قضايا وآراء

«أضعف الإيمان»: هل هو أفضل المتاح؟!

| عبد المنعم علي عيسى

خرج دونالد ترامب في مؤتمره الصحفي الأخير 12/1/2017 قبل أن يصبح سيد البيت الأبيض 20/1/2017 عن الكلاسيكيات المعتمدة بقوة في السياسة الأميركية فقد تعمد الرئيس المنتخب أن يضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الدولة العميقة الأميركية كما تسمى في الشرق الأوسط أو مع مؤسساتها الحاكمة (الاستبلشموت) كما تسمى أميركياً وفي الذروة منها الـCIA التي قال إنها تقوم بممارسات تذكر بالنازية.
ما يهمنا في هذه العجالة هو أن دونالد ترامب كان قد ألمح في خطابه سابق الذكر إلى إمكان أن يقوم بتنفيذ وعده الانتخابي الذي ينص على نقل السفارة الأميركية في تل أبيب إلى مدينة القدس مع كل ما يترتب عليه من حمولات لربما لا يحتملها أساساً المناخ الإقليمي السائد شديد التأثير على الأمن القومي الإسرائيلي.
اللافت في هذا الأمر هو أنه يأتي في ظل مناخات عالمية (أوروبية- آسيوية- أفريقية) بعيدة كل البعد عن ذاك التوجه الذي ينوي ترامب الذهاب إليه حتى ليبدو وكأن الأخير يريد السباحة بعكس التيار وسط أجواء هي عاصفة بالأساس، إلا أن اللافت أكثر هو أن تصريحات ترامب قد جاءت بعد أسبوعين فقط من غض إدارة أوباما النظر لتمرير القرار 2334 الذي صدر عن مجلس الأمن 23/12/2016 والذي يمثل انتصاراً قوياً للقضية الفلسطينية ولربما كان هذا القرار السابق هو الأهم منذ صدور القرار 242 في تشرين الأول 1967.
يطرح الأمران اللافتان سابقا الذكر إشكاليات عدة يمكن أن تختصرها تساؤلات عديدة منها كيف يجب علينا أن نفهم هذا التناقض الكبير ما بين سلوك باراك أوباما وسلوك خلفه المرتقب؟ ثم هل هذا التناقض يعبر عن حالة انقسام كبرى بين تيارين داخل المؤسسة الحاكمة الأميركية فيما يخص القضية الفلسطينية؟ أم إن الأمر لا يعدو أن يكون إحدى الشطحات التي يبتكرها رئيس لم يتسلم مهامه بعد ومع ذلك فهو يريد أن يدخل التاريخ من أوسع أبوابه الشرق أوسطية.
لربما من المفيد هنا أن نعرض لمقطع جاء في تقرير الهيرالدتريبون 10/1/2017 فيما يخص هذا الشأن فقد جاء في ذاك التقرير: «إن السياسات الأميركية الهادفة إلى إسقاط نظام دمشق لم تكن دوافعها تكمن في خطوط الغاز وآبار النفط فحسب وإنما كان دافعها الأكبر هو إحالة جسر الزاوية (المقصود به سورية) إلى غبار، حيث التخلص من الأسد يعني التخلص ممن بقي رافعاً صوته مطالباً بحقوق الفلسطيني» ولربما كان هذا المقطع كفيلاً بحلاً جزء من تلك الإشكاليات المشار إليها على حين نرجو أن يكون الرد السريع الآتي كفيلاً أن يزيل ما تبقى من تلك الإشكاليات.
لم تكن هناك أي ردود فعل عربية (فردية أو جماعية) على تلك التصريحات بالغة الخطورة ولا تنادت الجامعة العربية لعقد مؤتمر طارئ لها لتدارس الأمر أما ردة الفعل الفلسطينية فقد جاءت على لسان الدكتور محمد أشتيه عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وفيها هدد الأخير بسحب اعتراف السلطة الفلسطينية بدولة إسرائيل وهو أمر يعني من الناحية السياسية نسف اتفاقات أوسلو 1993 والعودة إلى ما قبل مؤتمر مدريد 1991 الذي رفع فيه العرب شعار السلام خياراً إستراتيجياً من الناحية الواقعية لا يبدو أن تهديد الدكتور أشتيه جدياً إذ لطالما كانت نظرة السلطة الفلسطينية الحالية تقوم على وجوب الحفاظ على «المكاسب» التي حققتها اتفاقات أوسلو وهي الآن ليست بوارد الانقلاب على تلك النظرة لأنها (السلطة الفلسطينية) ببساطة تمثل أهم الثمرات التي أنتجها ذلك المسار ووجودها مرتبط باستمرارية هذا الأخير ومن المؤكد أنها إذا ما ذهبت إلى تنفيذ تهديدات أشتيه فإن ذلك سيعني حتماً انهيارها السريع بكل مؤسساتها ولن يكون بمقدور الرئيس محمود عباس البقاء ولا لأيام في مكتبه الحالي برام اللـه حتى ولو حاول الالتفاف أو الاختباء وراء قرار يمكن أن تتخذه القوى السياسية المكونة للشارع الفلسطيني والممثلة في البرلمان الفلسطيني إذا ما فكر بإحالة هذا الأمر إلى هذا الأخير للبت فيه.
هذه بالتأكيد ليست دعوة إلى إسقاط اتفاقات أوسلو، ولا السلطة الفلسطينية بوارد أن تفعل إذ لطالما كان اللجوء إلى خيار الشارع في كثير من الأحيان خياراً انتحارياً نظراً لأن حسابات ذلك الخيار (الشارع) ناقصة على الدوام أو تحكمها عوامل الشعور والعاطفة.
أما تهديد الدكتور أشتيه في شقه الثاني فهو يبدو واقعياً جداً فقد ذهب فيه إلى المطالبة برفع الأذان وقرع أجراس الكنائس يوم الجمعة 13/1/2017 تعبيراً عن الرفض والاحتجاج على تصريحات دونالد ترامب، واقعية هذا التهديد تندرج هنا تحت عنوان: وهذا أضعف الإيمان السؤال المهم الآن هو: هل كل هذه القدرات العربية لا تسمح إلا بأضعف الإيمان؟ وإذا كان الجواب بنعم فلماذا كانت تلك القدرات في تونس وليبيا ومصر والعراق في الحالة النقيض أي بأقوى الإيمان؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن