ثقافة وفن

الشباب وقدرة البناء

| إسماعيل مروة 

الشاب الذي فقد جامعته ودراسته، والشاب الذي مرّت مرحلة الشباب عليه، وهو يؤدي واجبه تجاه أرضه ووطنه، وهو غير آسف عليها، لأنه يحمي تراب الوطن، وأمضى سبع سنوات يتقلب على ذرات التراب المقدس من مكان إلى مكان من دون أن يمنعه من ذلك تفكير بأسرة أو تكوينها، إن لم تكن مكونة بعد، الشاب الذي انقطعت به السبل وكان من الممكن أن يكون أديباً أو مؤرخاً أو مهندساً، كل هؤلاء الشباب ماذا أعددنا لهم، وبفضلهم وحدهم استطعنا أن نبقى، وبفضلهم وحدهم يمكن أن نحافظ على سوريتنا وهويتنا؟ هل أعددنا خططاً للتأهيل والتطوير والتدريب؟ هل أعددنا خططاً للتعليم الرديف أو البديل؟ هل أعددنا لهم ما يكفل لهم إتمام حياتهم بكرامة واحترام كما وهبوا الأوطان حياتهم من دون سؤال أو تأفف أو تبرم؟ هل فعلنا أم إننا سنكتفي بكلمة شكر، إن قيلت، أو بوسام إن وجد طريقه إلى من دفع من جسده وروحه؟ هل بدأ الإعداد لاستقبال هذه الكوادر حسب وضعها وتخصصها في أماكن لائقة؟ الذي أعطى عمره لوطنه لن تعرف قيمته إلا إذا رآه المجتمع فاعلاً في مكان يستحقه ويجيده ليكون مثالاً للآخرين، والذي وهب روحه للوطن لابد من تدوين سيرته للأجيال المقبلة حتى لا يضيع اسمه، فالقوائم وحدها لا تصنع تاريخاً، والفن يأخذ النموذج العام المغفل من الخصوصية ولا يقدم ما يجب أن يقدمه… إن شريحة الشباب أخطر مما نتخيل، وأثرها أكبر من أن يقدره أحدنا وهو يقفز من مكان لآخر متمتعاً بحياته، مسروراً بسلامته..!
سنوات مرّت، وشباب كثيرون لم يعرف مستقر لهم، فبعضهم اختطف لفدية، وآخر ذهب ضحية، وآخر ذهب مغرراً به، وآخر انتهى لأنه مع أرضه وترابه وسوريته… القائمة تطول ولا تقف عند حد معين، وعلينا عندما نقف عند هذه الشريحة أن نوسّع رؤيتنا لنعرف أن النسبة الغالبة من ضحايا الحرب على سورية كانت من شريحة الشباب، وإن كانت فيروز في بترا تقول على لسان أنطون كرباج: اقتليني أنا عسكري لموت، إلا أن هذا الكلام مقبول لو كان الأمر بين الدول المتصارعة، والأمم المتنافرة، لماذا لا يكون العسكري للحياة والاحترام والتبجيل؟ وإن كانت بترا الصغيرة قد قتلها القائد الروماني، فلأنه قائد روماني وغريب، فماذا عن آلاف العسكر الذين جادوا بأرواحهم لأنهم سوريون ولا يعرفون التلون؟ وماذا عن الآلاف مثل بترا الذين ذهبوا ضحية حروب الكبار القذرة؟
يعجب المرء وهو يرى هذا الكم من التجاهل للحقائق، فوسائل الإعلام اليوم ليست كما كانت في الحرب العالمية الأولى أو الثانية، أو حتى في حرب تشرين أو اجتياح بيروت، فعندما ينتحر شاعر مثل «حاوي» احتجاجاً على اجتياح بيروت، فإنه فعل ذلك ليوصل رسالته، اليوم الإعلام- إن كان موضوعياً- ينقل لحظياً، ووسائل التواصل الاجتماعي تنقل بعض القضايا التي لم تكن ممكنة، والتكنولوجيا تنقل أسرار الاجتماعات، وها هو السفير البريطاني يفضح كل شيء، ويقول: إن أسلحة الدمار في العراق لم تكن خطأ بل كذبة! وإن كل ما في الأمر هو صراع على أنبوب نفط، لو اتفقت الدول القوية مع طالبان لما كانت طالبان متشددة، ولما انتهت أفغانستان، ولو اتفقوا مع العراق ما تم احتلال العراق، قالها ببساطة: إن البسطاء يخوضون حرب الأغنياء ويموتون نيابة عن مصالحهم، فجورج بوش الابن يتبع إحدى شركات النفط كما قال السفير، وكذلك رامسفيلد وغيره من المسؤولين الأميركان والغربيين والشرقيين! هل هذا القول خضع لعمليات مونتاج وقص كما يريدون أن يتوهموا؟ إنه مؤتمر صحفي بوجود نخبة من السياسيين.
من أجل أنبوب نفط من الدول المتحللة من الاتحاد السوفييتي سابقاً إلى العراق والمتوسط نقتل ونقاتل، ونفقد أرواح أهلنا وشبابنا، ونفقد بلداننا ونصبح متسولين على قارعة الطريق، ونصبح نكتة يتبادلها بعضنا ضاحكاً في الواتس أو الفيس أو حتى شفاهاً، وقد أشار بعض المتابعين إلى أن النسبة الكبرى التي تزيد على سبعين في المئة من النكت الضاحكة بألم وحسرة اليوم عن سورية والسوريين! فهل تتحول حياتنا إلى نكتة سمجة وغليظة وتافهة من أجل أنبوب نفط، وكرمى للأغنياء في العالم؟ وهل نصبح شعباً حاقداً متقاتلاً متباعداً متنافراً كل واحد منا يتربص بالآخر من أجل هذا الأنبوب؟ وهل وصل بنا الجهل مرحلة لا نريد أن نقرأ اعترافات أو مذكرات أو حتى أن نشاهد لحظات تكشف لنا الحقيقة قبل أن نجز رقاب بعضنا بحجة هذا مع وهذا ضد؟!
إن كان الأنبوب فللعمل ولخلق فرص عمل، ولشبابنا الحق في بناء مستقبلهم، وتحديد الغايات الوطنية النبيلة، لا أن يهاجروا ليعمروا بلداناً أخرى سواء كانوا بمهارات عادية أم بمهارات عالية، سواء عملوا على طاولة الكيّ لأربع عشرة ساعة في اليوم في تركيا مقابل ثمانمئة ليرة في الشهر، أم كانوا أطباء في أرقى المشافي الألمانية! ألا نعرف النماذج؟ بل نعرفها، ونعرف أن كثيراً من هؤلاء لم يرغب في الخروج، ولكن مخططاً أراد النيل من شبابنا، ومن مجتمعنا الشاب، ومن بلداننا الشابة، ولو تابعنا الإحصاءات السكانية عرفنا أن المستقبل يصنع للشباب، والشباب لدينا وبكامل إمكاناته وطاقاته وقدراته، وتميز شبابنا بالعلم والتقانة والوعي، ولابد لتحقيق مصالح الأنبوب وأصحابه من الانتهاء من هذه الطاقات والقدرات، وكانت الحرب وسيلة، فإما غائب أو مغيّب، قاتل أو مقتول، سجّان أو سجين، مشوّه أو صاحب عاهة، مهاجر أو مهجّر، ولو استمر بنا الحديث فإننا سنقف عند الجيل الذي سيكون شاباً مع انتهاء الحرب، هذا الجيل الذي رافقته الخيام، ونخره البرد، وعرف المهانة والذلة، ورأى دولاً كانت تقف مرتجفة أمام ذكر جنسيته، وقد صارت هذه الدول تعامله معاملة الجرذ المرفوض، وإن كان يمضي أوقاته في فنادق النجوم غير المنتهية.
ماذا اكتسب الشباب القادم غير البحث عن لقمة كانت آخر همه؟!
ماذا حصّل هؤلاء غير علبة حليب أو كيس سكر كان يتبرع به من قبل؟!
ماذا تعلّم غير فك الحرف، وهو من سورية التي دفنت الأمية منذ سنوات بعيدة، وعادت لتتصدر الدول التي تعاني الأمية؟!
ماذا ينتظر هذا الشباب غير الإعانات، وهو من بلد لم يعرف الدَّين؟
لابد أن ينبري الذين يهمهم شأن سورية ومستقبلها إلى هذه الشريحة من السوريين، الشباب الذين فقدوا شبابهم، والشباب الذين يتقدمون إلى شبابهم غير مؤهلين، وهذا ما سيجعل درس الحرب مهما كان مؤلماً، مجدياً ونافعاً، فمن دم الشباب شراب التراب، ومن عمل الشباب يرتقي التراب.
الإعمار يبدأ بالشباب والأطفال
الإعمار يبدأ بالإنسان والعقل
الإعمار يبدأ بالحب وبالحب وحده
وليبحث الأغنياء العالميون عن أنبوبهم، وليحققوا مصالحهم لكن من دون أن نكون وقودها قتلاً وكرهاً وحقداً وطائفية، والشباب وحدهم القادرون على فعل شيء.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن