ثقافة وفن

صنع الأشياء الجميلة

| د. اسكندر لوقا

تتصارع النوازع في النفس البشرية كما الأمواج في عرض البحر، الموجة الأقوى دائماً هي التي تغلب، كما العاصفة حين تشتد تزيل من أمامها أي عائق يمكن أن يعترض طريقها.
على هذا النحو تختلف النوازع البشرية من إنسان إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، وأيضاً من زمن إلى آخر، ففي بعض المجتمعات تتنامى لدى الأفراد القناعة بأن المال، المال وحده هو القادر على صنع الأشياء الجميلة، بما في ذلك ما يمكن أن يندرج حكماً تحت بند المستحيل.
وفي بعض المجتمعات، العمل وحده يجسد لدى الفرد قناعة من نوع آخر، قناعة تؤكد أن صنع الأشياء الجميلة يكون بمقدار ما يبذل من جهد، وحين تصدر مثل هذه القناعة عن أرضية صدق الانتماء إلى قضايا أساسية في الحياة تتعلق بالمواطنة، على سبيل المثال، وبعيداً عن الانتماء إلى المصلحة الشخصية، تزداد رسوخاً في نفس صاحبها وتجعله يقتنع بأنه بالفعل لا بالقول، جزء من كل لا كل من كل.
وفي زمن الأزمات التي تلحق بهذا البلد أو ذاك، يزداد شعور المرء، في حال كونه جزءاً من كل، بضرورة بذل المزيد من الجهد حفاظاً على بلده، وصوناً لكرامة مواطنيه، وفي زمن الأزمات أيضاً، يتخلى المرء الذي يعتبر نفسه جزءاً من كل، عن بعض أو العديد من المتطلبات التي كانت تشكل هاجسه اليومي، فيصير تلقائياً، طرفاً في المعركة التي يخوضها بلده صوناً لحاضره ومستقبله.
ومن هنا يزداد تلاحم الفرد مع دولته بوصفها الكيان الحامي لوجوده، ومن ثم يزداد حضوراً في المواقع التي تتطلب منه بذل الجهد لصنع الأشياء الجميلة، وذلك على نحو الجندي الذي يتمسك ببندقيته دفاعاً عن وطنه، والتاجر الذي يقنع نفسه بنسبة الربح الحلال، والسائق الذي لا يتلاعب بلوحة العداد، وحتى الموظف الذي يحترم عمله في نطاق الوقت المحدد لعمله، وثمة أمثلة أخرى تعد من أولويات الانتماء إلى الوطن، وخصوصاً في الوقت العصيب الذي يتعرض له وطنه، كما هو حال بلدنا الحبيب سورية في الوقت الحالي وعلى مدى ما يقارب ست سنوات.
إن الجهد الصادق، كما يقول الكاتب والناقد والروائي الفرنسي الشهير الفونس كار «1808-1890»: «هو الذي يجعل صاحبه خالداً في الذاكرة البشرية»، كذلك هو من يصنع الأشياء الجميلة في أوقاتها، يدخل التاريخ من بابه العريض.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن