قضايا وآراء

نتائج نصر حلب في مرآة لقاء موسكو

| القاهرة – فارس رياض الجيرودي 

تحدث الرئيس الأسد مؤخراً والسيد حسن نصر اللـه سابقا عن نتائج كبرى متوقعة على مستوى سورية والإقليم والعالم لمعركة تحرير حلب من الإرهاب، ويبدو الشكل الذي عقد من خلاله اجتماع موسكو الأخير، والنتائج التي خرج بها، خير ما يمكن أن نختصر به تلك النتائج.
وإذا بدأنا من المكان الذي اختير لإعلان خريطة الطريق لتسوية أهم صراع دولي شغل العالم خلال السنوات الماضية، فإننا لا نحتاج لبذل كثير من الجهد كي نبرهن على الدلالة البالغة التي يؤشر إليها مكان اللقاء، فموسكو فرضت نفسها نتيجة لانتصار حلب كقطب عالمي مواز للقطب الأميركي، وكطرف أفعل في حل الأزمات والصراعات الدولية والتصدي للأخطار التي تهدد الأمن العالمي وفي مقدمتها الإرهاب، وذلك في ظل حال من العجز والغياب عن القدرة على الفعل من جانب الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها أظهرته تطورات الصراع في الميدان السوري، ومعركة حلب منها على وجه الخصوص.
لقد تحدث وزراء الخارجية الثلاثة ( الروسي والإيراني والتركي) عن تجربة حلب كدليل على إمكانية النجاح من خلال العمل الثلاثي المشترك، ولو بعيداً عن الأميركيين، وعلى حين بذلت الولايات المتحدة الأميركية خلال الأشهر القليلة الماضية كل ما يمكنها فعله بهدف تشتيت جهود الجيش العربي السوري وحلفائه، وعرقلة تحرير المدينة من المجاميع الإرهابية، فتعمدت قصف مواقع عسكرية سورية بمواجهة داعش في منطقة دير الزور، وقد ردت روسيا بشكل أكثر حسما من خلال أكبر عملية انتشار للسفن الروسية من بحر الشمال إلى المتوسط منذ انتهاء الحرب الباردة، ومن خلال تصريح وزير الدفاع الروسي الشهير الذي حذر من أن أنظمة الدفاع الجوي الروسية في سورية، لا تملك الوقت للتعرف على هوية الطائرات التي ستهاجم المواقع العسكرية السورية قبل إسقاطها، وهنا التقط العالم أنفاسه خشية انزلاق المواجهة إلى صدام مباشر بين القوتين العظميين، لكن الولايات المتحدة تراجعت مثلما تراجعت في العام 2013 لكن هذه المرة من دون تسوية تحفظ ماء وجهها.
وبدلا من الرد على الأرض اكتفت واشنطن مع حلفائها بشن حملة إعلامية غير مسبوقة في شراستها على الدولة السورية وحلفائها، فاستخدمت راجمات صواريخ الجزيرة والعربية والسي أن إن والبي بي سي، ومدفعية تصريحات مندوبي الدول الغربية في مجلس الأمن، لتصوير الأمر للعالم وكأن القيامة تقوم في حلب، لمجرد أن الجيش الوطني للدولة السورية مع حلفائه يعمل على تحرير المدينة من قاطعي الرؤوس.
لكن يبدو ولأول مرة كأن سلاح الإعلام الذي استخدم بفعالية منذ بداية الحرب على سورية، قد استنفذ الغرض منه، بل يظهر كأن هذا السلاح بدأ يعمل بالاتجاه المعاكس، فنتيجة المبالغة في التحشيد والتعبئة والتحريض في البيئات المتطرفة في البلدان المتآمرة على سورية، خرج الأمر عن سيطرة حكومات تلك البلدان، التي يظهر أنها مقبلة على السقوط في الحفرة التي حفرتها لسورية، فها هي نار الإرهاب القاعدي العمياء قد اشتعلت في الكرك في الأردن المحاذية للسعودية منبع التكفير، والبيئة المصدرة للأفكار الوهابية، ما يهدد بجدية بإحراق الخليج كله بنار التكفيريين العصية على الضبط، وذلك في حال استمر التهييج المسعور، كما تبدو عملية اغتيال السفير الروسي في أنقرة، إحدى نتائج تلك الحملة الإعلامية التي تجاوزت الحدود، وهي واقعة لم تؤد إلا إلى إضعاف الموقف التركي أكثر، وإلى مزيد من التنازلات التركية في ساحة الميدان السوري، كما ظهر ذلك جليا في اجتماع موسكو، ففي أول اعتراف علني من مسؤول تركي بهزيمة جيش أردوغان المشكل من الإرهابيين في حلب، أشاد وزير الدفاع التركي بنجاح عملية تحرير حلب من الإرهاب وبإجلاء المدنيين من شرقها، كما نقلت عنه وكالة سبوتنيك الروسية من دون أن يعقب ذلك أي نفي تركي.
إن الإقرار التركي وفقا لمقررات لقاء موسكو بأن الأولوية في سورية هي اليوم لمحاربة داعش والنصرة، وبأنه لم يعد هناك مكان للحديث عن إسقاط الدولة السورية، أو إعادة تشكيلها على أسس طائفية، و( هي الوصفة التي كان أردوغان يقترحها منذ الأيام الأولى للأزمة)، إنما هو تعبير واضح عن عملية إعادة التموضع التركية التي تهدف إلى الحد من الخسائر، والخروج بهزيمة ممكيجة ومحسنة المظهر وليس الجوهر من الحرب السورية، وذلك عكس الخيار الذي اختاره الطرفان الآخران الداعمان للجماعات الإرهابية في سورية ( السعودية وقطر)، واللذان لا يبدو أنه بقي لهما أي دور على الساحة السورية، بعد خسارتهما للنافذة التركية التي كانا يساندان منها مجاميع الإرهاب.
وفي مقابل الإقرار التركي بخطة الطريق الإيرانية الروسية للخروج من الأزمة السورية، ترك لوزير الخارجية التركي أن يحفظ ماء وجهه بتصريح عن ضرورة أن يلتزم حزب اللـه بوقف إطلاق النار، وهو ما اعتبره الوزيران الإيراني والروسي رأياً تركيا غير ملزم، على اعتبار أن قرارات مجلس الأمن واضحة لجهة تصنيف داعش والنصرة كمنظمات إرهابية، وهو ليس الحال بالنسبة لحزب الله.
لذلك يبدو إعلان موسكو دليلا للتوزانات الإقليمية الجديدة التي فرضها انتصار محور المقاومة وحلفائه الروس في حلب، فدحر التكفيريين من شرق حلب أنهى مرة واحدة وإلى الأبد آخر الآمال بتقسيم سورية على أسس طائفية وذلك بعد سيطرة الدولة الوطنية على جميع المدن السورية الكبرى، التي تتوزع على خطي الساحل وخط الداخل ( حلب – حماة – حمص – دمشق)، وهي المدن التي تضم أكثر من 75% من ثقل الديموغرافية السورية، والتي لا يمكن الحديث عن تقسيم طائفي من دون السيطرة على قسم منها على الأقل، كما أن المعركة التي فرضت على سورية، وعلى عكس ما أريد منها، أدخلت الدولة والجيش السوريين تحت مظلة دولة نووية عظمى هي روسيا، وهو ما لم تكن تتوقعه دول العدوان على سورية، ولو أنها توقعته لما أقدمت عليه من الأصل، فالمظلة الروسية التي حمت سورية من تدخل عسكري أميركي، ستزيد تلقائياً من أسهم المحور الإيراني السوري في بورصة توازنات القوى في المنطقة، وستؤمن للسوريين عقودا قادمة من الاستقرار والأمن، كما ستجعل من سورية وحليفها حزب اللـه رقمين صعبين في معادلات المنطقة، وهو ما يبدو أنه ثمن يتناسب مع التضحيات السورية الهائلة التي بذلت خلال السنوات الخمس والنصف الماضية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن