قضايا وآراء

بعد انتصار حلب… دموع التماسيح إلى أين..؟

| عبد السلام حجاب 

يمكن القول إنه في زمن العولمة صنعت النيوليبرالية مناخاً وحشياً أطلق جني الإرهاب من القمقم وأسهم التسليع الإعلامي بانتشاره، ووجدت فيه السياسة الأميركية والصهيونية مناخاً ملائماً لتأسيس مدرسة للإرهاب والاستثمار فيه بدلاً من الحروب المباشرة. لتعيش حالة من جنون العظمة لبسط هيمنتها بأقل التكاليف عدا سمعتها التي هي أصلاً بالحضيض، وزاد عليها سوءاً غزو أفغانستان والعراق من خارج الأمم المتحدة.
ولقد أشار بريجنسكي المستشار الأسبق للأمن القومي الأميركي… إلى «أنه ما إن تبدأ المرحلة الأولى حتى تتواصل لعبة الشطرنج الكبرى. فتتحرك البيادق وتنفذ الأدوار. ويبدأ الخلل ويعم عدم الاستقرار وتعم الفوضى وتحرق البلاد ويقتل الناس بدم بارد». ولاحقاً تبعه الجنرال الأميركي دامسي ليقول «دعهم يقتلوا بعضهم». ولم يبتعد الجنرال بترايوس عن هذا التوجه فكتب في مذكرته «إن ما نحتاج إليه، في العراق هو العنف المستدام، أي العنف المسيطر عليه لفترات مديدة، ثم اعتمد الرئيس الأميركي أوباما هذا السلوك السياسي غير الأخلاقي تجاه سورية.. بأن الحل السياسي للأزمة في سورية قد يستغرق سنوات. واستخدم وزير خارجيته كيري ألاعيب ومناورات مضللة في غير اتجاه وعلى غير صعيد في خدمة الاستثمار بالإرهاب.
ولا ريب أنه تبين بوضوح أن الإرهاب لم يكن مصادفة تقع لأسباب افتراضية. كما لم يكن انتشاره واختيار ملعب الأوهام القادم حالة عبثية معزولة. بل منظومة إيديولوجيا تكفيرية لا دين لها ولا هوية أو وطن تدعمها دول غربية استعمارية كفرنسا وبريطانيا وحكومات وهابية وإخونجية في السعودية وتركيا ومشيخة قطر بهدف استخدامها كسكين حادة تقطع في قالب زبدة تحت عنوان الصدمة والترويع الذي اعتمده الرئيس الأميركي بوش الابن في غزو العراق. واقتنع البعض تحت سطوتها «بأن الحمار يطير»!
إلا أن أمرين مهمين وضعا بداية النهاية للأوهام السياسية والأحلام الطائشة لتحالف الإرهاب المعولم الذي تقوده أميركا وما جرى التخطيط له مسبقاً إن لم يكونا قد أحالا إمكانية الاستمرار في تنفيذ تلك الخطط والمشاريع بواسطة التنظيمات الإرهابية أو بصورة مباشرة إلى فشل جديد ومأزق سياسي وعسكري يصعب الخروج منه. وهذان الأمران اللذان شكلا حوامل موضوعية لتكوين المشهد السياسي الدولي الحالي والمستقبلي هما:
1- وقائع في المشهد السياسي الدولي أكدت حضورها الفاعل في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن الدولي، موضحة أن العالم تغير ولن يعود إلى الوراء. وأن التفرد بقيادة العالم من الأحادية القطبية الأميركية أصبح مسألة من الماضي ولم يعد ممكناً البناء عليها أو العمل بسياسة خلط الأوراق وازدواجية المعايير التي أثبتت عدم جدواها أمام قوة المبادئ وصدقية الحقيقة.
2- النجاحات التي يحققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه في الميدانين السياسي والعسكري وقد جاء انتصار حلب محطة مفصلية تاريخية لا يمكن لأحد مهما كان موقعه وشأنه تجاهل تأثيراتها الفاعلة إقليمياً ودولياً، سواء لجهة هزيمة الإرهاب في حلب والاستمرار بمطاردة فلوله في كل بقعة سورية. أم لجهة أن الانتصار وفتح الطريق أمام العملية السياسية في سورية وستدفع الكثيرين ممن كانوا يعرقلون هذه العملية إلى الانضمام للعمل السياسي والمصالحات الوطنية. كما أكد الرئيس بشار الأسد خلال الاتصال الهاتفي الذي أجراه الرئيس الروسي بوتين للتهنئة بانتصار حلب. وأكد الرئيس بوتين أثناء لقائه وزير الدفاع شويغو «أن تحرير مدينة حلب من الإرهابيين يشكل خطوة مهمة باتجاه حل الأزمة في سورية».
ولعله لم يكن مفاجئاً أن يتقاطع التراجع الأميركي سياسياً تجاه تقدم المتغيرات في المشهد السوري، مع اقتراب موعد مغادرة الرئيس أوباما وأركان إدارته البيت الأبيض حيث من المقرر أن يتسلم الرئيس المنتخب ترامب مفاتيح البيت الأبيض في العشرين من كانون الثاني القادم مستبقاً هذه اللحظة المفصلية في السياسة الأميركية وتأثيراتها اللاحقة على دول أوروبية وإقليمية وما أحدثته من هلع لدى حكومات تابعة في السعودية وقطر وبلدان خليجية أخرى بتصريحات أعرب فيها عن رغبته بالتعاون مع موسكو ومحاربة الإرهاب. وهي تصريحات رحبت بها موسكو واعتبر بيسكوف المتحدث باسم الرئاسة الروسية أن علاقات الرئيس ترامب مع دمشق سوف تشكل خطوة مهمة باتجاه التعاون مع روسيا. وقد وصف ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي عقوبات أميركا مؤخراً ضد روسيا بأنها انتقام من النجاحات التي حققها التعاون بين روسيا وسورية في محاربة الإرهاب.
إن قراءة موضوعية للمشهد السوري وتطوراته السياسية والعسكرية في ضوء انتصار حلب، تكشف عمق الاضطراب والهستيريا الذي أصاب تحالف أميركا الداعم للإرهاب. ما يشي بأن التصريحات التي أطلقها المبعوث الدولي إلى سورية دي ميستورا بإعلان الثامن من شباط القادم موعداً لاستئناف العملية السياسية تنفيذاً لقرار مجلس الأمن 2254 لم تكن من فراغ. وكان سبق ذلك بالإعلان عن اللقاء مع الرئيس المنتخب ترامب في واشنطن. لكن اللقاء لم يحصل مشيراً إلى أنه التقى مسؤولين مفترضين في الإدارة الجديدة المحتملة.
كما جاء إعلان دي ميستورا بمنزلة جملة اعتراضية ذات دلالات لدعوة الرئيس الروسي بوتين إلى محادثات بين السوريين في العاصمة الكازاخية أستانا لا يشارك فيها دي ميستورا ولن يشارك فيها مسؤولون من إدارة أوباما الذي يصر على دعم أي قوة تدميرية في سورية بما فيها تنظيم جبهة النصرة الإرهابي. الأمر الذي يعني منطقياً إما أن دي ميستورا أراد التشويش سلفاً على محادثات أستانا لمتابعة منهجه بالتلكؤ والتسويف. أو أنه أراد صرف الانتباه عنها نزولاً عند رغبة إدارة أوباما وتحالفها الداعم للإرهاب. وكان قد صرح غاتيلوف نائب وزير الخارجية الروسي أن عقد محادثات سورية- سورية في أستانا الشهر المقبل يمثل تكملة للعملية السياسية في جنيف وليس بديلاً منها.
واستنتاجاً فإن السؤال يصبح ضرورياً عن طبيعة الأدوار القادمة لفرسان دموع التماسيح الفرنسي والبريطاني والأميركي في مجلس الأمن وغيره من المحافل الدولية وخاصة أنهم في غياب تام عن الواقعية السياسية والالتزام بقرارات الشرعية للدولية وأولها القرار 2253 الذي يجرم التعامل مع الإرهاب وخاصة أن دموع هؤلاء وأتباعهم والعملاء الذين اعتادوا العيش في ظل أسيادهم وأجهزتهم الاستخبارية. يجري ذرفها لدعم الإرهاب ومشتقاته على حساب الحقوق الوطنية السيادية للسوريين؟
ويمكن القول إن السوريين جيشاً وشعباً بقيادة الرئيس بشار الأسد أثبتوا نجاح خياراتهم الوطنية على مدى نحو ست سنوات. فأكدوا ثباتهم الوطني على المبادئ سواء في محاربة الإرهاب بدعم الحلفاء والأصدقاء أم بقدرتهم على إنجاح خيار المصالحات، وعلى إسقاط المناورات السياسية وأشكال الإعلام المضلل وفبركة الأكاذيب. ومحاولات الرهان على عقل مسطح هنا وذواكر مثقوبة هناك. ولعل انتصار حلب الذي كتب تاريخاً في تاريخ السوريين المعاصر دليل ساطع لانتصارات قادمة لن يطول أوانها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن