اقتصادالأخبار البارزة

وزير المالية يصدر قراراً بنقل 46 موظفاً بسبب «الترهل» و«البلّ» يطول رؤساء أقسام قريباً … مدير مالية دمشق لـ«الوطن»: حالات خلل وتجاوزات أصبحت برسم الجهات الرقابية

| محمد راكان مصطفى

بدأ فساد مديريات المال يطفو على السطح بشكل لافت مؤخراً، بعد مجموعة من التقارير التفتيشية، نتج عنها عزل عدد من الموظفين وإحالة العديد منهم إلى القضاء، بينهم مديرون، ومحاسبون ومراقبو دخل.. وعدد آخر من الموظفين المعنيين بشأن المال.
ويبدو أن الفساد متشعب في المالية، فالبعض يتستر على الآخر، مقابل تستره عن الفساد المتبادل الذي يضر المواطن والوطن على حدّ سواء. إضافة إلى الترهل الإداري وضعف الكفاءة الذي يمثل فساداً غير مباشر، وهذا ما يكثر بشكل فاضح ليس في دوائر المال فقط.
وفي هذا السياق أصدر وزير المالية مأمون حمدان القرار رقم 934 ق. /و، أجرى بموجبه عدداً من التنقلات لنحو 46 موظفاً، والذي جاء بناءً على كتاب مديرية مالية محافظة دمشق رقم 3596/8/0 تاريخ 19/12/2016 المعطوف على محضر اجتماع اللجنة رقم 3594/8/0 تاريخ 19/12/2016.
وفي حديث لـ«الوطن» بين مدير مالية دمشق محمد عيد أن قرارات التنقل نالت أغلب الأقسام إضافة إلى رؤساء ودوائر وشعب، ويتم العمل على تقييم أداء رؤساء الأقسام ليصار إلى إصدار قرار التنقلات الخاص بهم قريباً. وأوضح عيد أنه من الطبيعي أن تلاقي تلك القرارات قبولاً لدى بعض الموظفين، وانتقادات من البعض الآخر أصحاب المصلحة، وبذلك يشيرون إلى أنفسهم ويؤكدون أنهم مستفيدون لأنه يفترض بالعاملين الذين يتم نقلهم بالفئة نفسها والأجر ألا يتذمروا من نقلهم إلى مكان وفق مقتضيات العمل والمصلحة العامة.
وأوضح أن هدف التنقلات هو الارتقاء بمستوى العمل وزيادة خبرة العاملين من خلال نقلهم إلى أماكن لم يسبق لهم العمل بها وذلك بهدف إكسابهم الخبرة في العمل وهو ما يؤسس لثقافة جديدة في العمل الوظيفي تبين ضرورة معرفة العامل بأغلب أنواع العمل إضافة إلى القضاء على الترهل الحاصل في بعض أقسام ودوائر المديرية.
وإنه ومن خلال تدوير العاملين في مختلف الدوائر والأقسام، وبالاهتمام بدورات التأهيل والتدريب التي يعد لأقامتها قريباً، يهدف إلى الوصول إلى كادر مؤهل على المستوى المهني قادر على فرض الضريبة الحقيقية من خلال دراسة نشاط المكلف والوصول إلى المعلومات اللازمة لذلك.
وأشار عيد إلى وجود عدد من العاملين لم يحظوا بفرصة على صعيد الارتقاء بالسلم الوظيفي رغم أن سجلاتهم الوظيفية نظيفة، وعلى الرغم مما يتمتعون به من سمعة جيدة، مؤكداً أنه وفي وقت قريب ستكون لهم فرص بتسلم بعض مفاصل العمل المهمة.

في حيثيات الفساد
رأى عيد خلال حديثه لـ«الوطن» أن أحد العوامل التي ساهمت تاريخاً في ظاهرة الفساد هو دعم بعض أصحاب النفوذ للفاسدين، وغياب مبدأ المحاسبة تاريخياً، إذ كانت سابقاً تتم محاسبة الموظفين غير المدعومين لارتكابهم أخطاء بسيطة، على حين يتم التغاضي عن كبائر وصغائر الأخطاء التي يرتكبها الموظفين المدعومين، في كثير من الأحيان.
وأضاف عيد: إن أحد أهم الأسباب في ازدياد ظاهرة الفساد يعود إلى عدم ربط الرواتب والأجور بالأسعار، إضافة إلى ضعف التعويضات الممنوحة للعاملين، الأمر الذي يستوجب إعادة النظر بجميع التعويضات، وبالرواتب والأجور حينما تسمح الظروف بهذا الأمر.
وبين عيد أنه يجري حالياً تقييم العاملين مؤكداً أنه سوف تتم محاسبة من يثبت تورطه بالتفريط بحقوق الخزينة، كاشفاً عن أنه تم ضبط حالات خلل وتجاوزات وتم اتخاذ الإجراءات القانونية أصولاً، وهذه الحالات الآن برسم الجهات الرقابية.
أوضح عيد أن نسبة كبيرة من العاملين في مالية دمشق يتمتعون بالنزاهة ومشهود لهم بالأخلاق خلافاً للبعض الذين أساؤوا إلى الأغلبية، مؤكداً أن أغلب العاملين في المديرية أبدوا تعاوناً ملحوظاً مع الإدارة وذلك بعد إعطائهم الفرصة المناسبة، بعد أن كانوا مهمشين.
وقال: «من المعلوم أن الفساد إرث وفساد الماليات كأي فساد في أي جهة حكومية وإن لم يكن أقل، فإنه ظاهر بشكل أوضح بسبب التماس المباشر بين الموظف والمكلف، وذلك على اعتبار أن عمل الماليات جباية ما يترتب من ضرائب وذمم على المكلفين فتظهر المخالفة المرتكبة بشكل مالي واضح».
وأعاد عيد السبب في ذلك إلى أن ثقافة التهرب الضريبي متأصلة في مجتمعنا وذلك بسبب عدم قناعة دافعي الضرائب بدفعها وفق أسس سليمة وواضحة، وذلك خلافاً لدول أخرى يوجد فيها جمعيات تسمى جمعيات دافعي الضرائب تقوم بمسائلة حكوماتها عن كل مبلغ يدفعه المكلف بالضريبية وعن مصير الضرائب والذمم التي يؤديها المكلف، ما يساهم بتشجيع المكلف على الالتزام بتأدية ما يترتب عليه من ضرائب، وعلى التزامه في المساهمة في الإنفاق العام.

مزاجية مراقبي الدخل
وعن مزاجية مراقبي الدخل في وضع التكاليف الضريبية بين عيد أنه وللوصول إلى تكليف عادل يجب تعديل التشريعات المعمول بها حالياً وتأطير للصلاحيات الواسعة لمراقبي الدخل، وخاصة مع غياب المعاير الواضحة لوضع التكاليف، والعمل وصولاً إلى قانون ضريبة الموحد على الدخل يجمع التشريعات كافة، كما يجب إعادة النظر بأسس تكليف بعض الضرائب إذ إن العديد من الضرائب تحولت إلى رسوم ومازلت تندرج تحت مسمى ضرائب.
ويلاحظ عند إعداد أضابير التكليف إغفال المراقبين للمبررات التي تم الاعتماد عليها في تحديد رقم العمل وعدم الإشارة إلى المعايير أو الأسس التي تم استناداً إليها تحديد مستوى الفعالية، ما يعتبر نقصاً جوهرياً يتعلق بأحد أهم أركان التكليف ويمكن أن يفسر في بعض الأحيان محاولة لتضليل اللجنة البدائية أو اللجنة الاستئنافية أو اللجنة المالية للحيلولة دون بيان واقع الفعالية بشكل موثق ودقيق، الأثر الذي يستدعي مساءلة المراقب مسلكياً وإدارياً في حال ثبوت ذلك.
وأنه وفي الوقت الذي سيجري فيه إعداد آلية للتحقق والتأكد ميدانياً من وصف الفعالية التي يشير إليها المراقب في متن التكليف سواء من خلال اللجان المالية أم اللجان المنبثقة عنها. كاشفاً عن قيام مديرية مالية دمشق بالعمل على وضع ضوابط لعمل مراقبي الدخل.

آليات جديدة
وأكد عيد أنه ومن أبرز أولويات العمل ضبط ظاهرة تعقيب المعاملات من العاملين في المديرية، كاشفاً عن تكليف لجنة لمتابعة تعمل بشكل سري لمتابعة هذا الموضوع لمتابعته بشكل يومي. مؤكداً أنه تم ضبط بعض العاملين الذين يقوم بتعقيب المعاملات، وتمت إحالتهم إلى التحقيق وإلزامهم بكتابة تعهد بعد ممارسة هذا الأمر تحت طائلة المسؤولية، وإنذارهم في حال التكرار بإحالة الموضوع إلى الجهات الرقابية المختصة، منوهاً بأنه خلال فترة أقل من شهر تم ضبط الموضوع، ولم يتم ضبط أي حالة رغم استمرار اللجنة بالمراقبة التامة للعاملين.
وبيّن عيد أن مديرية مالية دمشق تقوم الآن بإعادة النظر بسير المعاملات بما يضمن توفر الوقت والجهد على المراجعين وعلى العاملين، مؤكداً أن تبسيط الإجراءات يؤدي إلى الحد من الممارسات الخاطئة التي يرتكبها بعض الموظفين الذين لهم احتكاك مباشر مع المراجعين، وأن الإدارة تعمل على تفعيل مبدأ الرقابة المستمرة وذلك لتصويب أي خطأ ومحاسبة أي تقصير.
كما تم وضع ضوابط للعمل في أرشيف تجارة العقارات، وأصبح رئيس الشعبة معنياً بجمع المعاملات وتوزيعها على عاملي الأرشيف، ما يمنع وجود احتكاك مباشر بين العامل والمكلف أو المعقب، ما يؤدي إلى غياب احتمال الابتزاز والوساطة وخاصة أن العامل يقوم بإنجاز المعاملة من دون معرفة صاحبها.
وبيّن عيد أنه تم البدء بإعادة النظر في سير بعض المعاملات بهدف تخفيف معاناة المراجعين من خلال التوزيع المكاني للموظفين بحيث يصبح بإمكان المراجع إنجاز المعاملة في الطابق نفسه أو في طابقين على الأكثر، وقد تم البدء في تنفذ التجربة مع معاملة رسم الطابع من خلال نقل أمين صندوق، وعامل منح الرقم الضريبي من الطابق الأرضي إلى الطابق التاسع، فأصبح بإمكان المراجع إنهاء معاملته في الطابق نفسه وبوقت مختصر، كما يتم حالياً العمل على دراسة سير معاملة براءة الذمة العامة لوضع آلية من شأنها تسهيل الحصول عليها من المراجعين وفي أقل جهد وأقصر وقت.

معقبو المعاملات متهربون ضريبياً
كشف عيد عن أنه تم الطلب إلى العاملين لدى المديرية بعدم قبول أي معاملة إلا من صاحب العلاقة بالذات أو من كفيله القانوني بموجب وكالة مصدقة وحدثيه أو من مجاز قانوني بعد مهر المعاملة بختمه والتأكد من تكليفه المالي، وذلك على خلفية ملاحظة أن اقل من ربع المعقبين الذين يعملون لدى المالية مكلفين مالياً والباقي يعمل من دون تكليف، ما يعتبر أمراً معيباً بحق الدوائر المالية وخاصة أن هذه الشريحة بشكل يومي في مبنى المالية وتسير أمور المكلفين ويتغاضون عن تأدية التزاماتهم وواجبهم تجاه الخزينة، الأمر الذي اضطرنا إلى الإيعاز لجميع المعقبين الذين يراجعون المالية بضرورة تقديم بيانات المالية مباشرة وبشكل أصولي لدى شعبة التسجيل والمحفوظات ليتم تكليفهم وفق تلك البيانات وفي حال عدم الاستجابة، تحت طائلة إيقاف إنجاز المعاملات في حوزة المعقبين غير المكلفين ضريبياً.

إشكاليات التقارير الرقابية
وكشف مدير مالية دمشق عن وجود مشكلة في بعض التقارير التفتيشية التي تعدها الجهات الرقابة، وبيّن أن بعض التقارير تحاسب وتفرض عقوبات على أخطاء مرتكبة لا ترقى إلى درجة العقوبات المفروضة، وأن بعض العاملين المعاقبين بالتقارير التفتيشية ارتكبوا أخطاء مهنية وأخطأهم لا ترقى ولا تعادل العقوبات المبالغ فيها المفروضة بحقهم، على الرغم من أن الكثير من تلك الأخطاء لم تؤد إلى ضياع حق الخزينة، وخاصة ما يتعلق بمخالفات التأخر في تنفيذ بعض القرارات والإجراءات.
وبيّن عيد أن هذا الأمر أدى إلى انتشار ثقافة الخوف بين العاملين والعزوف عن بعض الأعمال ومنها الاعتذار عن المشاركة في اللجان، إذ إن أغلب الخبراء باتوا يعزفون عن التوقيع على الأضابير، وعند إلحاح عليهم للتوقيع يتحفظون بشكل كبير، إضافة إلى أن البعض منهم يعتذر عن التوقيع، مشيراً إلى أن استمرار العمل في هذا الجو قد يؤدي إلى حالة شبه شلل في أعمال اللجان الضريبة وفي تسير أمور المكلفين.
ويرى عيد أنه وللخروج من هذه المأزق يجب على الإدارة الضريبية أن تكون بمستوى هذا التحدي وأن تقوم بوضع تعليمات واضحة وصريحة لكل الحالات المتعلقة بسير المعاملات وعدم ترك باب الاجتهاد لأحد، ما يتيح لها محاسبة من يقوم بمخالفة تلك التعليمات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن