ثقافة وفن

ماذا ينتظر شبابنا؟

| إسماعيل مروة 

ماذا ننتظر؟ ماذا ينتظرهم؟ ماذا عن مستقبلهم؟ هل الرؤية واضحة؟ هل نقدم رؤية لهم وللأيام القادمة؟ إنهم جيل الحرب، الجيل الذي فتح عينيه على القتل والدمار والخراب والإرهاب والخوف والسرقة واللامبالاة وكل أنواع الحياة العبثية الآنية، الجيل الذي من المفترض أنه حامل سورية ومستقبلها، والذي يشكل أكثر من ستين في المئة من مجموع سكان البلاد، الجيل الذي كنا نباهي بأننا مجتمع شاب بسببه! هذا الجيل هل أدركه الضياع؟ هل فقد الأمل بحياة أفضل؟ وهو المقسّم بين مدافع عن الوطن يؤدي واجبه تجاه أرض وإنسان ومبادئ، ترك دراسته وتحصيله لأداء واجبه، وبين مهاجر يبحث عن فرصة لإتمام علمه ودراسته لعله ينجو بنفسه من أجل مستقبل أفضل إن أمكنه أن يعود مرة أخرى إلى الأرض التي أحبها، وبين من أتم دراسته، وخرج باحثاً عن ذاته واستقراره لتكوين خلية أسرية خاصة، وبين من كوّن أسرة دفعه الخوف عليها إلى المغادرة، وكل الكون اتفق على تفريغ الوطن من شبابه وقدراته وطاقاته المميزة! وغداً بعد وقت قصير ستحتفظ الدول التي استقبلتهم بالطاقات المبدعة، وتعيد في طريق الآلام الذين لا تحتاج إليهم، والذين تراهم عبئاً عليها وعلى مجتمعاتها!
ماذا ينتظر هؤلاء الشباب؟ الذين سينبتون من جديد في أرض سورية، والذين تمسكوا ولم يغادروا، والذين سينجون من أسنان الحرب الطاحنة القاتلة المروعة، والذين سيعودون أدراجهم طوعاً أو كرهاً؟ ماذا عن الخطط الكثيرة التي يجب أن يبدأ الإعداد لها للتخلص من الترهل، ولمساعدة المصابين منهم وتحويلهم إلى فاعلين وقادرين بعقولهم؟!
البنية الفكرية التغييرية هي أهم ما يجب أن نبدأ به، وأن نعد العدة لخلق مناخ فكري مختلف ينجو من براثن الحقد والضغينة والكراهية، وحتى يتم إعداد مثل هذا المناخ لابد من الإيمان بأن السلم أهم من الحرب، وأن البناء أسمى من الدمار، وبأن الإنسان أهم من أي مكون آخر، وبأن النبض أغلى من الدم، ويمكن أن يستجلبه، لكن إن توقف النبض فكل الدم فائض مسفوح لا قيمة له في كل المقاييس المعروفة وغير المعروفة..!
بحاجة إلى آليات تربوية تبدأ بالبيئة، وتمتد إلى المدرسة فالجامعة فالحياة، ولا يجوز بحال من الأحوال فصل أي مرحلة عن الأخرى، فالمخرجات ترتبط بالمدخلات ارتباطاً وثيقاً وقوياً، وليس بإمكان الطالب أن يحصل على شيء ذي قيمة إن لم يكن من يتولى الإرشاد والتعليم قادراً، والبيئة لا تختصر، بل هي فضاء مطلق، وعلينا ألا نركن إلى بيئة سلبية، وألا نعتمد على ما أدرجناه طوال حياتنا ضمن المؤثرات، الجامع والكنيسة، وعلينا ألا نحوّل مؤسسات أخلاقية عَقَدية إلى مؤسسات تربوية، وخاصة لارتباط المخرجات بمن يقوم بعملية التربية والتوجيه، وعلينا أن نحصر دور المؤسسات بحقيقة دورها المجتمعي، وألا نعطيها دوراً يفوق طاقتها، هذا لنبدأ بإيجاد جيل شاب منفتح قادر على تقبل الحياة الحديثة والتقانة من دون أن يدفعه جهله بها إلى محاربتها ونعتها بصفات ليست لها، فالإنسان عدو ما يجهل! إضافة إلى أن بناء المجتمع المدني العلماني لا يكون بعد اكتمال النضج ووصول أحدنا إلى عمر متقدم، بل إن هذا البناء يبدأ في مراحل التكوين الأولى، التي يجب أن تأخذ سمتاً محدداً فيه من التحديد والصرامة ما يجعله منهج حياة.. عندها لن يذهب دم من ضحى هدراً، ولن نبكي لغياب نخبة، ونخلق نخبة أعلى.. وذلك بأن نعتني بشبابنا، وخاصة من بقي منهم، وأن نداري شؤونهم وشجونهم، وأن نعمل على تأهيلهم كما ينبغي، لا أن نراعيهم على حساب التأهيل، بل أن يكون التأهيل من خلال هيئات كبرى وربما وزارة تضع الخطط اللائقة والقادرة على صنع جيل يسابق الزمن والتقانة، جيل محب لوطنه قادر على افتدائه بنفسه، جيل لا يعرف الحقد والضغينة، جيل يؤمن بأن الوطن أسمى وأن الذات تكون بالتكامل مع الآخر، مهما كان هذا الآخر، جيل يعرف الانتماء للتراب والوطن لا للعقائد والأيديولوجيات والمذاهب التي تعطي ولاءها خارج حدود الوطن.
نعم ينتظر شبابنا الكثير الكثير، ولكن علينا أن نعمل إيجاباً حتى لا تتكرر المأساة بعد جيل أو أكثر، وما أصعب مجرد التفكير بأن المأساة يمكن أن تتكرر بصيغة أو بأخرى… مسؤوليتنا تجاه شبابنا تتجاوز العمل والبطالة، وما شابه ذلك، تتجاوز لتصل إلى الوعي الحقيقي للإنسان، إلى وعي الذات، ووعي الآخر، وعي حقوقه وواجباته، احترام عمله والآخر، وكل ذلك للوصول إلى شريحة علمية اجتماعية فكرية ثقافية قادرة على ترميم جروح الروح والوطن.
الشباب يحتاجون العناية والرعاية.
والشباب يحتاجهم الوطن.
كل منهما عون للآخر.
ونحن اليوم يجب أن نعمل أكثر من أي يوم مضى على هذه الشريحة التي طالها ظلم لم يقع على غيرها من الشرائح.
فكم فقدوا من متع العيش؟!
وكم فقدوا من فرص التعليم والتحصيل؟
وكم فقدوا من فرص العمل؟
بالمحصلة ألا نجد أن الشباب يساوي الوطن في مرحلة البناء التي ننتظرها ونتمناها قريباً، وقد لاحت بوادرها في الأفق؟
وللحديث صلة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن