ثقافة وفن

غنِّ معي عن السلام.. عن الحب.. حتى لا أفقد الأمل أبداً .. بديع جحجاح: أقول لمن يعتبرني اختبئ وراء القرآن والإنجيل .. أنا شفاف وظاهر

| سارة سلامة

بديع جحجاح الذي لم يتوقف عن الدوران يعتبر اليوم حالة مؤنسنة دفعها وعيها والمخزون الذي شكلته للترفع ونبذ المعتاد، كما أن التماهي بين حرفي الألف والنون أعطاه بداية لحلم ومشروع مسكون بالأفكار من شأنه مدّ جسور التواصل مع الآخرين.
لا يخفي تأثره بشخصية الدرويش الذي يغرق في حالة من الدوران عشقاً وولهاً وذوباناً بحب ربه غير آبه لكل ما يدور حوله، بينما دوران جحجاح يمثل العشق والذوبان والسمو في حالة الفن والجمال والإبداع.
حاله الوطني دفعه لإقامة تظاهرة حقيقية استقدم فيها الفن الحلبي هذه الضجة التي أحدثها وهذا الجدل ربما ساهم في طي سنوات من الحرب لأنه على ثقة بأن المجموع الواعي يخلق جملة سورية حقيقية، ليشعل من بعدها فتيل الفن التشكيلي بعد ركود أضناه لسنوات.
أما اليوم أحد أهم مشاريعه هو العمل على دمج الفن التشكيلي بالمدارس السورية وذلك يقيناً منه بقدرة الجيل الجديد على الخلق والإبداع.

لماذا معرض حلب وكيف تمت الخطوات وما النتائج؟
كل حال وطني وكل حال أخلاقي وكل حال مبدئي مؤنسن لا يمكن أن يكون فردياً على الإطلاق، لا يمكن أن يكون إلا مشعاً وهذا الإشعاع لا يأتي من طاقة فردية، لذلك موضوع حلب يمثل جزءاً من منظومة ألف نون كأبجدية وعي وفكر جديد لبناء مفردات تشكيلية جديدة.
كان افتتاح ألف نون عبر جدليات مختلفة، وكان لحلب رؤية خاصة بالنسبة لي، فغياب فكرة الفن التشكيلي وغياب فكرة الجمال عن أقدم مدينة في تاريخنا المعاصر، تطلب مني إعادة إشعال هذا الفتيل الفني والجمالي من خلال مجموعة من الفنانين المهمين والمعروفين الذين تتراوح أعمارهم بين 65، وطلاب تخرج 23 سنة، هذا التمازج من خلال 15 فناناً يعتبر بالنسبة لألف نون حالاً تحريضياً من أجل أن نقول لإخوتنا إننا نفكر بكم ونحن اليوم جسر واحد فحلب هي كل سورية.
واستحضار الحالة الشعرية لسيف الدولة والمتنبي «حلب قصدنا وأنت السبيل»، لأنها في الحقيقة واجهة الشمال وهي واجهة حقيقية، لذلك كانت الغاية هي توقيف كل الأبواق الإعلامية بمعرض حلب وكلامهم عن الحرب والتدمير والإرهاب وجعلهم يتوجهون ويتكلمون عن الفن والجمال والرقي والأنسنة.
ولها مجموعة غايات أولها أنني أفكر بك وأنني أحبك بكل بساطة، فأنا لدي فراغ لا يمتلئ إلا بك ولا يتطور إلا معك، وهي عبارة عن مجموعة مفاهيم أرغب في تعميمها وألا تنتهي عند حلب فقط.
منظومة جدل عبر ألف نون في وقت ما توهجت بحلب حيث كان المعرض بمنزلة صلاة حشدنا فيها مجموعة طاقات، وأعتقد أنها ساهمت مع جيشنا بتحقيق الانتصار الذي نشهده بعد شهر ونصف الشهر من هذا المعرض، وهذا ما دفع الكثير من الفنانين المشاركين إلى الاستغراب لأنهم كانوا بمكان أشبه بحلم والتيهان المؤدلج.
وبدوري أخبرتهم جميعاً أن يحملوا طاقة إيجابية وعدم بث الطاقة السلبية، رغم كل العنف والتعب نحن اليوم بحاجة أن نعيد الإنسان عبر ترياق الفن والجمال، نصوغه جملة مفيدة في جبين سورية.
كما كانت جواباً على كل مؤسسات الدولة الحكومية خصوصاً والمنظومات التي تعمل في القطاع التشكيلي والتي كانت نائمة وفي سبات عميق من صالات خاصة واتحاد التشكيليين، وهذا ما حدث فعلاً فبعد المعرض أقام اتحاد الفنانين التشكيليين بحلب معرضاً ضخماً.

الفنانون الـ15 من حلب هل كنت تعرفهم سابقاً، وما النتائج التي توصلت إليها؟
أعرف ثلاثة منهم فقط وبالتأكيد لا يمثلون تجمعاً لأصدقائي، وبالنسبة للنتائج أستطيع أن أصفها بجملة «في مناخ البهجة يصبح النمو ممكناً».
فعندما تستحضر المفردات الإنسانية وتحترمها على أعلى مستوى ضمن مفاهيم القيم والأخلاقيات بكل تفاصيلها، تشجع الناس على تقديم أجمل ما عندها وهذا ما نقيسه أيضاً على النظام الاجتماعي، فيجب أن نوفر لفناننا وأديبنا وشاعرنا كل هذه المناخات وأهمها الاحترام والتبجيل والمسؤولية تجاه العمل والمنجز الفني وأن يكون ذا قيمة ويضخ رسائل على المستوى الإنساني، وأهم جملة أتمنى التركيز عليها هي كيف يكون الجسد التشكيلي السوري أثناء الأزمة متماسكاً وأكثر إنسانية.

هل تقصد أن العمل روحاني فقط وليس له غايات مادية؟ أو هل نستطيع القول إن الغاليري «الصالة»، جمعية خيرية؟
جزء من الغاليري له علاقة بالقطاع المالي والاقتصادي، وعندما استحضرت الفنانين من حلب دفعت لكل فنان قيمة مالية تقدر بـ500 دولار أي 250 ألف ليرة سورية، كما عملت على تأمين سوق للبيع والطرح.
أما طريقة بيع اللوحات ومتى سأبيعها فهذا سؤال آخر، لكن مايهمني أن أكون داخل الكيمياء، فالحال الإنساني الذي جمعني بهم هو الحال السوري والوطني الذي يوثق علاقتي بهم الحال الجمالي والتشكيلي، ثم الحال الاقتصادي في الدرجة الرابعة والأخيرة.

لو أن اللوحات لم تكن جيدة وبياعة فهل تغامر هذه المغامرة؟
أنا لم أفرض أبداً شكل اللوحة وكيف يجب أن تكون وبالنتيجة كانت هذه المعادلة من آخر أولوياتي كبديع جحجاح، وعملياً نصف اللوحات لم تبع بعد.
بعد هذا التعاون مع الفنانين الـ15 هل نقول إن هناك أواصر للتعاون المستقبلي؟ وهل كانت التجربة مريحة لهم ولك؟
أتكلم عن نفسي على الأقل حيث كنت في غاية السعادة بهم جميعاً والعلاقة كانت مثمرة لأبعد مستوى، ولا أدري في المستقبل كيف سنتعاون من جديد ولكن ما يهمني أنني قدمت جرعة إنسانية مهمة وجرعة مالية مهمة. تتوجت بتكريم محافظ حلب للفنانين وذلك بطلب من السيد الرئيس وكانت هذه لفتة عظيمة من سيادته أن أعطى 500 ألف لكل فنان من الفنانين الذين شاركوا بألف نون.

هذا يقودنا إلى سؤال مهم.. سورية ضمن الأزمة والحالة الاقتصادية وغيرها هل أعطاك ذلك مؤشراً على أن السوري لا يزال يهتم بالجمال ويقتني؟
لا يوجد شك بذلك وفي الحقيقة التظاهرات التي قمنا بها على أكثر من صعيد، مثلاً شراكتنا مع شركة المستقبل كانت حتى نزج الفن التشكيلي بالشارع ليراه كل الناس، وشراكتنا أيضاً مع القطاع الإعلامي والصحفي والمؤسسات الإعلامية السورية التي نجدها متأثرة وموجودة دائماً، خصوصاً عندما ترى حالاً حقيقياً وصادقاً وداعماً.
الناس الذين يقتنون فناً على مستوى القيم المالية التي نطرحها بألف نون ليست قيماً مالية ضخمة وكبيرة، فهناك بعض المؤسسات ضخمت برأس الفنان وأعطته أسعاراً هائلة الأمر الذي خلق فجوة بين الشخص القادر على الاقتناء والأشخاص الذين يحبون الفن وغير القادرين على أن يقتنوا.
والآن نستطيع اقتناء لوحة بسعر 25 ألفاً إلى المليون حسب قياسها وتاريخ الفنان ومنجزه الثقافي والفكري إضافة إلى اعتمادنا ليس فقط على المقتني السوري في داخل سورية إلا أن اعتمادنا ينصب كثيراً في جزء منه على السوريين في الخارج الذين يتابعون ألف نون ويقومون بدعم الفنانين.

ألف نون ومشروع بديع جحجاح الذي بدأه في قصر الشهبندر قبل سنوات تحت اسم «دوران»، وبدأ من يومها بديع بالدوران وإلى اليوم هاجسه الدوران كيف ذلك؟
الدوران هو الحال الكوني والفيزياء الكونية التي تنتج طاقة كامنة وتنتج طاقة خارجية، ونحن نتأثر ونؤثر في هذا الكيان وباعتقادي أن البطل فيه هو الميلوي أو الدرويش الذي اتخذته كعلامة بصرية وتاريخية بكل ما يحمله من مضامين لها علاقة بالتصوف والأفكار المختلفة أخذته كحال يخدمني لكونه إنساناً عاقل المقصد في دورانه، هو السعي للذوبان في روح مولاه وخالقه، وهو مدرك أن الدوران لا يكون حقيقياً إذا لم يكن فيه منفعة لأخيه الإنسان على الأرض.
الدوران شكلان، دوران عمودي يتمثل في علاقة المخلوق بربه وتتجلى في الألف، ودوران أفقي يتمثل بعلاقتي مع الناس حولي أي هي القيم الأخلاقية والسلوك، أما ألف نون فهو جسر بين حرفين ولكنه ككيان هو جملة مكتملة من الفنون، بمعنى أنه لا يمكن أن نحارب ثقافات فيها تعصب وتكفير واضمحلال ومحدودية وعدم حركة إلا بسعي مستمر أساس كينونته هو الدوران الإيجابي، وأدواتك له هو الانفتاح الثقافي والانفتاح الفكري، الحال الجمالي، الحال الفلسفي، الذي لا يغلق البوابات على الإنسان وإنما يفتحها ضمن وعي حرف نون القوس الذي يحتوي على نقطة وهي بذرة بالنسبة لنا مقدسة، وليكون هناك صوت لا يوجد فصل بين القوس والنقطة فكل حالة بمفردها هي حال صامت ولكن مع بعضها ينتج صوت اسمه نون وهذا الوعي الذي نحن نطلبه.

هل تؤمن أن الفنان التشكيلي مثله مثل الشاعر والمثقف من دوره يصنع في مكانه ويترك للزمن؟
لا يوجد شك وإنما النوعية والعمق الموجود في اللوحة أو في الفكرة وكم هي حالة قيمية للمجتمع والإنسان في هذا الظرف، نحن في ألف نون نشكل وعياً جماعياً فالوردة لا تصنع حديقة، مجموع الأزهار هو الذي ينتج حديقة.

لكن الإبداع قدرة تراكمية لا تأتي نتائجها مباشرة، قد تستغرق وقتاً طويلاً؟ هل يحتمل الوعي هذا الانتظار؟
عملياً من حالة الإبداع يخلق لدينا منتج وهذا المنتج بقدر ما يحمل من طاقة المبدع وصدق المبدع، هو قادر على بث رسالة تنتقل للناس بسهولة وببساطة، ولا ننسى الحاجة إلى حال تسويقي وكذلك الحاجة إلى من يلم بعملية الترويج، وهناك شكلان لعملية الترويج والتسويق، إما أن تروج العادي والضعيف والسيئ والقدرة على تحويله لحقائق وهذا صعب بالحال الفكري، وإما تتبنى تراكماً إبداعياً عند مجموعات من الناس تدخلها على فلتر ألف نون حتى يرى تجربته ويعيشها بهذه اللحظة لأن تجربته الثانية لا تشبه هذه التجربة حتما، سيكون هناك مسؤولية تجاه منجزه القادم هذا جزء من مفاهيم ألف نون، فعندما يدخل إلى هذا الفلتر ويخرج هنا أنا قمت بتخزينه على «الويب سايت وعلى اليوتيوب»، وأقمت له مناسبة ضخمة وساهمت في بيع لوحاته وشاركته بجزء منها أما الآن فما دوره وماذا سيفعل فيما بعد.

هل تراهن فقط على مشروع ألف نون؟
هذا المشروع هو بذرة تنبت وتكبر بكل البذور التي تنضم إليها، فكلما كبر ونبت، وكلما شاهدني المتلقي بكل ما أفعل من منجزات على مستوى المجتمع المدني والصحفي والإعلامي، يتبين له مدى مصداقيتي فهذا يساهم في أن تتحول البوصلة إليّ.

ما النتائج التي لمستها بعد مرور سنوات على فكرة الدوران؟
بديع جحجاح أصبح اليوم جملة مؤنسنة تشكل حالات إبداعية مختلفة مثلاً ما قبل الأزمة عمل بالحملات الإعلامية والبصرية والشعار التجاري والإعلانات وإلى آخره، أما الأزمة اليوم فحولت منظومة هذا الوعي لمنظومة أخرى بدأت من خلال دوران واحد في قصر الشهبندر التي تعرفنا فيها على الميلوي والدرويش.
لكن في عام 2013 استطعت أن أحول من دوران إلى منظومة فكرية اسمها «أفلا »، وهي سؤال استنكاري اليوم نحن بحاجته كثيراً لاستخدام أقيم للكيمياء الجسدية هو العقل وأن ندعم المحيط وهو المدرك الذي يخزنه العقل وشرطه أن يكون على مستوى عالٍ من الجودة وضمناها رباعية.
حتى نصدر من منظومة «أفلا» رموزاً مشرقية لها علاقة بالتجريد أسوة بنقطة وحرف نون الذي خلقنا فيه رمز التكوين وهو يمثل نموذجاً إنسانياً مختلفاً يعتبر ولادة الكلمة العليا وهي التسامح والرحمة واللطف والمحبة والودّ بين الناس.
وذلك ليتذكر الإنسان بأنه إلى فناء فهو يبدأ بباء بداية ثم ينتهي عبر نون نهاية، والجدل بين باء ونون هو التواتر في نبض القلب وهو المنجز الذي لا يكون ذا قيمة إذا لم يكن فيه نفع عالٍ للناس، أفلا يشكرون وهنا نتشكر الرب لعبور الحياة بجسد إنساني اليوم وليس بجسد آخر.
فالإيمان هو أعلى قيمة من التصورات الفكرية التي توصلك لحالة طمأنينة والذوبان في روح الخالق أولاً ومحبة العباد ثانياً.

أنت تتحدث عن المطلق ومنطلقك آيات قرآنية أو إنجيل ألم تر تناقضاً بين المطلق العام والمنطلق الذي هو النص الديني؟
في البدء كانت الكلمة والكلمة هي اللـه، واللـه في معتقدات كثيرة ومنها الإسلام هو حال غيبي، نحن نتكلم عن هو وهو ضمير غائب وعندما نقول: ضمير وغيب فنحن نتكلم عن رقيب ضمني أحد أهم أدواته هي المعرفة والنص الديني يعتبر حالة شكلت وعياً.

ألم يخش بديع جحجاح على مشروعه عندما يعانق عين القارئ بآيات قرآنية مكتوبة حتى برسم قرآني فيصدر حكماً قبل التفسير؟
ربما، وهنا أرجع لفكرة التراكمية وأرجع لفكرة التفسير المختلف هذه القولبة التي قولبتها لأن الهجمة في المشرق كانت على المركبة الإسلامية، واليوم لا أرى الإسلام بنفس المنظومة التي صوّر فيها.
فأنا عندما استخدم النص القرآني والرسم القرآني بتركيبة جملية وتحدثت بألف نون وهي جملة مكتملة بذاتها وارتباطها بجملة أفلا تتفكرون هنا أصبح لدينا حكاية الرباعية هي منظومة وعي جديد تستقي نبضها من المقدس وغير المقدس، المقدس من النص وغير المقدس من الأدب المعرفي والإنساني والحضارة.

هل تقول اليوم إن اللوحة بمحتواها الفكري أصبحت أعلى من محتواها اللوني؟
في الحقيقة لا فصل لأن اللون له طاقة لكن في عالمنا المشرقي نحن دائماً ننقاد بوعينا الضمني إلى الكلمة والشعر، فاللغة تأتي لكي تفسر المبهم، والشكل إذا كان أساسه حرفاً فحتماً هناك مقصد بالشكل إذا كان دائرياً، مثلثياً،.. وعندما أضع منظومة لغوية تحتوي على وعي يستقي نبضه من المقدس حتى أذهب للمجرد فـ«تعقلون» مجردة.
اليوم أعمل على تحرر اللغة المقدسة أو النص ويعتبر جزءاً من استخدامي للغة واللغة المقدسة.

لماذا لا يكون هذا المقدس يحاكي هذا الوعي العالمي؟
أنا ضد إقصاء المقدس أو تحييده، ومع قراءته بلغة فيها احتضان، كما أرى أن الحرف هو كائن حي، والحرف ينتج كلمة وكلمة مع كلمة تنتج جملة وجملة مع جملة تنتج حكاية، كما أن الإنسان بعد فنائه جسدياً يبقى منه الجملة وأخيراً أقول: إن المادة إلى زوال والكلمة إلى بقاء.

الدرويش عندما يندمج لا يحس بالألم ولا بالدوران ولا بشيء هل تريد أن يصل الإنسان إلى حالة لا وعي بالذات؟
على العكس تماماً فقرص نيوتن الملون في حالة الدوران تندمج ألوانه كلها مع بعضها وتصبح لوناً واحداً، أي إن العلاقة بيني وبين ربي عبر دوران الدرويش لا يمكن أن تكون إلا عبر وعي الأسماء العليا والحسنى.
إذاً الدرويش آلة أبني عليها مفاهيم جديدة هي عبارة عن المكنة التي وجدت منذ 800 عام، وأنا أحمل عليها الرموز حتى أتكلم بجملتي في هذه الحرب على سورية من خلال توثيق هذه الأزمة برموز مجردة تستقي نبضها من الدرويش.

ألا يخشى بديع أن من يخالفه الآراء بحده يمكن أن يفسر هذا الدرويش بانسجام مع ما يطرحه هو؟ أي أن يكون شخص ما متشدداً؟ يعتبر أنها حالتك أنت مع اللـه وتبقى الحالة في الإطار السلبي؟
حتماً الدرويش رقم واحد وأسقط عليه ما أنا فيه بلوحاتي والبنية الفكرية لدي وأعيش هذه المسألة مع الفنانين والناس والمجتمع ولذلك هذا الاختبار الذي أراه يولد كل محبة ولطف وكل طاقة إيجابية، أما المعارض لأفكاري الذي يعتبرني أختبئ وراء القرآن وأتماهى خلف الإنجيل فأقول له إنني شفاف وظاهر ولا أختبئ إطلاقاً.

اليوم قدمت عمل الأجندة والتي من الملاحظ في كل صفحة منها لوحة لماذا صممت على كلمة لوحة وجملة، هل هو إيمان منك بأن القارئ أو المتلقي لا يمكن أن يفهم اللوحة من دون جملة أو الجملة دون لوحة؟
حتماً يفهم ذلك، الجملة ليست تفسيراً للوحة حقيقةً وإنما اللوحة هي حال منفصل بذاتها، كما أن اللوحة يتراكم فيها وعي كل كلمة فيها لينتج وعياً مكتملاً، كما أننا لا نهدف إلى تكريس القبح نحن نتبع الجمال لأننا نؤمن أن الجمال هو الحقيقة، مثل قولنا: إن الشمس والنور هما الحقيقة الأبدية وليست الظلمة، لأن الظلمة في الحالة الفيزيائية حالة غياب الضوء عنها أما الحقيقة الكلية فهي للنور والضوء حاله الفيزيائي في الشمس والنور حاله في وعي المفردات ووعي الحياة.

بمعرض حلب قدمت قبحاً من خلال الدمار، وهذا القبح فيه نقطة جمالية تدفعني بالانتباه لهذه النتيجة أين المشكلة في قضية الجمال في القبح؟
نعم من خلال لوحة للفنان محمود الساجر ولوحة الفنان بشير بدوي الحصان المطعون الذي يمثل مدينة حلب، ربما هذا القبيح القليل وجد لكي نثبت من خلاله الجمال الكلي.
ونحن بجل مشاريعنا نحاول أن نبتعد عن توثيق المؤذي للنفس وتوثيق القبيح وغير الجميل، منظر الدم يؤثر جداً ويعطي إحساساً بالخجل من الأشياء التي تحدث، فمثلاً في إحدى لوحاتي التي كان اسمها طيور النصر عملت فيها على تصوير الدمار بشكل كامل ومن داخل الضوء الموجود بها تخرج حمائم سلام تكثر وتكثر حتى تلغي هذا السواد وتعيد بناءه.

ما جديد بديع جحجاح؟
نحن متابعون في مشروع ألف نون، وهناك مجموعة معارض قادمة نعمل عليها وهناك جدلية جديدة وروزنامة هي عبارة عن دمج الفن التشكيلي مع المجتمع الأهلي والمدني ودعمه مالياً من خلال إعطائه الروزنامة مجاناً، أما اسم الفعالية وعنوانها هو « لوحة وجملة».
وقريباً أحضّر لمشروع كبير مع وزارة التربية يحملنا للدخول فيه إلى كل مدارس سورية ضمن الوعي الذي نعمل عليه، لأنني أؤمن أن الطفولة والجيل الجديد يتوجب أن نعمل معها منذ القاعدة.

كل واحد منا هو مجموعة محطات، هل يتبرأ جحجاح من محطة لم يكن يرى فيها اللوحة منطلقاً فكرياً، قبل مشروع الدوران؟
بالعكس تماماً فالشعار التجاري يحمل أفكاراً هائلة ويشكل حالة تزاوج بين فكري أنا كمصمم جمالي ويخلق الرمز بيني وبين الزبون الواعي المحتاج إلى رمز، إذا هي حالة تزاوج فكري نصل في نتيجتها للوحة، وهذه اللوحة تحمل قيماً مختلفة وتحمل مفردات فيها تزاوج بيني وبين الآخر، أما اللوحة فهي حالة فردية فيها من الجنون الجميل المسكوب بحرية ليس للآخر علاقة به وإنما أنت اليوم حرّ فيما تنتجه لكن يجب أن تتجاوز حدودك في الأنا الدنيا الأنا السلبية إلى المفهوم العام.
لذلك المبدع والفنان الذي يؤله ذاته، الفنان الإله والشاعر، الإله هو يعزل نفسه عن المحيط وعن المجتمع، فكلما ارتفع الإنسان وأصبح أكثر حكمة ووعياً التصق بالناس وليس العكس.

لوحتك ستكون موجودة في الصفحة، والمشروع تحت عنوان لوحة وجملة، ما مجموع الجمل التي يقولها بديع جحجاح؟
أطلقت «ألف نون» تقويم لعام2017، يضم مجموعة أعمال لتشكيليين سوريين ويأتي هذا التقويم كمساهمة متواضعة من «ألف نون» في دعم المجتمع المدني المحلي، حيث سيوزع مجاناً لبعض الجمعيات الخيرية في المحافظات ويعود ريع البيع لهم.
وعملياً لوحتي الأولى في الأجندة كانت تحت عنوان «طيور النصر»، وهي عبارة عن مدينة مدمرة تخرج منها الطيور البيضاء حتى تغطيها ويتحقق النصر، وكانت جملتي بها هي:
غني معي عن السلام.. عن الحب.. حتى لا أفقد الأمل أبداً.
وهي رسالة للناس وللدولة لأنه في مناخ البهجة يصبح النمو ممكناً، كما نؤكد أن الجسور لا يمكن أن تمتد إلا بوعي راقٍ، وأن الوعي لا يسكن إنما يتراكم عبر محطات مختلفة ليؤسس منجزاً له قيمة على مستوى الوطن العربي والعالمي.
كما أن الأدوات تختلف بيني وبين الآخر فأنا لست أديباً ولكن أتذوق الأدب، فكل المنجز الجمالي المحيط بنا من الطبيعة المبعثرة والفوضوية وحتى القبيح الذي يمكن أن نراه في الشارع، هنا تتدخل عين الفنان وعين الأديب وعين المفكر وتسعى دائماً عبر عين الحلم إلى أن يكون غير ذلك.

كيف ترى المشهد السوري بعين لوحتك القادم؟
عندما تفكر في رسم لوحة تؤثر في الناس كان لا بد من أن تكون مفهومة ولكي يكون الفن قيماً يجب أن يكون مفهوماً، كما أنني لا أؤمن بأن يكون الفن منفصلاً ومنعزلاً، فنحن نؤسس عبر منظومة دوران، كمظلة تنتج داخلها منظومات لها علاقة بألف نون ولوحة وجملة أو ألوان وأفكار قادمة، مع وزارة التربية مشروعاً كبيراً البقاء دائماً للكلمة، واليوم نحن نحضر لمشروع كبير اسمه «فناء الدرويش» في البعد الثالث تكلمنا عن شهبندر واحد وعن دوران اللوحة والكلمة في أفلام واليوم سنتكلم عن الفناء في المطلق والفناء في الهوة، الفناء هو الخلود وليس الفناء الزوال.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن