ثقافة وفن

أديت رسالتي وليس في حياتي ما أخجل منه أو يزعجني… وداعاً «ماما نونا» … كريمة مختار.. أجمل وأطيب الأمهات في مسيرة الفن العربي

| وائل العدس

رحلت «أم العيال» لتلحق بباقي نجوم مسرحية «العيال كبرت» بعدما سبقها أحمد زكي ويونس شلبي وسعيد صالح وحسن مصطفى، على حين بقيت ناديا شكري وحيدة على قيد الحياة.
الراحلة قدمت خلال هذه المسرحية الخالدة التي عرضت قبل 37 عاماً شخصية «الأم زينب جاد الله»، شديدة الطيبة لحد السذاجة والمنشغلة دوماً بتدابير المنزل، علماً أن هذا الدور كانت تؤديه قبلها الفنانة الراحلة نبيلة السيد، واستمرت الأخيرة في تقديم الدور لمدة 3 سنوات، ثم اعتذرت لسبب مجهول عن تكملة المسرحية لتحل محلها كريمة مختار، ويتم تسجيل المسرحية ببطولتها.
أما آخر كلماتها، فنقلها نقيب الممثلين أشرف زكي حيث قالت: «لقد أديت رسالتي وليس في حياتي ما أخجل منه أو يزعجني».

إذاً، توفيت الفنانة الملقبة بـ«أم السينما المصرية»، متأثرة بمرضها عن عمر 82 عاماً.. إذ يعتبرها كثيرون آخر الفنانات اللاتي اشتهرن بتجسيد أدوار الأم في السينما المصرية، بالمعنى الكلاسيكي مع أمينة رزق وفردوس محمد.
وقد فضلت أسرتها التكتم على أسباب الوفاة، ولكن عدداً من أصدقاء الراحلة في الوسط الفني قد كشفوا بعض التفاصيل عن مرضها.
حيث خضعت قبيل رحيلها بأسابيع قليلة لجراحة لإجراء منظار على معدتها، لأنها كانت تعاني متاعب جمّة، ولم تعد تتحمل الآلام بحكم عوامل السن، وقد مكثت في المستشفى بعض الوقت ثم ذهبت إلى منزلها، وقد استعان نجلها الإعلامي معتز الدمرداش بطاقم طبي ليكون في خدمتها ورعايتها، لكن آلام المعدة كانت تنتابها كثيراً إضافة إلى عدم قدرتها على الحركة بسبب مشكلات في العظام.

الوفاة الثانية
تعرضت مختار لموقف أفجعها قبل فترة عندما تلقت نبأ وفاتها وهي مازالت على قيد الحياة، فيوم الثامن من كانون الأول الماضي أذاع برنامج «البداية» على القناة الثانية المصرية خبر وفاتها، وكتب على الشاشة «وداعاً كريمة مختار»، من دون التحقق من صحة الخبر، ما أثر في نفسية الفنانة الراحلة التي كانت تعاني بالفعل من أزمة صحية كبيرة، وعقب هذا الخطأ أحال التلفزيون فريق البرنامج إلى الشؤون القانونية للتحقيق، وتم إيقاف المتورطين في بث هذا الخبر الكاذب.

«ثمن الحرية»
حصلت الراحلة على ‏بكالوريوس في الفنون المسرحية، وكانت بداياتها من خلال برنامج الأطفال الإذاعي الشهير «بابا شارو» وكان ذلك في فترة الخمسينيات، ومن خلاله اشتهرت كصوت إذاعي مميز وحازت لقب «فتاة الإذاعة الأولى»، حتى عرض عليها المشاركة في بعض الأفلام السينمائية إلا أن أسرتها رفضت ذلك، فاقتصر عملها على الإذاعة حتى جاءتها الفرصة مرة أخرى بعد زواجها من المخرج نور الدمرداش عام 1958 الذي سهل لها المشاركة في فيلم «ثمن الحرية».

«ماما نونا»
كان أداؤها لشخصية «ماما نونا» في مسلسل «يتربى في عزو» لافتاً للنظر خلال رمضان 2007، فدخلت البيوت المصرية والعربية نتيجة حنانها الزائد وتدليلها المبالغ فيه لابنها «حمادة» (يحيى الفخراني) الذي يبلغ من العمر ستين عاماً، وارتبط بها لقب «ماما نونا»، وأصبح الجميع ينادونها بهذا الاسم.
هذه الشخصية تذّكر الجميع بالأم الطيبة البسيطة التي تحب أبناءها بجنون ولا تستطيع الاستغناء عنهم أو ترفض لهم طلباً.
أحب المشاهدون هذه الشخصية، وفى الحلقة الثلاثين ما قبل الأخيرة صدم الجمهور بوفاة «ماما نونا» بعد نوبة غضب أصابتها بسبب تصرف غير مسؤول لنجلها المدلل «حمادة عزو» ورفضها ترك بيت العائلة، الحلقة وبعيداً عن المبالغة كانت حديث الناس لدرجة أن برامج شهيرة مثل «البيت بيتك» و«تسعين دقيقة» و«القاهرة اليوم» خصصت فقرات مطولة لمناقشة تأثير المسلسل ككل ووفاة «ماما نونا» خصيصاً.
وعن هذه الشخصية أعلن فوزها بجائزة أحسن ممثلة للعرض الأرضي، والجائزة نفسها كانت مناصفة مع وفاء عامر في العرض الفضائي لتتفوق الممثلة المخضرمة على النجمات يسرا وإلهام شاهين ونادية الجندي.
الشخصية أعادتها لنجومية التلفزيون مجدداً، وخاصة أنها كانت ككل نجوم جيلها من غياب الأدوار المناسبة لمرحلتها العمرية.

شخصية الأم
شاركت كريمة مختار في بطولة العديد من الأفلام بشخصية الأم التي لم تعتبرها تكراراً على الإطلاق بل قالت إنه من الجيد أن يبرع الفنان في منطقة ما ويعمل على تطويرها. وأكدت أنها لم تمل من أداء دور الأم وأنها ترى أنه نجاح كبير أن تمنح دوماً هذا الدور قائلة: «مافيش أم زي التانية»، وأشارت إلى أنها رفضت العديد من الأدوار التي عرضت عليها عندما يكون الممثل الذي يؤدي دور الأب أمامها غير مقنع.
حبها للأمومة لم يكن على الشاشة فقط، فكأم لأولادها الثلاثة، كانت تهتم بجميع تفاصيلهم في ظل انشغال والدهم.

إعلانات
رغم رفضها التام للعمل في الإعلانات فإنها شاركت في إعلان لشركة اتصالات في مصر، وقالت حينها إن موافقتها على الظهور في الإعلان الجديد، كانت نابعة من رغبتها الصادقة في الإسهام في رسم البسمة على شفاه المتفرجين في رمضان، وخاصة أن الفقرة كانت كوميدية للغاية.
وعرفت أيضاً لفترة باسم الدكتورة كريمة حيث قدمت إعلانات تنظيم الأسرة واستطاعت ببساطتها أن تصل للسيدات وتحثهن على تنظيم الأسرة لدرجة أن الجمهور اعتقد أنها دكتورة في الواقع.

ثنائي فني
كونت مختار ثنائياً فنياً مع الفنان فريد شوقي، فجسدت هي دور الأم وهو دور الأب في عدد كبير من الأعمال الفنية، «الأفلام والمسلسلات».
التقيا في فيلم «وبالوالدين إحسانا»، سيناريو وحوار وإخراج حسن الأمام، وشاركهما البطولة سهير رمزي وسمير صبري.
كما قدما معاً فيلم «وتمضي الأيام» الذي كتبه فيصل ندا وأخرجه أحمد السبعاوي، وبطولة محمد العربي، هناء ثروت، حسين الشربيني، وناهد شريف.
ومن أكثر الأعمال الخفيفة الظل التي شاركا فيها فيلم «رجل فقد عقله»، فهو الرجل المتعدد العلاقات النسائية، وهي الأم التي تعيش لأولادها وتصدق كل ما يقولونه، يحاول ابناها أن يلفتا انتباهها لأهمية أن تتغير حتى تعيد والدهما وتبعده عن فكرة الزواج من أخرى، والعمل من تأليف علي الزرقاني، وإخراج محمد عبدالعزيز، وبطولة عادل إمام، سهير رمزي، إكرامي وليلى فهمي.
كما وقفا أمام كاميرا السينما في الفيلم الكوميدي «يارب ولد»، وكانا فيه أباً وأماً لثلاث بنات، وهو من تأليف فيصل ندا، وإخراج عمر عبدالعزيز وبطولة سمير غانم، وإسعاد يونس، وأحمد راتب.
في الدراما التلفزيونية التقيا في مسلسل «صابر يا عم صابر» عام 1984، وتدور أحداث العمل حول السائق الخاص بأحد الوزراء «عم صابر» وأسرته البسيطة، ويحاول طوال الوقت أن يوفر لهم ما يطلبون، لكن يزداد الأمر سوءاً مع إحالته إلى المعاش، فيبدأ في البحث عن عمل آخر.
وفي عام 1991 جمعهما مسلسل «البخيل وأنا»، والذي حقق نجاحاً غير عادي وقت عرضه في كل الدول العربية، وتدور أحداثه حول «عوض» تاجر الشنطة، وهو رجل شديد البخل، متزوج من «حكمت» ولديهما ثلاثة أولاد، ويعاني الجميع من بخل الأب، ولا تستطيع الأم الوقوف بجوار أولادها، وتقف عاجزة أمام تصرفات زوجها.
إضافة إلى الأعمال السابقة جمعتهما أعمال أخرى، ولكن بأدوار مختلفة، في «مضى قطار العمر»، «الليلة الموعودة»، «الشيطان يعظ»، «سعد اليتيم» ومسرحية «بداية ونهاية».

جوائز وتكريمات
نالت الفنانة الراحلة خلال مشوارها الفني العديد من الجوائز والتكريمات حيث حصلت على جائزة تكريم في ختام أعمال المهرجان القومي للمسرح عام 2010 عن مجمل أعمالها الفنية، وجائزة تكريم من وزارة الصحة ومنظمة اليونيسيف عام 2008 لجهودها في الفيلم التعليمي الخاص بمرض أنفلونزا الطيور.
كما حصلت على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في مسلسل «يتربى في عزو» من مهرجان القاهرة للإعلام العربي الثالث عشر عام 2007، إضافة إلى درع التكريم من مهرجان أوسكار السينما المصرية عام 2008.

أشهر أعمالها
من أشهر أفلامها «ساعة ونص» 2012، و«الفرح» 2009، و«مهمة صعبة» 2006، و«إسماعيلية رايح جاي» 1997، و«امرأة مطلقة» 1989، و«آباء وأبناء» 1985، و«يارب ولد» 1984، و«رغبات ممنوعة» 1972.
أما أشهر أعمالها الدرامية فهي «المرافعة» 2014، و«زهرة وأزواجها الخمسة» 2010، و«رحلة العمر» 2003، و«يا قلبي لا تبكي» 1999، و«الحاوي» 1997، و«البخيل وأنا» 1991.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن