قضايا وآراء

إرهاب في فكر الطفولة

| بيروت – رفعت البدوي 

ما شهده العالم العربي من ثورات مزيفة تحت مسمى الربيع العربي كان مليئاً بالإشاعات المغرضة والدعاية الغربية الأميركية الممزوجة بالأخبار الملفقة والمزورة والفيديوهات المركبة، كلها كانت تهدف إلى إثارة عواطف الناس الأبرياء انطلاقاً من الشعور بالرغبة في تحقيق الحرية والديمقراطية للارتقاء إلى مستوى الإنسانية الحقيقية لدى مختلف شرائح المجتمع العربي التي عانت على مدى عقود ماضية من حكم القمع والترهيب وإهمال كرامة الإنسان بل الدوس عليها.
ورغم كل المساوئ والظلم والقهر وإهمال قيم الإنسانية وغياب أي ممارسة للديمقراطية ورغم الثورات التي حررت الوطن العربي من حِقبة الاستعمار الفرنسي والبريطاني، إلا أن الشعب العربي لم يتعرف يوماً على الإرهاب الذي تبنته ومارسته ولم تزل بعض الدول العربية والغربية مثلما حصل ضد سورية والعراق وليبيا واليمن.
وفي حقيقة الأمر إن نيات أعداء الأمة العربية كانت تهدف إلى تعميق الشقة بين مكونات مجتمعاتنا العربية وإثارة الفتن بين مختلف الطوائف والمذاهب وتخويف الأخ من أخيه كل حسب انتمائه السياسي وحتى الديني أو المذهبي بهدف تسهيل الاستسلام للغرائز المذهبية التي تذهب بالعقل والمنطق والتفكير ليصل إلى الغرق والتيه في بحر الغرائز المقيتة، حينها يستسيغ ضعفاء التفكير والانتماء تبرير الإجرام والإرهاب كل حسب تفسيره الخاص الذي يتناسب مع غرائزه المذهبية والطائفية، فيضيع معها حس الانتماء القومي والوطني مبتعداً عن قضايانا الجوهرية الأساسية لتنقلب المفاهيم والبوصلة فيصبح عدو الأمة الأبدي صديق اليوم لا بل حليف الغد.
علينا الاعتراف بأن الإرهاب الذي استشرى في بلادنا العربية جاء نتيجة برنامج أُعِدّ سلفاً بعناية بالغة ودراية مسبقة بنتائجه، ذلك بعد إخضاع المنطقة وشعوبها إلى دراسة وافية وعميقة في مطابخ الشر الغربية على مستوى الثقافة، وقدرة شعوبنا على استيعاب المنطق والانتماء والرغبة في تقبل كل ما هو أجنبي بحجة التخلص من القمع والوقوع في وهم الديمقراطية وحماية الإنسانية وإن كانت بقوة المدفع أو الدبابة.
إن مقاومة الإرهاب في سوريه هو بمنزلة الرسالة الخالدة التي سيكتب عنها المؤرخون والباحثون، كما أنها ستدرس في المعاهد ومراكز الدراسات والأبحاث والكليات الحربية والجامعات الموجودة على وجه البسيطة لتكون مادة يتعلم منها ويحفظ صفحاتها وجملها وأحرفها كل الأجيال القادمة الراغبة في الانتماء لمعنى الوطن.
مدينة حلب حررت بالكامل من إرهاب الدول وأضحت تحت سيطرة الجيش العربي السوري. وسائل الإعلام العربية والعالمية اعترفت بانتصار سورية وبأن الرئيس بشار الأسد هو المحارب الأول للإرهاب، ومع الفرحة التي تغمر شعب سوريه عموماً وأهل حلب على وجه الخصوص وفرحة كل عربي مخلص لعروبته ولهويته وانتمائه يجب ألا تأخذنا نشوة النصر الكبير الذي ستتحدث عنه الأجيال والمؤرخون ومراكز الدراسات في العالم وأن نتيقظ إلى أن ما جرى حتى الآن يعتبر دفاعاً عن الوطن ودرءاً لخطر الإرهاب الذي استشرى لكن وفي الوقت نفسه فإن معركتنا الكبرى للقضاء الإرهاب لا بد أنها ستأخذ مساراً طويلاً فكرياً وسياسياً وعسكرياً.
إنني على يقين أن الزمن والتاريخ ما بعد تحرير مدينة حلب الشهباء لن يكون الزمن نفسه والتاريخ نفسه كما كان قبل تحرير حلب.
نحن أمام مرحلة جديدة لن تكون المهمة الأساسية فيها فقط الدفاع عن الوطن إنما ستكون مرحلة خوض حرب فكرية عقائدية فعلية منعاً من توريث الإرهاب للأجيال القادمة.
اغتيال السفير الروسي في أنقرة «أندريه كارلوف» ترك أثراً بالغاً وجرحاً عميقاً لدى الهيبة الروسية كما أحدث رعباً وهلعاً عند الدول التي ساعدت ومولت الإرهاب في سورية، وسيكون حدثاً بالغ الأهمية لجهة انتشار الإرهاب في مختلف بلدان العالم وبأساليب جديدة أقل ما يقال فيها إنها في منتهى الخسة والإجرام اللامحدود وانعدام الإنسانية تماماً كما حصل في قسم الشرطة بمنطقة الميدان الدمشقية نتيجة تلغيم وتفجير براءة الطفولة لدرجة إننا بتنا نخاف من البراءة ومن الطفولة.
مما لا شك فيه أن الأيام القادمة ستشهد على هجرة الإرهاب عن سورية نتيجة وعي السوريين أنفسهم وصفاء المجتمع السوري بعد وضوح الرؤية في رحلة قاسية بطريق عودته إلى بيئته التي أسست لنشأته وأماكن تربيته، تلك الدول التي مولت ودعمت الإرهاب وخصوصاً بعدما انتصرت سورية في تغيير مسار زمن الإرهاب.
سورية صمدت بوجه الإرهاب وانتصرت عليه بفضل صمود شعبها وجيشها وقائدها واتضاح وصفاء الصورة لدى شرائح المجتمع السوري، أما الدول صاحبة منشأ فكر هذا الإرهاب المتفلت والمصدرة له ستشهد على إرهاب من نوع آخر لن بكون بمقدورها الصمود بوجهه لأنه سيكون إرهاباً في فكر الطفولة الذي يعتبر من اخطر أنواع الإرهاب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن