الأولى

«أستانا».. مواجهة بين الدولة والميليشيات … أم اتفاق على دحر الإرهاب واستعادة السيادة؟

| وضاح عبد ربه

لا تزال التحضيرات النهائية لعقد حوار الأستانا مستمرة وسط حراك دبلوماسي روسي تركي وإيراني واجتماعات لا تنتهي لضمان نجاح المؤتمر الأول الذي ترعاه هذه الترويكا، والذي يراد منه أن يكون مكملاً أو مهيئاً لمسار جنيف دون أن يكون بديلاً، رغم أنه مسار مختلف كلياً يدفع بنقل الحوار أو المفاوضات أكثر من سورية- دولية إلى سورية- إقليمية، ومن حوار مع من لا قيمة لهم على الأرض يمثلون فقط العواصم التي صنعتهم، إلى حوار مع المسيطرين على الأرض والقادرين، إن وجدت الرغبة التركية بوضع حد للحرب والانخراط في مشروع سياسي جدي دون شروط مسبقة يحفظ وحدة وسيادة الأراضي السورية ويحارب الإرهاب.
في الأمس، وبعد اجتماعات ماراتونية في أنقرة وموسكو، أعلنت الفصائل المسلحة عن أسماء وفدها المفاوض، وهم في أغلبيتهم قادة فصائل مسلحة متمركزون ما بين حلب وإدلب وغوطة دمشق، وذلك في التاريخ الذي سبق أن حدد خلال الوثيقة التي وقعت بين الدول الثلاث (روسيا وتركيا وإيران) والفصائل التي وافقت على وقف الأعمال القتالية في التاسع والعشرين من كانون الأول العام الماضي، حيث تم تحديد موعد السادس عشر من هذا الشهر للإعلان عن أسماء وفدهم المفاوض على أن يبدأ الحوار في الثالث والعشرين من الشهر ذاته (الأسبوع القادم) في الأستانا.
ويتساءل كثير من المتابعين والمحللين عن الجانب الرسمي السوري الذي سيفاوض الفصائل؟ ومنهم من ذهب بعيداً في تحليلاته ليعلن أن وفد الجمهورية العربية السورية إلى أستانا سيكون وفداً عسكرياً، لكن وعلى الرغم من أن دمشق لم تعلن بعد عن أسماء وفدها المفاوض، إلا أن الأكيد أن سورية ستذهب إلى أستانا كدولة بكامل مؤسساتها وليس كمؤسسة عسكرية تفاوض مجموعة من الفصائل، فالمطروح في كازاخستان، كما في جنيف، هو حل سياسي، وليس اتفاقية لوقف إطلاق النار التي عادة ما تكون بين دولتين متحاربتين ويفاوض عليها قادة الجيشين.
إن «الحل» مع هذه الفصائل أو الميليشيات قابل للنجاح، لكونها متواجدة على الأرض وتسيطر على الآلاف من «المقاتلين» السوريين الذين فوضوا قادتهم بالحوار من أجل إنهاء الحرب، بل قاموا بتسليم لوائح أهداف لاستهداف النصرة في إدلب، في بادرة لإثبات نواياهم في محاربة الإرهاب المصنف دولياً والمتمثل بجبهة النصرة وتسمياتها المختلفة، وتنظيم داعش.
وانطلاقاً من ذلك، ومن جدية دمشق في إيجاد حل سياسي للحرب، يمكن التأكيد أن وفد الجمهورية العربية السورية سيكون مماثلاً للوفد الذي ذهب سابقاً إلى جنيف، وعلمت «الوطن» من مصادر دبلوماسية في موسكو، أن وفد الجمهورية العربية السورية سيكون برئاسة الدبلوماسي السوري والمندوب الدائم في الأمم المتحدة بشار الجعفري وسيتضمن شخصيات تمثل المؤسسة العسكرية وشخصيات تمثل القانون السوري، بحيث يكون الوفد ممثلاً للدولة السورية مجتمعة، وقادراً على بحث تفصيلات مثل وقف الأعمال القتالية، وهو تفصيل جزئي، إذا كانت هناك فعلاً نوايا لحل سياسي شامل تتم ربما صياغته في أستانا ويتوج في جنيف.
تشير المعلومات إلى أن أغلبية الفصائل التي ستشارك في مباحثات أو حوار أستانا لا تملك رؤية موحدة للحل السياسي، وبما أن أغلبيتها أو جميعها يتبع بشكل أو بآخر لتركيا والسعودية، فإن الحوار سيبدو بين الفصائل والدولة، لكنه في الواقع بين دمشق وأنقرة برعاية روسية وإيرانية، وعلى أرض محايدة عن الضغوطات الغربية.
إذاً، لا يتوهم أحد أن دمشق ذاهبة إلى أستانا للبحث في وقف للعمليات القتالية، كما يريد البعض أن يروج، أو لتثبيت ما سمي بوقف لإطلاق النار، بل دمشق ذاهبة في إطار رؤيتها لحل سياسي شامل للحرب على سورية، ولتوحيد الجهود السياسية والعسكرية من أجل دحر الإرهاب بالتعاون مع هذه الفصائل التي اختارت الحل السياسي بديلاً عن الحل العسكري، وإعادة فرض هيمنة وسيادة الدولة على كامل الأراضي السورية.
إن الحوار في أستانا سيكون الامتحان الأخير لتركيا، وهذا ما قرأناه بين السطور منذ يومين من خلال البيان الذي صدر من «غرفة عمليات حلفاء سورية»، فإما أن تتخذ قرار وقف تدفق المال والمسلحين والسلاح إلى داخل الأراضي السورية، وتعلن تأييدها الكامل للحل السياسي دون مراوغة، أو أن تستمر في سياستها التدميرية، وآنذاك تفقد حليفيها في الاتفاق الثلاثي روسيا وإيران.
لن نتفاءل في الوقت الراهن، ومن المبكر الحديث عن تحول تركي كامل، لكن أنقرة ليست في أفضل أحوالها، وقد تكون بحاجة إلى هذا الاتفاق أكثر من أي وقت مضى، وخاصة إذا صدقت أقوال الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعزمه شن حرب بلا هوادة على الإرهاب، ما يرتب على الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إصدار شهادة «حسن سلوك»، قد تطبع في أستانا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن