ثقافة وفن

مطرح ما ضيع القرد ابنه وزقاق الجن اسم يثير الرعب والخوف في نفوس السامعين

| شمس الدين العجلاني

«مطرح ما ضيع القرد ابنه» لقب طريف غريب لإحدى حارات دمشق القديمة، وتقع في منطقة العقيبة- حارة السمانة، المتفرعة من شارع بغداد، وقيل إنها تقع في منطقة باب السلام في نهاية زقاق الشيخة مريم، ضمن سور دمشق القديمة، وللحقيقة نقول إن أغلب حارات دمشق القديمة نستطيع تسميتها «محل ما ضيع القرد ابنه»، لأنها حارات ضيقة ومتشعبة.
يقال في ذاك الزمن البعيد القريب، وخاصة أيام الأعياد، كان ينتشر في أزقة وحارات دمشق بعض الأشخاص ومعهم سعدان «قرد» ويقدمون استعراضات بهلوانية لهذا القرد، وهنالك منادٍ يصرخ بأعلى صوته «بفرنك الفرجة عالسعدان».. وفي ذات يوم هرب هذا القرد من صاحبه ودخل أحد أزقة دمشق ولحق به صاحبه، فضاع القرد وضاع صاحبه لكثرة الزواريب والتعرجات الضيقة والمتشابهة في ذاك الزقاق، وحسب قول أهل دمشق زقاق مدخلج، «فيه فوتات وطلعات وزواريب وزوابيق إلها أول ما لا آخر» ولذلك أطلقوا على ذاك الزقاق الذي ضاع فيه القرد وصاحبه زقاق: «مطرح ما ضيع القرد ابنه»!
والطريف في الأمر أن أبناء زقاق «مطرح ما ضيع القرد ابنه» اعتادوا على مصادفة هذه الوجوه المتفاجئة والضائعة الغريبة عن حارتهم، عندما يسألون: «كيف بدنا نطلع برات الحارة».
زقاق «مطرح ما ضيع القرد ابنه» هو أحد الأحياء الدمشقية القديمة، الذي حمل هذه التسمية كناية عن ضيقه وكثرة تقاطعاته وزواريبه وتعرجاته الضيقة لدرجة يكاد الإنسان يضيع فيها، وكان اسم هذا الزقاق مثلاً يتداوله العامة من الناس.

برج الروس

ساحه برج الروس من أشهر الساحات بدمشق تقع بين القصاع وباب توما، ولتسمية هذه الساحة باسمها «برج الروس» ذكرى أليمة لدى السوريين ممن يتذكرون سبب التسمية.
كان من عادة السفاح المشهور تيمورلنك عندما يجتاح المدن ويدمرها، أن يقيم في أحد مواضعها برجاً من رؤوس الضحايا المقطوعة، فتجعل الوجوه بارزة إلى الخارج ليراها من يمر بها فيُلقى في قلبه الرعب من سطوة هذا السفاح.
في نحو عام 1400م دخل السفاح تيمورلنك إلى دمشق غازياً ومدمراً، وأصيبت دمشق بأسوأ فاجعة في تاريخها وهي اجتياح المغول لها وخرابها ومقتل معظم رجالها ونسائها وأطفالها، ويصف شهود عيان المدينة آنذاك أن معظمها قد أحرق ودُمّر.
وبعد فراغ جنود تيمورلنك من أعمال السفك والقتل والتدمير والنهب أقاموا بالمحلة المذكورة برجاً من الرؤوس المقطوعة، ويذكر بعض المؤرخين أن تيمورلنك جمع خمسين ألف رأس وعمل منها برجاً وسماه «برج الرؤوس»، وأخذت تلك الساحة اسمها برج الرؤوس، وهذه التسمية حفظتها القرون على ألسنة العامة من الناس رغم أنهم نسوا قصتها، وخُفف الاسم بالعامية الدمشقية إلى (برج الروس).

حارة الزط
هي الحارة الواقعة في منطقة الشاغور الجواني والممتدة من الباب الصغير حتى شارع الأمين.
جاءت تسميتها من القوم الذين كانوا يقطنون بها، أي من تركيبتها الاجتماعية، فهذه الحارة «حارة الزط»، كانت مسكونة من أناس قدموا من البنجاب بين مدينتي أكرا ومهترا في الهند، وهم من الشعوب الهندو أوروبية ويدينون بالهندوسية وكانوا يعرفون بـالـJAT «جيت» ولكن العرب عربوا الكلمة فأصبحت (زط) وهؤلاء القوم كانوا يعرفون بـ(زنوج الهند) بسبب بشرتهم السمراء، وكان لهم حلاقة وأزياء خاصة.
دائرة المعارف تطلق على الغجر اسم «الزط» وتقول إنه «ينطق بكسر الزاي في دمشق، وذكر البلاذري أن الزط قد استقروا في ثغور فارس.
هاجر الزط في العصور القديمة إلى البلاد العربية ومنهم من قدم إلى دمشق وسكن في تلك الحارة وعرفت الحارة باسمهم.
وكلمة «الزط» في المجتمعات العربية كلمة وضيعة، إذ تعتبر كلمة الزطي في المجتمعات السورية من الشتائم الفادحة، وهنالك مثل شائع الصيت في دمشق حول ذلك.
ومن ثم قامت الجهات المعنية بدمشق بتغيير اسم الحارة من حارة الزط إلى جادة الإصلاح.

زقاق الجن
زقاق الجن اسم يثير الرعب والخوف في نفوس السامعين! ويرعب أكثر الغريب عن البلد حين يسمع أن للجن بدمشق حارة وزقاقاً!
يقع زقاق الجن في منتصف دمشق في منطقة «البرامكة»، وكانت هذه المنطقة تحفها البساتين بأشجارها الباسقة والمثمرة وهو من أراضي منطقة بساتين قنوات، وبقيت المنطقة بساتين حتى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي.
زقاق الجن منطقة صناعية من مناطق دمشق، يحتوي على منشآت صناعية خاصة بالسيارات وقطع الغيار وكراجات لتصليح السيارات والآليات الزراعية والصناعية ومحطات للوقود وغسيل السيارات.
مع مرور الزمن اختلطت وظائف زقاق الجن فأضحى منطقة صناعية وتجارية وسكنية، ثم عمدت محافظة دمشق على نقل ورش تصليح السيارات والآليات الزراعية إلى منطقة حوش بلاس، وبقي السوق «الزقاق» منطقة صناعية خاصة بقطع الغيار وكراجات وبعض الورش الصغيرة، وفي زمن الوحدة مع مصر بدأ الزحف السكني لهذه المنطقة فشيّدت الأبنية السكنية، وفتحت المحال التجارية الأخرى، وأطلق عليه من محافظة دمشق اسم شارع عثمان بن مظعون.
ويحكى أن سبب التسمية يعود إلى أن هذه المنطقة كانت مسكونة من الجن قبل أن يشغلها الإنس، وأن رائحتها كانت عطرة لأن الجن كانوا ينشرون في أجوائها العطر والبخور!
ويحكى أن هذه المنطقة كانت كثيرة الرياح لوقوعها على ممر الريح بين جبلي الربوة والمزة، والرياح كانت تحرك أشجارها العالية فتصدر أصواتاً تشبه الهمهمة والصفير، فكان العامة من الناس يعتقدون أن هذه الأصوات هي للجن، وكانوا يتجنبون العبور في هذه المنطقة وخاصة في الليل خوفاً من الجن! ونسجوا قصصاً وحكايا وتخاريف عن هذه البساتين وأصوات الرياح، واكتنف الغموض والخوف هذا المكان، وأطلقوا عليه «زقاق الجن»!
ويحكى أيضاً أن هذه المنطقة كانت مغلقة من الخارج، وعندما ينادي أحد الأشخاص يرتد إليه صدى صوته، فيقولون إن الجن ترد عليه!
ويحكى أيضاً وأيضاً أنه كان هنالك راعي أغنام يرعى أغنامه في بساتين زقاق الجن، وفجأة بدأت واحدة من أغنامه تستطيل إلى الأمام، فاعتقد أنها جني..!

سوق ساروجا
سوق ساروجا واسمه القديم، سويقة صاروجا كان يقع خارج دمشق إلى جهة الصالحية، وهو أول منطقة من دمشق بنيت خارج أسوار المدينة، وتعود بدايات ظهوره إلى القرن الثاني عشر ميلادي قبل أن تنشأ في العهد المملوكي سويقة صاروجا وتسمى بهذا الاسم نسبة لأحد أمراء المماليك، وهو نموذج من الأحياء الدمشقية القديمة التقليدية من ناحية التخطيط والعمارة لما فيه من أوابد تحمل أهمية تاريخية وفنية كبيرة، ويحتوي الحي على الكثير من الأوابد التاريخية من حقبات زمنية مختلفة.
تعددت الروايات حول سبب تسمية صاروجا والذي قلب العامة من الناس بدمشق حرف الصاد بحرف السين كعادتهم فأصبح «ساروجا».
قيل في سبب تسميته ما هو طريف حيث يروى أن هنالك أحد فرسان هذا الحي كان يتنقل بسرعة الريح على جواده، ولذا كان أبناء الحي يقولون فلان «سار وإجه» أي راح وعاد إليه بسرعة! والأطرف من ذلك، يُحكى أن ولياً من أولياء اللـه كان يسكن ذلك الحي وكان هذا الولي من أهل الخطوة، وفي يوم من الأيام كانت أم الولي تطبخ «كبه لبنية» وابنها في أرض مكة المكرمة، فنادته: «طبخت لك اليوم كبة لبنية يا ابني»، وما هي إلا لحظات حتى كان الولي في الشام في بيت أهله في سوق ساروجا وأخذ نصيبه من الكبة اللبنية وعاد إلى مكة المكرمة وتناولها هنالك مع صحبه وهي لا تزال ساخنة، ومنذ ذلك الوقت سمي الحي بـ«ساروجا» أي (سار وإجا) وما زال بعض الناس وبالأخص الكبار في السن يؤمنون بأنه سار عبر الزمن بقدرة قادر من مكة وجاء إلى حيِّه في الشام ليأخذ نصيبه من طعام أمه.
وأيضاً يقولون إن التسمية مشتقة من الكلمة التركية (Sarıca) أي أصفر اللون أو لون الصُفرة، وهذا قول ضعيف جداً، فسويقة صاروجا وجدت قبل الاحتلال العثماني بسنوات عديدة.
والصحيح حول تسمية الحي الذي يعود إلى العصر المملوكي أن الأمير المملوكي (صارم الدين صاروجا المظفري) هو أول من بدأ في إشادة هذا السوق حين قام ببناء صفين متقابلين من الدكاكين، فسمي المكان سوق صاروجا نسبة إليه، وحافظ على اسمه إلى يومنا هذا، ولكن العوام من أهل دمشق يلفظون حرف الصاد بحرف «السين» فأصبح حي سوق ساروجا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن