قضايا وآراء

رؤية في الانعطافة التركية بعد إعلان موسكو الثلاثي

| صياح عزام 

نقضت تركيا جميع أُطروحاتها السياسية السابقة في الملف السوري بعد أن وقعت على البنود الثمانية للاتفاق الثلاثي في موسكو، حيث أدركت- ولو بشكل متأخر- أن البوابة الروسية أصبحت الأمل الوحيد للخروج من المستنقع السوري الذي رمت نفسها بداخله تحت شعارات مُتعددة منها: توسيع فضاء السياسة التركية، وتأمين العمق الإستراتيجي، والاشتراك في اللعبة الدولية لا المشاركة فيها فقط.
لقد أقرّت تركيا بشكلٍ واضح بسيادة سورية ووحدة أراضيها بعد أشهر من الحديث عن اتفاقية «لوزان» وموقع حلب في الميثاق الوطني التركي، وبعلمانية سورية التي تعني ضمنياً الاعتراف بالحكومة السورية لكونها الضامن الوحيد لعلمانية البلاد في مواجهة فصائل مسلحة تجمعها أيديولوجية إسلامية، وتتميز بتطرفها الشديد، واعتبرت تركيا كلاً من «داعش» و«جبهة النصرة» منظمتين إرهابيتين، بعد تصريحات سابقة لـ«أحمد داود أوغلو» المستقيل، اعتبر فيها «داعش» «تعبيراً عن غضب الشباب السني في وجه التهميش الطائفي في العراق»! كما طوى الاتفاق أيضاً، حقبة من التصريحات النارية التي صدرت عن السلطان التركي وأعوانه، مثل وجوب إسقاط الأسد، وأيام الأسد باتت معدودة، واختفت المقالات المعارضة لسورية من الصحف التركية التي كانت صفحاتها الأولى تتضمن دائماً عناوين ضد سورية تعليقاً أو تعقيباً على ذلك، ماذا يمكن أن يُقال؟
لا شك بأن فشل إستراتيجية «أردوغان» وخطط رفيق دربه «المُضحى به» كان وراء هذا التراجع في السياسة التركية تجاه سورية، كذلك، فإن اعتذار «أردوغان» من روسيا عن إسقاط الطائرة الروسية، وخسارة الليرة التركية نحو نصف قيمتها، وتصاعد الصراع الدموي في الداخل التركي، كل ذلك دفع «أردوغان» مجبراً إلى خيار أداء الدور المُكمل للنظرة الروسية، وزاد من هشاشة موقفه.
وتجلّت خسارة «أردوغان» في «الربيع العربي» من خلال سقوط صورة الإسلام السياسي الموصوف بالمعتدل والمعوَّل عليه من أميركا والغرب لقيادة المنطقة والحفاظ على مصالح الغرب مستقبلاً، وذلك عندما تحول هذا الإسلام السياسي إلى حركات أيدولوجية متطرفة وخطيرة ترفض الاقتداء بالنموذج التركي، الأمر الذي أفقد أنقرة المرجعية القيادية المأمولة.
ومع تصاعد الجفاء الأميركي والأوروبي (حلفاء العدو الكردي)، بدأ «أردوغان» يبعث بوسائل تهدد بالاستقالة من دور تركيا كرأس حربة «للناتو» في المنطقة، والاستغناء عن عضوية الاتحاد الأوروبي، والتحول نحو أوراسيا ومنظمة «شنغهاي»، ما أدى إلى عزلة أردوغان، ولهذا يسعى السلطان إلى إقامة اتفاقات مع دول المنطقة والقوى الدولية المؤثرة للانتقال من السياسات العاطفية إلى الدبلوماسية المبنية على مبدأ الربح والخسارة، مُنتظراً ما ستؤول إليه الأوضاع مع وصول «ترامب» إلى البيت الأبيض رسمياً وتسلمه لمهامه.
لقد عاش أردوغان «نشوة الانتصار» مع بداية الربيع العربي أو بالأحرى «الربيع الأسود»، ورفع من سقف شعاراته التي تعكس حلمه بعودة الخلافة العثمانية بعد أن بدا الآمر الناهي في تونس، والوصي على ليبيا، والمُخطط للقاهرة، بانتظار أن يُصلّي في الجامع الأموي بدمشق!
إلا أن الأجندة التركية في تونس «حزب النهضة» وفي مصر «الإخوان المسلمين» وعدم الاستقرار في ليبيا، كلها ضُربت، وسقطت معها أحلام أردوغان، وبات كلُّ ما يأمل به عدم إقامة «كوريدور» كردي بين «عفرين وعين العرب» على حدوده.
والسؤال المهم الذي يطرح نفسه، هل ينجح أردوغان في سياسته الخارجية بتغيير موقع بلاده من خصم وعدو لسورية إلى طرف يساهم في إنهاء الحرب الإرهابية على سورية بعد الخيبات المتتالية لسياسته جراء التعاطي مع ما يُسمى «الربيع العربي»، وهل يتخلّى عن أوهام «السلطنة» والتحول إلى لاعبٍ دولي مُساوٍ للولايات المتحدة وروسيا في القوة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن