ثقافة وفن

السوداوية والواقعية.. رموز اعتمدها الشاعر … «ما ليس شيئاً».. ديوان للشاعر نزيه أبو عفش فيه من كلّ الأشياء

| سوسن صيداوي

ابتدأ الشاعر ديوانه بعبارة ألبير كامو- كاليغولا «الرجال يبكون لأن العالم كلّه على خطأ»، ربما لأن البكاء والأسى والمرارة عناصر مشاعرية في لبّ الشاعر ووجدانه، وهو لا يبخل بصورها في مسيرته الشعرية على القارئ لأنها حاضرة في قصائده النموذجية الحياتية والواقعية، فاستعارته السوداوية التي لطالما تميّز بها صاحب «الوجه الذي لا يغيب»، يعود إلينا بها في ديوانه الذي جاء بعنوان «ما ليس شيئاً»، جامعاً فيه من الأشياء، فبين جنبات الصباحات لدى الشاعر دائماً الحب والوله والشوق الحارق لكل تفصيل سواء كان صغيراً أم كبيراً لحبيبته، وعلى الرغم من كل ما يدور في الكون المحيط بها من عناصر إلا أن حبه لها لن تعوقَه رصاصة ولا سماء ولا تفاصيل جسد، حينما يلقي عليها تحية الصباح في قصيدة «صباح الخير لجميعِكِ» في عام 1981، وأيضاً ما هو معروف عن الشاعر أن أسلوبه في البلاغة بليغ ولكن ببساطة شديدة وسهولة مقصودة، فلم يكن هناك فوقية في التقديم أو ترّفع على القارئ، بل السلاسة تفعل فعل الربط بين ما شعر به الشاعر في كلمته وبين فكر وتصور القارئ، على الرغم من رعب الأفكار المفصّلة بصدق كبير في الصور الشعرية التي يعتمدها الشاعر في الوصف وهذا حاضر في قصيدة «إعدام» 1980، ومن الطبيعة نجد في الديوان الثلج والقمر والنجوم والتراب والماء وغيرها الكثير من المكوّنات للأم الطبيعة، وهي حاضرة على الخصوص في «هذيان حول النجوم.. وقمر» في عام1980.

في الموت
الواقعية السوداء بألمها وحزنها وبؤسها واضحة في المفردة، رائحة الموت منبعثة من كلمات الشاعر في «إعدام» والتي رأت النور بتاريخ 1980، في القصيدة الضعف ممزوج مع الخوف والرعب، والانتظار صعب جداً أمام بطء الزمن العابر، انتظار الموت المحتّم الذي لا مفرّ منه إلا بنوم عميق لا يمكن الاستيقاظ منه، حيث قال:
في كل صباح أقول لنفسي:
كم هو غير إنسانيّ
أن يذهب المرء إلى الجحيم
بعينين حمراوين
وقلب حزين
و أجزاء مفكّكة..
……..
في كل صباح أتخيّل ذلك الرجل
(ساقوه إلى المشنقة قبيل الفجر)
هل كان يود أن يقول لهم:
«دعوني إلى وقت آخر!
إنّ قلبي
يرتجفُ
من النعاس..»؟
وأيضاً المفردات الدالة على الموت في مكان آخر في «جلسة تعذيب» والتي جاءت في الكتيب وقبل القصيدة العبارة التالية لهنريك أبسن «إنّ كتابة القصيدة.. أشبه بإقامة جلسات تعذيب للروح». وفي المقطع (11) جاء:
يطاردنا الأعداء، ويطاردنا أعداؤهم.
تطاردنا المقاصل، ويطاردنا القنّاصون.
في الخِربة المعتمة… وتحت خيمة القانون،
في الكوابيس.. وعلى حدود المقبرة،
رصاصٌ، رصاصٌ، رصاص
وموتى.. موتى.. موتى
إنّ الجسد يتألم، وتدمع روح الإنسان.
في قصيدة «بورتريه» ربما ما كان يقصده الشاعر هو أنه مهما فعل المرء ومهما مرّ عليه الزمن لن يبقى له إلا اعترافه بنفسه من العالم كلّه، لأن ذات المرء هي الأصدق، قال:
هدرت حياتي على الحيرة
ومزجت بالماء زيت الإفطار.
ندمت، وقاسيت، وقدّمت التعازي.
حاولت في الحكمة
وأطلقت النار على الكائنات.
عشت طويلاً وأموت باكراً
عشت ورأيت
عشت وتعلمت
عشت وعرفت
أنّ خير ما يمكن أن يفعله الإنسان:
أن يسحب اعترافه بالعالم
ويطلق النار على القصيدة.
الشاعر نزيه أبو عفش لا يكل ولا يمل من إنشاد الحرية، التي يحملها في قلبه وروحه وأيضاً في ديوانه «ليس شيئاً»، وعلى الخصوص في قصيدة حين «تقع الحرية» التي يعتبر فيها الشاعر أن الحرية تنطلق أولاً من الحب فيقول:
وحين تقع الحرية
التي لابدّ أنها.. لن تأتي
سنتبادل الأنخاب على الأرصفة
حيث تقع القبلة على القبلة
والقلب على القلب
في البلاد التي لابدّ أنها.. لن تحدث
حيث النوافذ مفتوحةٌ على البحر
والقلوب على الحب
والصدور على الوردة
وبما أننا ذكرنا الحب المنطلق من الحرية، الذي لا يعرف مسافة، أيضاً ذكرنا الحب بوجده وشوقه وخياله وحلمه وبكليته، ووجدناه أنه لم يغب عن الديوان ففي قصيدة «رنين» قال:
يخيّل إليّ أحياناً
أنّ مخدّتي
محشوةٌ بفتات عظام امرأة!
و إلا.. فمن يفسّر لي:
لماذا كلّما وضعتُ رأسي عليها
سمعتُ
رنينَ كعبين..
يقتربان؟!
تكرر بين القصائد التي جاءت في ديوان «ماليس شيئاً» والذي تضمن أكثر من ثلاثين قصيدة، جاء من بينها ما هو بلا عنوان على الشكل التالي «…..»، ربما هي رغبة من الشاعر في أن نعنون نحن القصائد وأن نختار منها ما نشعر به، فمثلا قال الشاعر في إحداها:
أيتها المرأة.. أيتها المرأة
لقد ضبطتك هذه الليلة
تتجوّلين داخل قلبي
تحصين خرائبي ونذوري
وتعرّضين قلبي للهواء..
وأيضاً مما جاء من القصائد بلا عنوان «….» ولكن بموضوع آخر قال فيه:
أفظع من الجنون
ما نحن فيه.
أفظع ممّا نحن فيه
ما ينتظرنا.
أفظع من كل شيء:
شيءٌ ما…..
وأيضاً في مكان آخر وموضوع آخر ومن غير عنوان «…..». قال الشاعر:
حتى حبال الغسيل على السطح
تتقاطع.
……….
ذات يوم:
كلّ ثوب
كل جورب
كلّ منديل معلق على حبل
سيرفّ باتجاه مختلف….
وجاء في قصيدة يا عُمَر:
وينبغي أن تعرف أيضاً
أنّ القلوب النظيفة التي أدعوك إليها
قد اتسخت
بفعل الكراهية والفقر وبرودة أعصاب العالم.
ولتعرف أيضاً.. وأيضاً.. وأيضاً
أنني، وإن لم أكن ذلك الملاك،
وإن لم يكن لدّي صولجان الله
الذي رأيت صورته في الكتاب المدرسيّ،
وإن لم يكن ما نحن عليه الآن
فهذا لا يعني.. لا يعني أبداً
أن نتخلى عن شرف القلب الصغير

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن