قضايا وآراء

التصعيد الأخير

| مازن جبور 

يبدو أن الإدارة الأميركية التي قارب موعد رحيلها من أروقة البيت الأبيض، لتترك مكانها لإدارة الرئيس المنتخب دونالد ترامب المقرر أن تستلم مهامها في 20 الشهر المقبل مع عنوان عريض لسياستها هو «التقارب مع روسيا بشأن سورية وقطع الإمدادات عن المسلحين» لم يرق لها ذلك أو أن انقلاباً جديداً في سياسة ترامب قيد الظهور.
ورغم أنه لم يتبق على موعد رحيل إدارة أوباما سوى أقل من شهر، إلا أن هذه الإدارة صدقت على مشروع قانون النفقات الدفاعية السنوية الذي يتضمن بنداً لتسليح المسلحين بصواريخ مضادة للطيران، مع ما يحمله هذا القرار من مؤشرات ودلالات مستقبلية حول مآلات الأزمة السورية وحول طبيعة العلاقات الروسية الأميركية في الملف السوري فيما إذا طبق هذا القرار من قبل الإدارة الأميركية القادمة.
ربما تترك مجموعة الهزائم التي منيت بها إدارة أوباما قبل رحيلها فيما يخص سورية سبباً رئيسياً في اتخاذ مثل هذا القرار فبدءاً من إعلان ترامب عن الخطوات العريضة لسياسته القادمة والتي تتناقض مع سياسات إدارة أوباما، وصولاً إلى انتصار حلب بعد التعنت الأميركي بشأن الاتفاق على حل سلمي ينهي أزمة المدينة التي عانت كثيراً من الإرهاب ليأتي الحل النهائي باتفاق روسي تركي، ويضع أميركا جانباً وعلى إثره عقد الاجتماع الثلاثي الروسي التركي الإيراني في موسكو دون دعوة واشنطن إليه، وليخرج بـ«إعلان موسكو» الذي يدعو إلى ضرورة الإسراع بالحل السياسي وعقد محادثات سورية- سورية في العاصمة الكازاخستانية «أستانة» منتصف الشهر المقبل، الأمر الذي رأت فيه واشنطن إبعاداً لها عن الشأن السوري وصفعة قوية للإدارة الأميركية الحالية.
فحلب لها أهمية خاصة، لكونها تقع في منطقة تتصارع عليها عدة أطراف، وعاصمة الشمال، وبوابته غير المقيدة إلى العالم الخارجي، عبر تركيا، عدا عن مساحتها الكبيرة، وثقلها الديمغرافي، وانفتاحها على محافظات ذات قيمة عسكرية كبيرة (اللاذقية، إدلب، حماة، الرقة)، ولذلك فإن السيطرة على حلب قد لا تعني بالضرورة، انتهاء الحرب في سورية، لكنها تعني خسارة كبرى لـ«معارضة الغرب المعتدلة»، الأمر الذي سيحصر وجودها في جيوب متناثرة، ويحرج موقف الدول الداعمة للتنظيمات المسلحة، وينقل المعركة إلى الحدود التركية.
معركة حلب، أنهت مرحلة الجغرافيا العسكرية المتنوعة في سورية، ولا بد من إعادة التموضعات العسكرية، بحيث يتم تقويض تنظيمي داعش و«فتح الشام»، فمرحلة ما بعد حلب تشكل مقدمة لتغييرات عسكرية كبيرة تطيح بالمعادلة التي ظلت قائمة طوال السنوات الماضية (غياب الحسم العسكري).
لذلك، حتى بعد استعادة حلب، ستتواصل الأزمة السورية بأشكال وصيغ جديدة، لكن مما لا شك فيه أن استعادة المدينة سيترك تأثيراً على طاولة المحادثات السياسية عندما تعاود الانطلاق وعلى الحل السياسي عندما يحين أوانه.
مما سبق، ترتسم أسئلة كثيرة في أفق المرحلة الجديدة، مرحلة «ما بعد حلب» في المشهد السوري لعل أهمها: ما السيناريوهات المحتملة لما بعد حلب؟، وهل ستلتزم الدول الداعمة للمسلحين الصمت أمام هذه الهزيمة؟
من هنا يطرح الموقف الأميركي الجديد من إدراج بند في النفقات الدفاعية السنوية لتسليح المسلحين في سورية بصواريخ مضادة للطيران إحدى الصيغ الجديدة للأزمة السورية، ويمثل رداً من إدارة أوباما على الاستبعاد الأميركي من اجتماع موسكو الثلاثي وإعلان مفاوضات الأستانة، ويمكن اعتبار هذا أحد سيناريوهات محتملة للصراع في المستقبل عنوانها إسقاط المقاتلات الروسية في سماء سورية.
أما السيناريو الثاني فيتمثل في تمكن التيار الأميركي الرافض لسياسات ترامب من إقناعه بالعودة عن مواقفه، والعودة إلى التفاوض مع روسيا بشأن سورية، ذلك أن خطوة أوباما مثلت بوابة للتصعيد مع موسكو ورفع شروط واشنطن التفاوضية في أي مفاوضات قادمة.
إلا أن كل الأجوبة وكل السيناريوهات تبقى فرضيات غير مطبقة، ولم يتم التحقق من صحتها بعد بانتظار تسلم ترامب مهامه الرئاسية ووضع سياساته موضع التنفيذ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن