قضايا وآراء

التوازن الإقليمي ومعضلة الأستانة

| مازن بلال 

الخلافات التركية– طفت على سطح الحراك الدبلوماسي منذ بدء الهدنة المعلنة في سورية، واتضحت ملامح بعض التناقضات العميقة التي كانت تختفي وراء قدرة الدولتين على التوازن على الرغم من صراع الإرادات في سورية، وعلى الرغم من أن المشهد العام يوحي بأن موسكو تسعى لاستمالة تركيا على حساب الدور الإيراني؛ لكن المسألة تبدو أكثر تعقيداً من مسألة رسم تحالفات جديدة لموسكو، فالحسابات القادمة تبدو صراعاً مع الوقت لإنجاز لقاء الأستانة بغض النظر عن قدرة هذا اللقاء على تحقيق تقدم سياسي، فالمهم هو خلق اختراق فقط عبر جمع جبهة عسكرية بقيت في الظل رغم جميع المؤتمرات واللقاءات في جنيف.
السؤال المطروح مع التحضير للقاءات الأستانة مرتبط بالقدرة على ضبط الحالة العسكرية مع الإيقاع السياسي، فهل بالإمكان تأمين هذا الشرط الأساسي لنجاح العملية السياسية؟ ربما من الصعب الإقرار بجواب نهائي، فما تقوم به روسيا هو إعادة صياغة ميزان القوى من جديد، وبشكل يفتح بوابة على التحالفات القادمة في ظل إدارة أميركية ستجرب أيضاً طريقتها في عملية التوازن الإقليمي، وضمن هذا الإطار فإن الدبلوماسية الروسية لا تعمل على استمالة الأتراك بقدر ما تبذل جهداً على استحضار كل عناصر الأزمة، ووفق المؤشرات فإنها ترى أمرين أساسيين:
– الأول يرتبط بتحديد قاطع للفصائل الإرهابية، وهو ما يستدعي إدخال تركيا بقوة لإخراج الميليشيا التي تعتمد عليها من إطار الصراع الحالي، لكن هذا الأمر يبدو متشابكا أيضاً مع باقي الفصائل المصنفة سلفاً إرهابية مثل النصرة، وليس غريبا أن تصدر اتهامات بأن تركيا لا تزال تتعامل مع النصرة، فالسنوات الخمس من الصراع خلقت تشابكاً عميقاً بين الجهاز الاستخباراتي التركي ومعظم الفصائل.
حل هذه المعضلة لا يبدو قريباً لكن أنقرة تدرك تماماً أنها تملك عامل قوة عبر معرفتها الواسعة بتنظيمي «داعش» والنصرة، واكتسابها لدور إقليمي بموافقة روسية سيدفعها لاستخدام هذا العامل لتفتيت التحالف الذي يضم النصرة مع العديد من الفصائل الأصغر، والوصول إلى هذا الهدف يحتاج لمسيرة تبدو طويلة بسبب الحذر التركي من أي خسارة سياسية غير متوقعة، فهي تريد ضمانة دورها، واستبعاد إمكانية ظهور كيان كردي، وأريد أيضاً الحفاظ على توازن في علاقتها بالغرب، وجميع هذه الأمور يجعلها تتمهل كثيراً قبل حسم المواقف وتنتظر الأستانة اختبار التوازنات التي يريدها الروس.
– الثاني هو إضفاء حالة من الريادة على التعامل الروسي مع الأزمة السورية، فالمشهد الأساسي يرتبط بقدرة الكرملين على الدخول كشريك «مبدع» في حل الأزمة، وهو ما يدفع موسكو إلى اللعب الدائم بالتوازنات الإقليمية ما يضمن لها تحقيق جبهة مستقرة في شرقي المتوسط.
المهمة الروسية معقدة ليس لأنها تريد فقط ضمان كتلتين تاريخيتين متناقضتين: روسيا وإيران، بل لأنها أيضاً مضطرة للتعامل مع مساحة من الاضطراب أوسع من الجغرافية السورية، فهناك توازنات أخرى تبدأ بـ«إسرائيل» وتنتهي في دول الخليج التي تبحث بقلق عن مصير الترتيبات الإقليمية التي ستطالها بالتأكيد، والمعادلة التي يريدها الروس صعبة لكنها ليست مستحيلة فهي سابقة على المستوى المعاصر لأنها لا تبحث عن محاور إقليمية وإنما عن جبهة عريضة لوقف الإرهاب والاضطراب، التي يمكن أن تتحقق لأن الجميع في دائرة الخطر.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن