من دفتر الوطن

سوريتنا

| وضاح عبد ربه 

بعد قرابة ست سنوات حرب، وبعد كل التضحيات التي قدمها أبطال جيشنا وقواتنا المسلحة، ربما حان الوقت لنفكر نحن السوريين جلياً وجدياً بسوريتنا، كيف نريدها أن تكون في السنوات المقبلة، وما الذي سنورثه لأولادنا من وطن مزقته الجراح ودمرته المؤامرات وبقي شعبه صامداً متحدياً العالم بأجمعه.
علينا الآن أن نضع الأسس لسورية المستقبل، وأن نطالب النخب السورية بأن تتحمل مسؤولياتها وتنخرط في حوار أو ورشة عمل أو مجلس، أو أي صيغة تراها الدولة مناسبة، لتقدم تصورها وتقييمها وأفكارها لإعادة بناء البشر قبل الحجر، ولتثبيت هوية سورية العلمانية وثقافتها التنويرية، وقيم المحبة والتسامح، ونبذ العنصرية والطائفية والتيارات المتشددة التي لم تكن يوماً جزءاً من طبيعة المجتمع السوري وثقافته.
علينا أن نخطط نحن لمستقبل سورية، لنظامها التدريسي، والاقتصادي والاجتماعي والديني، وأيضاً السياسي.. نريد خططاً قابلة للتنفيذ نعيد من خلالها بناء سورية والسوريين، لكن قبلها، علينا أن نقرر كيف نريد لسورية أن تكون لأنها حكماً لن تعود كما كانت قبل الحرب، ولا يمكن أن تبقى غارقة في مستنقع الحرب، لإيماننا أننا وفِي أغلبيتنا نريدها أن تكون أكثر تألقاً مما كانت عليه وأكثر قوة ومناعة، لأننا نملك الثروة الأكبر في محيطنا، وهي الثروة البشرية القادرة على بناء دولة حديثة ومتطورة تحافظ على قيمها وثوابتها وتوفر مستقبلاً مشرقاً لجميع السوريين.
نريد أفكاراً تبني أجيالاً لا تتأثر في ما شهدته سورية خلال سنوات الحرب، نريد مناهج تفضح ما تعرضت له سورية وتحدد من كان مسؤولاً عما حصل لنمنع تكراره على أقل تقدير.
علينا أن نكون أوفياء لكل من ضحى بروحه أو بقطعة من جسده من أجل سورية، فنقدم له أو لذويه مستقبلاً يرتقي إلى مستوى التضحيات وإلى ما تستحقه سورية لتعود رائدة في كل المجالات وفِي مقدمتها الإنساني الذي اشتهرت فيه على مر العصور.
خلال سنوات الحرب، عشرات مراكز الدراسات ووزارات خارجية دول عظمى رسمت سياسات وإستراتيجيات لسورية ما بعد الحرب، وحدنا نحن، كنا نعيش الحرب ومصائبها ونؤجل أي تفكير لما بعدها، متذرعين بأوزارها وبأن الوقت ليس للحديث عن المستقبل بل عن الحاضر.
لن نبالغ إذا اعترفنا مسبقاً أن معركة البناء لا تقل أهمية عن معركة التحرير، وكما واجهت قواتنا المسلحة الإرهابيين بكل شجاعة وبسالة، سيكون علينا نحن أن نواجه كل من راقت له الحرب واستغلها، وفِي كل الميادين، فنشروا فكرهم وفسادهم وتربعوا على عروش أمراء الحرب محاولين فرض وترسيخ واقع جديد، وثقافة جديدة، لا تشبه بأي من جوانبها ثقافة السوريين.
اليوم نحتاج إلى قرارات تسهم في رسم مستقبل سورية، ولإستراتيجيات واقعية تلد من عمق الأزمة وما عاشه ويعيشه السوريون، علينا أن نقرر أن كنا سنبقى منفعلين بالحرب، أو نكون فاعلين وننهض بسورية كما نريدها نحن لا هم.. و«الهم» المقصودون هنا كثر، ومتعددو الهوية والجنسية والفكر، لكن جميعهم لا يمثلون ولا يعملون ولا يريدون لسورية أن تكون كما نريدها نحن لأنفسنا ولأولادنا ولأحفادنا.
علينا أن نبدأ بالطفل السوري وأن نحصنه من التيارات التي تتلاعب بفكره وتربيته، علينا أن نحصن الشباب والشابات من ويلات الحرب ونتائجها، علينا أن نعيد بناء القضاء ونحميه وإعادة تأهيل الجامعات وتفعيل نظامها التدريسي ليتلاءم مع احتياجات سوق العمل في سورية، وعلينا أن نعيد الاعتبار للموظف والعامل ونوفر له حياة كريمة، والعمل على إعادة واسترجاع الكوادر إلى سورية لتسهم بإدارتها وبنائها، وإعادة عجلة الإنتاج إلى العمل لتعود سورية أكثر تألقاً مما كانت عليه وبأسرع وقت ممكن.
هذه عناوين تحتاج إلى أبحاث وورشات عمل ومجالس، لكن لا بد منها إذا أردنا أن يكون الحل سورياً سورياً فعلاً، وقد يردد البعض إن الوقت لا يزال باكراً على طرح هذه المواضيع، لكن من يتابع ما يعمل عليه أعداء سورية يدرك أن الوقت ربما بات متأخراً لتحديد ما نريده لسورية. فمن مسؤولية كل النخب السورية اليوم أن تكون رديفة للقوات المسلحة في تحرير سورية ليس فقط من الإرهاب بل أيضاً من المخططات التي وضعت لها ولمستقبلها. فهل نفعل؟ وكيف؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن