قضايا وآراء

التحولات العالمية ومكافحة الإرهاب

| د. قحطان السيوفي 

إن قراءة لأهم محطات التحولات العالمية الكبرى التي جرت منذ العقدين الأخيرين للقرن العشرين حتى يومنا هذا ؛ تبين أهم المتغيرات السياسية والاقتصادية وما رافق ذلك من انتشار لظاهرة الإرهاب المدعوم والممول من دول غربية وإقليمية، وبدأ هذا الإرهاب يرتد على هذه الدول لتذوق هذه الأخيرة السم الذي طبخته… فبعد سقوط الاتحاد السوفييتي هيمنت الولايات المتحدة الأميركية أحادياً على العالم واستمرت بدعم الإرهاب الجهادي في أفغانستان إلى أن انقلب السحر على الساحر في أحداث أيلول في نيويورك 2001، وأعقب ذلك غزو أميركا لأفغانستان والعراق… ثم ظهرت مجموعة بريكس (روسيا، والصين…) عام 2005 لتحدث تحولاً عالمياً بظهور القطب الثاني في العالم، وجاءت الأزمة الاقتصادية العالمية 2008 لتجعل الاقتصادات الغربية تجثو على ركبتيها أمام أسوأ كارثة اقتصادية في التاريخ الحديث، وأثرت سلباً في السياسة الداخلية، والخارجية لإدارة أوباما، وشعرت الولايات المتحدة أنها غير قادرة على قيادة العالم اقتصادياً ما دفعها إلى إحداث مجموعة العشرين. إنه تحول فعلي في صنع القرار العالمي الذي لم يعد أحادياً، وأن دولاً كروسيا والصين أصبحت في دائرة القرار الدولي. وفي العالم العربي التحول الأهم ما سمي الربيع العربي الذي تحول إلى شتاء أسود هدفه تدمير الدول العربية ذات الأنظمة الجمهورية ونشر الإرهاب والفوضى.
جاء فوزُ ترامب في الانتخابات الأميركية؛ بمنزلة زلزال يُشير إلى أن الأميركيين غير راضين عن سياسات الطبقة السياسية الحاكمة والاحتجاج على النظام الاقتصادي الذي سيطر في العالم الغربي على مدى عقود، والمطالبة بالالتفات إلى القضايا الداخلية بما في ذلك الأمن ومكافحة الإرهاب، ناهيك عن عدم رضا الطبقة العاملة التي رأت مصالحَها تتلاشى مع العولمة؛ والتجارة الحرة، والتكنولوجيا… إضافة إلى ضعف النظام العالمي الليبرالي الذي هو مَوضعُ ازدراء بنظر ترامب الذي تعهد بتفكيك الركائز السياسية الخاصة بهذا النظام، وفي ظل هذه الصورة العامة، استمرت الاقتصادات الغربية في مسار النمو المنخفض وارتفاع حجم الدين العام العالمي… كانت نتيجته في بعض البلدان الغربية قيام حركات سياسية تلقي باللوم على العولمة في كل المحن القائمة، وخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مثال واضح… وأخيراً المفاجأة المُدوية بنحاح ترامب في الانتخابات الأميركية.
بالنسبة لأوروبا يبدو ترامب مقتنعا بترؤس سلطة تعمل على حل نظام التحالفات الأميركي، تاركا أوروبا العجوز ضعيفة، وتشهد حركات شعبية ذات طابع قومي. الحلف الأطلسي الذي تساهم واشنطن بالنسبة الأكبر من موازنته مثير للجدل، وأوروبا تطالب بإنشاء جيش أوروبي مستقل المشهد يشير، بعد فوز ترامب إلى أن أوروبا العجوز قد تفقد حارسها بالمقابل الولايات المتحدة أكبرُ شريك تجاري للصين، ترامب قال مؤخراً إن «إحدى أهم العلاقات التي يجب أن نُحسنها؛ هي علاقتنا بالصين».
إن حجم التبادل التجاري بين بكين وواشنطن بلغ 250 مليار دولار سنويا، أي ربع التجارة الدولية في مجال الصادرات، ما يؤكد أهمية العلاقة بين الأصدقاء الأعداء… من جهة أخرى روسيا ستستمر بتقوبة علاقاتها في دول أوروبا الشرقية والوسطى، فازدراء ترامب لحلف الناتو وإعجابه بالرئيس بوتين، مؤشرات ذات دلالات مهمة… رحبت روسيا بتعيين رئيس مجلس إدارة عملاق النفط «اكسون موبيل» (ريكس تيلرسون) وزيراً للخارجية الأميركية، معربةً عن أملها في تحسين العلاقات بين البلدين…. (تيلرسون) حائز وسام «الصداقة الروسية» ومعارض للعقوبات على روسيا والمؤيد لتطبيع العلاقات معها، وجاء في بيان من (مكتب ترامب) أن تيلرسون «… سيُسهم في تغيير السياسة الخارجية السيئة والأعمال التي أضعفت أمننا ومكانة أميركا في العالم».
أخيراً إن التحولات العالمية، والتداعيات السياسية وخاصة في الولايات المتحدة، وأوروبا تركت انعكاسات سلبيية على الاقتصادات الغربية ؛ ضعفاً وتراجعاً: تباطؤاً في النمو الاقتصادي، مزيداً من البطالة في ظل العولمة… إضافة للإرهاب وعدم الاستقرار، ما أدى إلى ردود فعل شعبية سلبية ضد الطبقة السياسية الحاكمة، ونتائج مُزلزلة في صناديق الاقتراع في الغرب وجاءت بترامب رئيساً لأميركا.
بالنسبة للشرق الأوسط وتحديداً سورية ؛ قد يحدث تحول في سياسة واشنطن تجاه محاربة الإرهاب المتمثل بداعش والنصرة وإخوتهما من التنظيمات الإرهابية، والتنسيق مع روسيا في هذا المجال، وسيكون التحول الأكبر باتجاه سورية حيث تنتصر جبهة الممانعة ومكافحة الإرهاب المتمثلة بسورية، وحلفائها، وستصلُ القوى العالمية، والإقليمية، والمجتمع الدولي إلى قناعات مشتركة بضرورة إعطاء الأولوية؛ لمكافحة الإرهاب، وضرورة، وأهمية دعم مؤسسات الدولة الوطنية السورية في معركتها ضد آفة الإرهاب التي باتت تهدد العالم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن