قضايا وآراء

تساؤلات الاعتداء الإسرائيلي

| مازن بلال 

يبدو طبيعيا استخدام «إسرائيل» لضربات جوية متكررة كجزء من حالة «الردع» المعتادة عليها، فهي إستراتيجية لم تتبدل في سياستها المعتمدة أساساً على إبراز عامل التفوق والقوة، لكن تكرار الاعتداء على مواقع في محيط دمشق بات يفتح العديد من الأسئلة، وخصوصاً في ظل اضطراب عام تشهده المنطقة، واستهداف مستودعات ذخيرة حسب ادعائها لم يعد «سببا» واقعيا في بلد يشهد حرباً ضد الإرهاب، وآخر استهداف يوضح أن «إسرائيل» بتكرارها الاعتداءات تقدم نموذجاً للردع لا يؤثر عملياً في عوامل الصراع في سورية، وهو في الوقت نفسه لا يزيدها تعقيدا، فهو حدث يطفو على مسرح الحدث السوري ليشكل ربما تأكيدا على أن الترتيبات السابقة بين سورية و«إسرائيل» لم تعد صالحة لمرحلة ما بعد الأزمة.
تفكر «إسرائيل» منذ اندلاع الحرب على سورية بجملة ممكنات تجعلها تعود للتحكم بتوازنها على مسرح الحدث، فمنذ عام 2006 أصبحت «هشاشة» الردع عبر سلاح الجو معضلة على المستوى الإستراتيجي العام، وبات التفكير بالتفوق العسكري يحتاج لترتيبات سياسية ولعلاقات إقليمية مختلفة، وما حدث في المنطقة أتاح لها فرصة البحث الجدي عن تحويل معادلة الصراع بشكل جذري في المنطقة، فهي تتحرك اليوم وفق عاملين اثنين:
– الأول مرتبط بتشكيل الجبهة المعاكسة، فهي تربط، عبر اعتداءاتها، عوامل اشتباكها مع حزب اللـه بأزمتها مع سورية، فحزب اللـه لم يعد فصيلاً لبنانياً لأنه يتحرك «عسكريا مع انتشار القوات السورية».
ضمن هذا الإطار يمكن فهم تكرار الاعتداءات على سورية ضمن «توحيد الجبهة» بالنسبة لإسرائيل، وهذا الأمر يؤكد أن مستقبل الجولان لم يعد مرتبطا باتفاقيات سابقة، وخصوصاً اتفاقية فصل القوات لعام 1974، وفي السياق نفسه فإن تعاملها مع «جبهة النصرة» في الجولان هو للتأثير القوي على جبهة الجولان حصرا.
– العامل الثاني هو التأثير في عملية الفرز السياسي إقليميا، فالاعتداء على سورية هو انحياز لجناح عربي، وهذا الترتيب سيفيد مستقبلا عملية بحث الوضع النهائي في الأزمة السورية، حيث تصبح حزمة الحل تحمل أيضاً مسألة الصراع على جبهة الجولان.
الموضوع التقني في الاعتداء الإسرائيلي يمكن وضعه ضمن جملة من الأهداف، لكن الخطورة هي في فرض إرادة إسرائيلية على كامل الجبهة الجنوبية، فالملاحظة الأساسية هنا أن مؤتمر الأستانا، وجميع الترتيبات في عملية وقف إطلاق النار لا تتطرق إلى الجنوب السوري، فهناك نسق آخر يحكم الجنوب السوري، وهو مرتبط بشكل وثيق بما تريده «إسرائيل» تحديدا في موضوع أمنها على المستوى الإستراتيجي.
عندما تعتدي «إسرائيل» فإنها تفرض رؤيتها على مساحة الصراع جنوبا، وهي تؤكد معادلة ستواجهها المنطقة مستقبلا، فالحرب على الإرهاب أزاحت مساحة المعارك باتجاهات مختلفة، ولكنها في الوقت نفسه لم تبدل من التوازنات مع «إسرائيل»، والاعتداء الأخير يؤكد أن الرد بالنسبة لقادة الكيان هو آلية لفرض أمر واقع لصياغة علاقة مختلفة مع سورية، فهي العدو، لكن حل الأزمة السورية لن يتم من دون ترتيبات جذرية مع الكيان، فهناك جبهة عسكرية يجب أن تفكك والمنطق «الإسرائيلي» يريد لهذا الأمر أن يتم ضمن سياق حل الأزمة السورية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن