سورية

تشكيك أوروبي في نجاعة وقف إطلاق النار!

| أنس وهيب الكردي

وجد الأوروبيون المستبعدون عن إعلان موسكو الثلاثي، ووقف إطلاق النار، الذي من المقرر أن تتخلله محادثات سورية في عاصمة كازاخستان آستانا، أنفسهم أمام معضلة الرد من دون موقف أميركي واضح. لذلك، اكتفوا بالتشكيك في حسن النيات الروسية وإمكانية أن يؤدي وقف إطلاق النار المعلن أخيراً إلى تسوية الأزمة، وحاولوا وضع العصي في دواليب عملية آستانا عبر الإصرار على بحث مستقبل الرئيس بشار الأسد وصلاحياته خلال المحادثات المقررة هذا الشهر.
والأوروبيون هم المعنيون الأساسيون، أكثر من الأميركيين، بما يجري في سورية، ليس فقط من زاوية أزمتي المهاجرين والإرهاب، اللتين زعزعتا بنيان الاتحاد الأوروبي وأسهمتا في صعود اليمين المتطرف في أرجاء القارة العجوز، بل أيضاً من زاوية الانعكاسات الإستراتيجية على ميزان القوى الأوروبي. ويعتقد العديد من المسؤولين الأوروبيين، وبشكل خاص الألمان، أن روسيا القوية في سورية وشرق البحر الأبيض المتوسط، ستعمل على تعزيز مواقعها في شرق أوروبا.
مع ذلك لا يمتلك الأوروبيون الأدوات والروافع التي تمكنهم من الضغط لتحقيق مصالحهم. فحليفتهم الكبرى، الولايات المتحدة لا يمكنها أن تهب لنجدتهم وتضغط من أجل تحقيق مصالحهم، وخصوصاً أنها تمر في لحظة سياسية انتقالية ما بين إدارتين، ولا يمكن للدول الأوروبية التعويل على الرئيس الأميركي المقبل دونالد ترامب، الذي يعتزم التقارب مع روسيا في سورية وأوكرانيا.
وليس بإمكان الأوروبيين أيضاً التعويل على أي من الدول الإقليمية لتكون ركيزتهم في أي جهد لإحباط المساعي الروسية في سورية؛ فإضافة إلى الحلف الذي عقده مع طهران، نجح الزعيم الروسي فلاديمير بوتين في جذب أنقرة بعيداً عن حلفائها الغربيين. وهو يستعد أيضاً لجر الدول العربية (مصر، السعودية والأردن)، بشكل خاص لدعم مسعاه المتحور حول محادثات آستانا. وكل ما ينتظره الرئيس الروسي لإنجاز هذا الأمر هو خروج الرئيس الأميركي باراك أوباما من البيت الأبيض واستلام دونالد ترامب مقاليد الأمور في واشنطن. وعلى أي حال، سيكون من الصعب على الدول الأوروبية تطوير علاقات مع إيران خلال عهد ترامب. كما أن الدعم الأوروبي المفتوح، لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية في منبج وبقية الشمال السوري، وسقوط اتفاق لاجئ مقابل مهاجر بين بروكسل وأنقرة، قضى على إمكانية تحسين العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، على الأقل خلال المدى المنظور. هكذا ستنعزل القوى الأوروبية عن المسألة السورية، وقد لا تنفعها كثيراً محاولتها لعب ورقة إعادة إعمار سورية لاستدراج تنازلات سياسية حول مسائل الحكم وشكل سورية المستقبلي.
وعلى الأرجح أن تكون مسألة وقت قصير جداً، قبل أن يقرر بوتين وترامب إطلاق مفاوضات بشأن أوكرانيا وسورية، يجد الأوروبيون، وبالأخص الألمان، أنفسهم أمامها من دون أدنى قدرة على التأثير في نتائجها.
وفي سنة انتخابات في أهم الدول الأوروبية سيكون من الصعب على صناع القرار الأوروبي أن يجترحوا سياسات متماسكة ومستمرة لتحسين مواقعهم الإقليمية.
ودعت فرنسا روسيا لوقف الأعمال العسكرية في سورية واحترام وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه موسكو وتركيا. وقال رئيس الوزراء الفرنسي برنار كازنوف لإذاعة «فرانس انتر»، بحسب وكالة «رويتزر» للأنباء: «ندين تماماً كل ما يمكن أن تقوم به روسيا في سورية، ويكون من شأنه الإسهام في استمرار القتال». وأعرب كازنوف عن أمله في أن تستمر المحادثات بين القوى السورية «حتى يتماسك وقف إطلاق النار» من دون أن يوضح موقفه من محادثات آستانا المرتقبة. وطالب روسيا بـ«الكف عن المشاركة في العمليات العسكرية وهي عمليات قاتلة» ولم يحدد أي العمليات يشير إليها.
في برلين، أعرب وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير عن مواقف متطابقة مع كازنوف ما يشير إلى تنسيق في المواقف بين برلين وباريس. وتحدث شتاينماير عن شكوكه في فرص التوصل إلى تسوية دائمة للأزمة السورية على الرغم من وقف إطلاق النار الحالي.
وقال شتاينماير لصحيفة «راينشه بوست» الألمانية: «لكي تكون هناك احتمالات للسلام، هناك حاجة إلى أكثر من مجرد غياب للمواجهات العسكرية». ورأى، في مقتطفات نقلها موقع قناة «روسيا اليوم» الإلكتروني، أن فرصة حدوث نهاية دائمة للأعمال العدائية دون إجراء مفاوضات سياسية حقيقية تشمل جميع الأطراف ذات الصلة لا تذكر تقريباً. مع ذلك وصف وقف إطلاق النار الحالي بأنه «بادرة أمل للشعب السوري».
وختم شتاينماير حديثه بالقول: «لا أستطيع أن أتخيل إمكانية رسم المستقبل السياسي لسورية في ظل وجود (الرئيس) الأسد».
وبدوره، دعا المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية مارتن شيفر إلى طرح مسألة المستقبل السياسي للرئيس الأسد ودور «الفصائل المعارضة» في تشكيل مؤسسات حكم انتقالية على أجندة محادثات آستانا.
وأكد شيفر، حسب «روسيا اليوم»، اقتناع ألمانيا بأنه لا يمكن التوصل إلى حل سياسي في سورية إلا في حال تقليص صلاحيات الرئيس الأسد إلى حد كبير، مضيفاً: إن السلطات الألمانية لا تزال متمسكة باعتبار مشاركة الرئيس الأسد بعيدة المدى في الحياة السياسية بسورية أمراً مستحيلاً. وذكر أن موقف بلاده الثابت يقضي بأن سورية لا مستقبل لها مع الرئيس الأسد، مشيراً إلى ضرورة أن تسعى أطراف مفاوضات أستانا إلى تحقيق ما تم التوصل إليه أثناء اجتماع المجموعة الدولية لدعم سورية، وهو تشكيل حكومة انتقالية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن