قضايا وآراء

أردوغان… والحاجة للأسد

| د. حسام شعيب 

لا خصوم دائمين وأينما وجدت المصلحة حكمت السياسة، وبتعريف آخر السياسة وفن الممكن. من هنا اعتقد أردوغان قبل ست سنوات أنه بالإمكان إسقاط الدولة السورية وإجبار الرئيس الأسد على الرحيل كما حصل مع رؤساء تونس ومصر وليبيا، لعدة عوامل داخلية وخارجية منها إرادة الولايات المتحدة الأميركية وما يسمى المجتمع الدولي تحت ذريعة نشر الحريات والعدالة والديمقراطية وتحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي لبعض المجتمعات. وعليه كان تحالف الغرب مع تنظيم حركة الإخوان المسلمين العالمية كي تكون الحامل لما سُمي الثورات العربية وأن يؤول حكم الجمهوريات العربية إليها شريطة صداقتها مع إسرائيل وقبولها التطبيع قياساً بما جرى قبل أحد عشر عاماً عندما وصل حزب العدالة في تركيا بزعامة أردوغان للسلطة والحكم، وأن تُقدّم صورةٌ للحاكم المسلم وهو يرتدي ربطة عنق (كرافت) ويُقدم زوجته للتعارف في الزيارات والمناسبات الرسمية بحجابها الإسلامي…
أردوغان الذي بنى علاقات سياسية واقتصادية مع معظم الدول العربية وإيران من خلال البوابة السورية حيث وصل حجم التبادل التجاري لمؤشرات عالية قياساً بسنوات سابقة فاعتبره الأتراك أنه صاحب نهضة اقتصادية ما كانت نهضته لتتحقق لولا الدور الذي لعبته سورية في المنطقة ما أسهم في الأمن والاستقرار الإقليمي رغم حربي غزة وحرب لبنان عام 2006، ولكن غرور الرجل وولاءه لتنظيم الإخوان المسلمين وآماله التي عقدها على تحقيق مشروع الولايات المتحدة بالفوضى الخلاقة وأطماعه العثمانية في السلطة واكتساب ثروات سورية من النفط والغاز جعله يُصدَّق أنه قادر على تصفير المنطقة من المشاكل وأن ما سيحدث سيجني لتركيا موارد اقتصادية هائلة عدا الفكرة العقائدية، لذلك رأينا الرجل يطل علينا كل لحظة يريد أن يصلي… وأن يقاتل… وأن يناصر… هيستريا وداء العظمة حلت عليه، إلى أن وقع الانقلاب الفاشل في تركيا.
في ليلة واحدة تتعرى تركيا وتظهر ديكتاتورية أردوغان ليدك أكثر من خمسة وعشرين ألفاً في السجون بينهم الإعلامي والقاضي والسياسي وعناصر الدرك والاستخبارات والجنرالات.
وهو ما فضح هشاشة الحكم في تركيا وأجهزتها حيث إنها مخترقة من جماعة فتح الله غولن والاستخبارات الأميركية.
أردوغان الذي ظن أنه بفتحه الأراضي التركية والمعابر الحدودية أمام حركة العابرين من الإرهابيين والناقلات التي تحمل السلاح نحو الأراضي السورية ستكون تركيا بمنأى عن الإرهاب ولكن أحلام أردوغان السياسية ارتطمت بالواقع حيث كشفت الأشهر الأخيرة هشاشة المؤسسات الأمنية التركية والانقسام الداخلي التركي على المستويات والصُعد بما فيها الصعيد الاجتماعي والإعلامي وما زاد الطين بلة أن الخطر الكردي في جنوب تركيا بدأ يتنامى بسبب تحالف الولايات المتحدة مع بعض المجموعات الكردية وكل تلك البروبغندا الإعلامية والسياسية لأردوغان ومسؤولي حكومته لم تنفع بتصوير تركيا دولة ديمقراطية قوية ذات نفوذ في المنطقة…، بالمقابل كانت الدولة السورية غير معنية بتلك التحالفات الإقليمية والدولية ضدها ولم يكن الرئيس الأسد يلتفت لتلك الترهات والحماقات للسياسيين الغربيين والعرب وتركيا، الرئيس الأسد أدرك منذ اللحظة الأولى أن المشروع الصهيوأمريكي يريد بالدرجة الأولى استهداف الدولة السورية انتقاماً للمواقف الصادمة والمانعة لمشاريعه الاستعمارية في المنطقة وبالتالي توجيه الخطاب للحلقة الأضعف وهو الشعب بكل شرائحه ومستوياته بما فيها الخطاب الديني والمذهبي التكفيري. إلا أن وعي الشريحة الكبيرة من السوريين والتفافهم حول قيادتهم والرئيس الأسد ألا يكون بعيداً عن شعبه رغم كل المخاطر الأمنية التي تحيط بالبلاد كان كفيلاً لأن يعرف كل المتآمرين على سورية بأنهم يواجهون رئيساً شجاعاً وحكيماً في إدارة الدولة وهادئاً في الرد على كل تلك الضوضاء والجنون الأردوغاني الأميركي.
لذلك تعامل الرئيس الأسد بمسؤولية رجل الدولة وكان منفتحاً على شعوب العالم وقد ميز بين الشعب وأنظمة الحكم فكانت لقاءاته المتعددة مع أحزاب وقوى سياسية ووسائل إعلام تركية، كذلك الأمر بالنسبة للغرب الذي كانت تصل وفوده الشعبية والإعلامية إلى دمشق وتلتقي الرئيس الأسد لترى وتسمع وجهة نظر مختلفة تماماً عما تسمعه في إعلامها ومن مسؤوليها، ما ترك انطباعاً حسناً عن الأسد وعن أحقية دمشق في الدفاع عن نفسها من الإرهاب.
في السياسة تكمن القوة في إجبار الخصم على الحاجة إليك رغم عدائه لك. تفلت الإرهاب في المنطقة وتفشيه على أراضي تركيا وبقاء الدولة السورية بكل مؤسساتها صامدة وتنفيذ وعود الرئيس بتحرير حمص وحلب ومناطق أخرى والتحالف الروسي الإيراني مع دولة قوية متماسكة كسورية ومؤازرة الجيش العربي السوري في معاركه كلها أسباب كانت كافية لإجبار أردوغان على التراجع عن مشروعه التقسيمي لسورية وإسقاطها، ولا يعني أن الاتفاق الثلاثي الروسي الإيراني التركي قد أقنع اللاعب التركي وأوجب عليه محبة الدولة السورية… أردوغان الذي وجد نفسه وحيداً في المنطقة وخصوصاً مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض وبالتالي سيتحمل تبعات دعمه للإرهاب. لذلك وجه التهم لأميركا وحلف الأطلسي في الأيام الأخيرة.
كما غدا أردوغان وحيداً في الداخل التركي بسبب الانقسامات الحادة ورجح أنه لن يستطيع الاستمرار في الحكم في ظل هذه الظروف السياسية الداخلية لتركيا.
أردوغان كان يطالب ويهدد بالرحيل للرئيس الأسد، اليوم أصبح مهدداً بأي لحظة بالرحيل وبمحاكمات داخلية بسبب قضايا الفساد ومحاكمات خارجية بسبب دعمه للإرهاب بشكل مباشر.
في اللقاء الثلاثي سمعها وزير الخارجية التركي، كما سبقه في سماعها أردوغان من الرئيس بوتين في لقائهما الأخير، لا حديث عن الرحيل لأن وجود الرئيس الأسد أصبح ضمانة ليس لسورية فقط بل لأمن المنطقة واستقرارها. أردوغان أصبح بحاجة للدولة السورية للحفاظ على أمن تركيا وهو السبب في فتح الملفات التركية أمام الاستخبارات الأمريكية التي كادت تطيح به.
تركيا ليست في وضع تُحسد عليه بعد مقتل السفير الروسي كارلوف وبعد عملية اسطنبول الأخيرة وتهديد داعش لها بعد أن حرق جنديين تركيين… لعل فرصة اقتناص اللحظة مهمة للسياسيين لذلك وَقَعَت تركيا الاتفاق وأقنعت المجموعات المسلحة التابعة لها بالالتزام وتوقيع وقف إطلاق النار.
الفرصة ما زالت سانحة لأردوغان إن أراد الدخول إلى المشهد السياسي والدولي بعد أن انكفأ منه ولكن هذه المرة ليس من البوابة الأميركية والخليجية وإنما من بوابة ألدّ خصومه من وجهة نظره بوابة الرئيس الأسد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن