قضايا وآراء

محطة «الأستانة»

| مازن بلال 

تعرف المعارضة السورية أن عاصمة كازخستان لا تشكل حتى اللحظة سياقا سياسيا لحل الأزمة، ويبدو طرح موسكو لمؤتمر في «الأستانة» تلويحاً سياسياً أمام عدم قدرة الدبلوماسية الدولية على تحريك مسار التفاوض، فالمشكلة بقيت في دوائر وفد «الهيئة العليا للتفاوض» الذي يجد نفسه أمام احتمالات مفتوحة؛ ليس أقلها إعادة ترتيب المعارضة من جديد، فهذا الوفد يعيش إرباك «المرجعيات» التي كان يستند إليها في تحركه، وهو اليوم أمام استحقاق مختلف نتيجة الإخفاق السياسي للعملية التفاوضية، ورغم أن «الأستانة» لن تكون وفق التصريحات بديلا من جنيف، إلا أنها تكشف عن سياقات محتملة إذا فشلت الأمم المتحدة في إعادة تجميع الوفود على طاولة واحدة.
عمليا فإن إرباك وفد «الهيئة العليا للتفاوض» ليس حالة فريدة داخل المعارضة السورية، وعلى الأخص القوى الموجودة في الداخل التي تواجه أيضاً خيارات توضع أمام تحديد المسارات، فهي لو توجهت إلى الأستانة فعليها أن تجد مشروعها المتكامل، وليس فقط إثبات شرعية تمثيلها لشرائح من المجتمع السوري، فهي تدخل صراعاً جديداً يتطلب أكثر من إعلان المواقف؛ لأنه يتطلب الحضور ضمن كتلة سياسية صلبة، وربما إيجاد «موجة سياسية» ثانية بعد تلك التي اجتاحت الحياة السورية في بداية عام 2011 وأفرزت طيفا من القوى والتحركات التي نتعامل مع نتائجها اليوم، فالموجة القادمة تملك في مؤتمر الاستانة إمكانية الظهور وفق اعتبارين:
الاعتبار الأول: هو ظهور تصور سياسي مختلف بعد ست سنوات من الصراع، فالعناوين القديمة مثل «الخروج الآمن من الأزمة» لم تعد كافية، لأن أي رؤية قادمة عليها رسم التوازن الداخلي من جديد، فالخروج الآمن انتهى مع تطور الإرهاب بكل ما حمله من عنف على طول الجغرافية السورية.
خلال سنوات الأزمة عصفت بالثقافة السورية جملة من التبدلات، وأصبح العمل السياسي يتطلب العودة إلى عوامل الحفاظ على الذات السورية إن صح التعبير، ففي الأستانة ستظهر مطالب سياسية بالتأكيد، لكن ما يجب أن يكون حاضرا هو ضرورة البحث عن تفكير يحفز السوريين للحفاظ على بنيتهم، وهذا الأمر سيتطلب أكثر من البحث عن شراكة سياسية بين المعارضة والحكومة، لأنه يمس إعادة رسم المصلحة وتحفير الإرادة الاجتماعية من البقاء، فالشراكة السياسية عليها إنتاج تلك «الموجة» الجديدة التي تحمل رؤية مختلفة تماما عن كل ما شهدناه خلال سنوات الأزمة.
الاعتبار الثاني: هو عملية الفصل التي يمكن أن تتبلور ما بين مفهوم المعارضة و«الجهاز السياسي»، وهذا الأخير (الجهاز) مثلته مجموعة تسميات كان آخرها «الائتلاف»، حيث شكل آلية ضغط على الجميع من دون أي قدرة على طرح حلول سياسية قادرة على التعامل مع الواقع.
إذا لم يستطع مؤتمر الاستانة تقديم نموذج يكسر مفهوم «الجهاز السياسي»، فإنه سيفشل في التفاوض لاحقا في جنيف، وسيتعثر أيضاً في خلق سياق لحل الأزمة والخروج من متاهة العنف الدائر حاليا، فالاستانة هو بالتأكيد «تلويح سياسي» تقوم به موسكو تجاه من يعطلون التفاوض، لكن أيضاً اختبار للقدرة على خلق نموذج للعملية السياسية، وربما على القوى السياسية السورية قراءة كل المسار الذي عملت عليه لإنتاج «موجة» جديدة ربما سيشكل اختراقا قادرا على فتح أفق جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن