ثقافة وفن

الخطوط الحمر في مواقع التواصل الاجتماعي

| هبة الله الغلاييني

في السنوات الأخيرة، سهل التطور التكنولوجي إلى جانب انتشار الهواتف الذكية، وصول أعداد متزايدة من الناس إلى شبكة الإنترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي، لكن من المؤسف أن البعض أصبح يسيء استخدام هذه المنصات الاجتماعية، فبدل أن يستغلها لتوطين صلته بالآخرين، أصبح يستعملها لجرح شعور الآخرين واستفزازهم والإساءة إليهم من خلال تعليقات سلبية أو مسيئة يسمح لنفسه بكتابتها على هذا الموقع أو ذاك، وخاصة من الأشخاص الذين يستعملون أسماء مستعارة.

التجريح مباح
تقول الدكتورة ديانا عبود: «إن التجريح أصبح سهلاً عبر مواقع التواصل الاجتماعي» وعن تجربتها الشخصية في هذا المجال، تقول: «تعرضت قبل فترة بسيطة لهذا النوع من التعليقات السلبية والمسيئة، تم طرح موضوع للنقاش في إحدى الصفحات على «فيسبوك» حول «الوشم» والـ«تاتو» وما إذا كان حراماً أم حلالاً وعلقت أنا على أنه حلال. ثم ذهبت إلى النوم بسلام، فإذا بي أفاجأ في الصباح بهجوم كاسح على شخصيتي من بعض المعلقين على الصفحة». وتتابع ديانا قائلة: «كل ما قمت به هو الرد بهدوء، ثم قمت بحظر الأشخاص الذين بالغوا بالتجريح بشخصي»، وعند سؤالها متى تتحول التعليقات من تعليقات شخصية إلى تعليقات مسيئة؟ تجيب بالقول: «يحدث ذلك عندما يتعلق الأمر بالدين والسياسة، حيث يجد البعض في هذين الموضوعين أرضية خصبة للإساءة للآخرين، ولأن هؤلاء الأشخاص يختبؤن عادة خلف أسماء مستعارة، أصبح انتقاد الآخرين والإساءة إليهم سهلاً من خلال التواصل الاجتماعي».
من جهته يرى الأستاذ فادي جبور وهو مترجم: «إن من يعلق على صفحات الإنترنت فعليه أن يتوقف عند خطوط معينة وأن يحترم حرية الآخر»، كما يرى (إذا لم يكن المرء قادراً على التحكم في أعصابه، فمن الأفضل له أن ينسحب من النقاش بهدوء)، ويضيف: (إن التعليقات على شبكة التواصل تتحول إلى تعليقات مسيئة عندما تصادر حرية الآخرين أو تنقص من قيمة آرائهم، وقد ازدادت هذه النقاشات منذ بدء الأزمة السورية وأصبح كل فرد متشبثاً برأيه وانتمائه، ما جعل الخلافات تتفاقم، والبغض يسود الأجواء، حتى إن أحدهم لا يتورع عن إطلاق الشتائم البذيئة والكلمات النابية» وعند سؤاله كيف يمكن وصف الشخصيات التي تستغل اختباءها خلف شاشة الكمبيوتر أو الموبايل أو غيره للهجوم على الآخرين لفظياً، يقول فادي (أعتقد أنني لست مؤهلاً للحكم على نفسياتهم، لكن ربما هم أشخاص جبناء أو ضعاف الشخصية، لأن الجرأة تقتضي المواجهة على أرض الواقع إما أن أرد بهدوء وبشكل إيجابي، وإما أنسحب إذا شعرت بأني لن أستطيع تمالك أعصابي).

لايقدرون الأضرار
ومن وجهة نظر ملك المصري وهي ربة منزل، فإن (من يكتبون التعليقات المسيئة على النت ربما لا يقدرون حجم الضرر الذي يحدثونه لدى الغير)، وتضيف ملك قائلة: «إن هذه الظاهرة السلبية التي انتشرت كثيراً في الآونة الأخيرة، لها أثر سيئ على الفرد والأسرة والمجتمع وحتى على الأطفال الذين يسمح لهم أهلهم باستعمال شبكات التواصل لأنها تخلق مناخاً سلبياً وتدفع الكثيرين إلى هجر هذه المنصات التي يفترض أنها تم ابتكارها لتعزيز التواصل الإيجابي بين «الناس» وعند سؤالها عن مفهومها للتعليقات السلبية والمسيئة تجيب: «الإنسان عندما يعلق على شبكات التواصل الاجتماعي، يجب أن يحترم ثلاث قيم، وهي ديانات الآخرين وأوطانهم وما لديهم من عادات وتقاليد» وتختتم: «أنا من ناحيتي لم أتعرض لأي تعليق مسيء من قبل، لأنني أحرص على أن تكون علاقتي طيبة مع الجميع، ولا أتطرق إلى الأمور المثيرة للجدل». بينما يعزو السيد عبد الكريم الخجا، هذه التصرفات المستفزة إلى «خلل في التربية»، موضحاً «إن هذه التعليقات المسيئة لا يمكن أن تندرج تحت بند النقد البناء ولا حرية التعبير عن الرأي، وبات من المؤسف أن الناس يستغلون الإنترنت لممارسة الغيبة والنميمة، لكن في حضور المعني بالأمر، فأصبحوا تراهم يعلقون على حياة الآخر وشكله ولباسه إلى غير ذلك من دون رقيب ولا حسيب».
ويختتم عبد الكريم قائلاً: «إذا علم الناس بوجود قانون يعاقب على هذا السلوك ورأوا حالات لأشخاص مذنبين دفعوا ثمن ما اقترفوه في حق الغير، فإنهم سوف يرتدعون وسوف تتراجع هذه الظاهرة المرضية».

التواري خلف المستعار!
ويرى أحمد الحلواني وهو محاسب: «إن تواري المعلقين خلف أجهزة الكمبيوتر جعل البعض يتمادى» ويقول: «إن ظاهرة التعليقات السلبية والجارحة والمهينة عبر وسائل التواصل الاجتماعي باتت منتشرة، وأعتقد أن ما يشجع عليها هو التواري خلف أسماء مستعارة وشاشات الكمبيوتر، منهم مثل الأشباح ولو كان الحوار يجري وجهاً لوجه لما تجرؤوا على التفوه بتلك التعليقات المسيئة للآخرين، ويضيف أحمد قائلاً: «إن الحل يكمن في وضع قانون صارم يعاقب هؤلاء» ويضيف: «ربما تكون هناك قوانين تحكم بغرامات وتعويضات، لأن هؤلاء الأشخاص يسببون بالفعل إلحاق الأذى والضرر بالآخرين تحت ذريعة حرية الرأي» وعند سؤاله عن رد فعله إذا كان قد تعرض في السابق لمثل هذه التعليقات يقول: «إذا صادفت تعليقا سلبياً فإني أحذفه وأمنع صاحبه من التعليق في صفحتي وإذا كان هناك تمادٍ في الإساءة، أقوم بحظره فوراً».

والأطفال يطولهن الضرر
أما بالنسبة للأطفال فأنا أرى أنه من الخطورة السماح للطفل بإنشاء حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي تعريضه لمثل هذه الانتقادات والتعليقات الجارحة، إذ إن لها أثراً سلبياً في ثقته بنفسه، وبشكل عام فإن المتضرر من تلك التعليقات السلبية إما أن يصاب بالإحباط وقد يمتنع عن نشر شيء كان يسعده، وإما أن يغير قناعته، أما إذا كان الشخص المعني يتمتع بالثقة بالنفس فإن تلك التعليقات السلبية تكون حافزاً يجعله يحسن من مستواه.
كما أود أن أشير إلى أنه ليس كل أصحاب التعليقات السلبية مرضى نفسيين أو يعانون اضطرابات نفسية، بل يمكن تصنيفهم وتقسيمهم إلى فئات، أحياناً يكون لدى الشخص تعصب لفكرة معينة، فيعتقد أن فكرته وحدها الصواب وما دونها خطأ، وبالتالي لا يتحمل أن يسمع رأياً مخالفاً فينفعل عاطفياً، هذا الانفعال تكون له في الغالب علاقة إما بأفكار دينية وإما سياسية مسيطرة عليه وتشكل مصدر حماس له، ويتصف أصحاب هذا النوع من الشخصيات بعدم المرونة، والتطرف الفكري وعدم السيطرة على الانفعالات، كما أن الفئة الأخرى من المعلقين السلبيين هي شخصيات يشوبها شيء من المرض النفسي، أو شخصيات ضعيفة ومهمشة ليست لديها القدرة على المواجهة نتيجة عدم الثقة بالنفس، لهذا فهي تستأسد عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لأن المرء في ذلك الفضاء يمكنه أن يصب جام غضبه على الآخر ثم ينسحب، وهناك فئة ثالثة من الشخصيات وهم مضطربون نفسيون أيضاً، لديهم رغبة في إيذاء الآخرين ويستمتعون بجرح الآخرين ومشاهدة ردود أفعالهم الغاضبة، لذلك علينا أن نكون على حذر في اصطفاء الأصدقاء على الفيسبوك، والتحلي بالصبر وسعة الصدر لتقبل الآخر بكل آرائه وتصرفاته.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن