ثقافة وفن

عندما يرحل عن الشعب فنانه! … خلود سيرة.. تحيا سورية

| إسماعيل مروة 

رفيق سبيعي وكفى… وداعاً
لا يحتاج إلى تعريف به، إنه الفن السوري، الإبداع بكل تفاصيله، ابن البلد الأصيل الذي لا يعلو على سوريته شيء مهما كان، من يتتبع حياة رفيق سبيعي فإنه سيقف عند شخص من الصعب أن تجد منعرجات ذات خطورة في حياته، إنه الثبات الذي لا يدركه الكثيرون… منذ أن بدأت الحرب على سورية لم يتوقف أبو عامر عن الحديث للناس في كل مكان، ولم يكف فنان الشعب عن الحديث عن سورية وقيمتها ومكانتها في روح أي سوري… كان دمعه سلاحاً، وصوته استغاثة ووجهه رجاء، وقرار صوته إيماناً وتحدياً بسورية وسوريته… إنه الفنان الذي ارتبط بالشعب وضميره من أبو صياح إلى أبو محمود إلى الزعيم إلى ذلك اليهودي السوري المنتمي في طالع الفضة.
رفيق سبيعي الفنان الوحيد غير النمطي الذي لم تؤطره شخصية مهما كانت، ومهما عاش فيها، فخرج ليكون أبو حاتم والزعيم، وابن الحارة الدمشقية الأصيل، رفيق سبيعي وحده من عمل في هذه الأعمال البيئية ورفض آليات صنعها، وصرخ بوضوح شديد أن هذه الأعمال لا تمثل دمشق وتاريخها وحضارتها وحقيقتها.
لم تشعر يوماً بأن رفيق سبيعي هو ذاته، ولم يمارس صعوبة للخروج من أدوار تاريخية وتراثية مهمة، لم نسمع ولم نر أداء مبالغاً فيه في أي عمل من أعماله من دون استثناء.
وفي فيلم «سوريون» أدى رفيق سبيعي مع باسل الخطيب سيمفونية عشقه لسورية وتعلقه بها، وكم كان مبدعاً في قعر عينه، وفي حبال صوته، وفي تمترس قدمه للتعبير عن سوريته وحبه لسورية.
رفيق سبيعي وحده الذي حمل رسالة المونولوج في سورية وعلى المستوى العربي، فبقي يغني المونولوج التربوي والهادف، وبتأثير شخصيته الطاغي استطاع رفيق سبيعي أن يؤدي بصوت مؤثر وبمعرفة موسيقية عالية، وبفهم للكلمة ودورها.
وبذكائه استطاع رفيق سبيعي أن يوظف حضوره الشعبي الكبير وخبرته في المونولوج ليترك أغنيات ستخلد في ضمير الشام والشاميين وعاشقي الشام، في كل سنوات الحرب لم يتوقف عن تقديم أغنيات فاعلة ومؤثرة، وقد كتب منها ليكون الأكثر حضوراً والأكثر قبولاً… قبل ربع قرن عرفت رفيق سبيعي عن قرب، ولن أنسى الدكتور صباح قباني عندما تقدم منه بحب ووقار لا مثيل لهما، كلاهما كان يحترم الآخر ويحبه، كان أول موعد لي معه، وكان قد سبقني بربع ساعة عن الموعد، تحاورنا طويلاً، ولم يسأل عن أي كلمة، وكان منتهى الشفافية، وحتى أيامه الأخيرة بقي رفيق سبيعي متواضعاً، لا يطلب غير الأمانة في العمل.
كان رفيق سبيعي وفياً لأصحابه وجيله، وكم كان متأثراً لرحيل عبد الرحمن آل رشي، ولا أنسى جلساتهما الودودة وعبارات الود والمزاح مع الاحترام الشديد… رفيق سبيعي الفنان الذي طاول تاريخ الفن، وربما زاد بخطوات متمهلة إلى التلفزيون، وبخطوات في أروقة مبنى الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وعندما يشعر أن أحداً اقترب يرفع عينيه للتحية مع افترار ثغر عن ابتسامة صدق سورية.
رفيق سبيعي من جيل الذهب والماس
يتهيأ لأحدنا أنه عادي الثقافة
ولكن عندما يتحدث في تاريخ الأغنية واللحن هو مؤرخ، وعندما يمثل فإنه عملاق الأداء، وعندما يغني المونولوج يقف عنده سلامة الأغواني وحكمت محسن.. وعندما يحب سورية فإنه يحبها كما تستحق أن تحب فما من عبث أن يقف شبيبة الحزب السوري القومي الاجتماعي أمام ملعب رفيق سبيعي في التلفزيون، وتحت راياتهم رددوا نداء حب رفيق سبيعي تحيا سورية، تحيا كيفما كتبت بألف تمتد إلى السماء أو بتاء تحتوي الحب ولا تسمح له أن يغادر.
عندما يرحل عن الشعب فنانه رفيق سبيعي يعلو الهتاف ويحلو من قلب الألم والوجع تحيا سورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن