ثقافة وفن

من بين الدمار والخراب نبتكر الحداثة … «تاء مبسوطة» أول فعالية لها من أجل تمكين المرأة وبعث الأمل فيها

| سوسن صيداوي

طبول الحرب تُقرع وناقوسها يدق ومخلّفاتها ودمارها متناثر كالأشلاء المجهولة الهوية، لكن إعادة الخلق وإرادة الحياة هما ما يجب أن يكون الأقوى على تمرد الكوارث البشرية وهولها، فمن الحياة هناك شجرة تُزرع، ومن الحياة بيت يُعمَر، ومن الحياة فستان أبيض يحاك لعروس تنتظر عودة حبيبها الجندي السوري من معاركه منتصراً، ومن ضجيج الطلقة الفارغة هناك صوت أعلى لضحكات الأطفال ووعودهم المنطلقة من بريق نظراتهم اللامع للكبار بثقة الحياة وفرحها. هذا بجلّه ما هو باق لنا وما نعيشه بأيامنا المتتالية كي نُثبت حياتنا السورية، وهذا التأكيد الواضح في صالة «لؤي كيالي» من خلال معرض «حبر الحرب من سطر الفن»، والذي قامت فيه مجموعة من الفنانات:ماريانا الشماس وضحى ضوا ولوليانا رميح وكارولين نعمة وفي الإشراف ديمة الفياض، بتدوير المخلّفات ونشل ما هو موجود بين الركام لبث الرسالة، والتي نركز عليها، بأنّ الحياة هي الأقوى من كل الأهوال والكوارث وهي ما سيبقى وسيستمر. هذه المحاولة من الفنانات كانت بتحويل، وبطريقة فنية، أكياس الخيش والدواليب المحترقة والكراسي المحطمة والكثير من الأشياء التي تمّ تخريبها، من خلال اللمسات الفنية والإضافات الزخرفية إلى ما هو أقرب إلى الجديد، في دعوة للاستفادة منه في ظل غلاء الأسعار وضعف القدرة الشرائية.

الهدف تمكين المرأة في العمل
في محاولة لفك عربشة الدمار المحيط بمناطق سوريّة، جاء هذا المعرض الذي أقامه كل من جمعية «نور» و«تاء مبسوطة» في أول فعالية جمعت بين الترميم والفن وعنه تحدثت رئيس مجلس إدارة جمعية «تاء مبسوطة» ديانا جبور معتبرة أن هذا المعرض هو أول نشاط ثقافي للجمعية «يقوم المعرض على مبدأ اكتشاف المواهب والطاقات الأنثوية واستثمار التحدي لديها والتعاطي معه كفرصة من خلال مجموعة من الفنانات التشكيليات، ويُذكر أنّ «تاء مبسوطة» جمعية تهدف إلى تمكين المرأة ودفعها إلى سوق العمل عبر الثقافة والفن، ونحن نقدّم فرص عمل وإمكانات لسيدات قادرات على تقديم كل ما هو جديد للسوق الذي نتوجه إليه، وهذا المعرض يمكن أن يكون بداية مقبولة للجمعية، وبطبيعة الحال نحن مرتبطون بواقعنا الذي للأسف هو واقع فيه الحرب والظلام، لهذا أخدنا أموراً مهملة أو مدمرة أو مستهلكة وأعدنا تأهيلها بطريقة فنية ذات بعد جمالي كي يتم استخدامها من جديد».

التعامل مع المخلفات أمر محزن
العديد من الأشياء أو الأدوات الحربية تحدثت في المعرض ولكن بلسان جديد وغريب عما هو مألوف عنها من حيث طبيعتها، فمثلا «بوري» المدفأة أصبح مصباحاً، والتعليقة صُنعت من فوارغ الرصاص، وكراسي الحديد أضيفت لها الأحبال، وكل ما تمّ تقديمه كان كي يتم الاستفادة منه قدر الإمكان هذا من جهة، ومن جهة أخرى لإبعاد الذكريات المرّة التي لحقت بالكثيرين من حيث التهجير وويل التدمير والهدم للبيوت والمدارس والمستشفيات وكل ما هو خدمي في البلد، هذا ما تحدثت عنه الفنانة التشكيلية لوليانا رميح قائلة: «أنا من خريجي كلية الفنون الجميلة من قسم الحفر والطباعة، أحببت هذا المعرض لأنه يدعم النساء بالعموم، وكما هو معروف المرأة مضطهدة، والمعرض فيه تشجيع لها من خلال تأكيد دورها وأهميتها في المجتمع وخاصة لأن لها قدرة عالية وكفاءة، وبالنسبة لي التعامل مع المخلّفات والأمور المدمرة ليس صعباً بل هو أمر محزن جداً وبالنسبة لي لأنني أرى بلدي تنهار ومدمرة، وأنا عليّ أن أحول هذا الدمار إلى شيء جميل، وحتى يكون جديداً ونافعاً ويتم استثماره، فالفكرة بمضمونها هي بث الأمل والابتعاد عن الذكريات المرة والمفجعة التي مرت ببال الملايين من السوريين، وأيضاً للبحث عن إمكانيات وقدرات الأشخاص مهما كانوا لتطوير الخبرات والاستفادة منها، مع عدم الاستكانة للاستسلام مهما كان الظرف صعبا».

الفعالية لتشجيع الابتكار
في الحديث أكثر عن طبيعة الفعالية التي افتتحت في «الرواق العربي للفنون الجميلة» تكلمت المشرفة ديما فياض «هذا المعرض هو أول افتتاحية لفعاليات الجمعية، ومنه نسلّط الضوء بالخروج على الدمار بأمور فنية جميلة ومقبولة، وأي سيدة بإمكانها أن تجمع أثاث بيتها بأقل الأسعار وليس هذا فقط بل ما ستختاره يتمتع بقيمة فنية عالية، وبما أن الأوضاع المادية صعبة فيمكن من أي قطعة من مخلّفات الحرب أو إذا كانت القطعة قديمة، يمكن إعادة خلقها من جديد، ونحن في المعرض خمس فنانات وهن من خارج الجمعية، ونحن نسعى إلى تقديم فرص للصبايا والسيدات بتشجيعهنس على الابتكار وذلك بالبحث عن أفكار جديدة وبالطبع ضمن ما هو متاح وممكن».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن