي. في النهاية من يفهم طبيعة الأسد فعليهِ أن يعي أن تحرير حلب بالنسبة له بالأهمية ذاتها لتحرير الرقة، أما خطاب النصر فهو حكماً لن يكون وهناك مدنٌ بالكامل خارج سيطرة الدولة، فهناك خطابٌ للنصر وهناك زيارة للمنتصِر وهذا فرق. إن رفع السقوف العالية بطريقةٍ عشوائية ساهم للأسف بتسويق أي فكرة على أنها نوعٌ من الانهزام، والشارع المؤيد بات لا يرى النصر إلا من خلال ما تم التسويق له في الفترة الماضية، فماذا ينتظرنا؟
حلب ستكون خاليةً من الإرهاب، هذا الأمر بات شبه محسومٍ بغض النظر عن الطريقة، ولو دققنا ولو قليلاً في سعارهم لما يجري لوجدنا أنهم جميعاً سيفيئون إلى قدرهم «الترامبي» المحتوم، الذي رسمه شجعان هذا العصر، عندها فقط سيعلم الجميع أن من هزمَ دول العالم في الحرب، لن ينهزم في السياسة… فقط اصبروا ولاتقعوا في أفخاخ البيانات الهزلية سواء أكانت معنا أم ضدنا.. لأن الوقوع فيها سيجعلكم مهزومين من الداخل، ومن ينهزِم من الداخل لن يفرط فقط بمتعةِ النصر، لكنه حكماً لن يتعلم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن