سورية

«فتح الشام» تواجه حرباً ثلاثية وتشن هجوماً على المشاركين في اجتماع أستانا

لم يعد أمام «جبهة فتح الشام» (النصرة سابقاً) المحشورة في الزاوية سوى خيارات قليلة. الجبهة تواجه حرباً متعددة الأوجه، واحدة قديمة يشنها الجيش العربي السوري وحلفاؤه الروس، والثانية تكثفت مؤخراً تتزعمها طائرات «التحالف الدولي» بقيادة واشنطن، والثالثة مستجدة أعلنها الأتراك وحلفاؤهم من الميليشيات المسلحة في ريف إدلب. الجبهة التي حاولت احتواء النذر التي تجمعت عليها الخريف الماضي، فسارعت إلى إعلان فك ارتباطها بتنظيم «القاعدة» وإعلان اسم جديد «فتح الشام» لا يمت للقديم «جبهة النصرة» بصلة، باتت طريدة الجهات الدولية والإقليمية والمحلية كافة بعد أن كانت الفتى المدلل لبعض أجهزة الأمن والاستخبارات الخليجية والإقليمية.
وعلى وقع هذه الحروب والمواجهات العسكرية والاستخباراتية، يواجه نسيج الجبهة، الذي طالما اعتبر متماسكاً، اختباراً حاسماً قد يقود إلى تفكك «فتح الشام»، وهو السيناريو المفضل للأتراك وحلفائهم من الميليشيات المسلحة. ورأت «فتح الشام»، أن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم. تحت تأثير هذا التفكير شنت الجبهة سلسلة هجمات في الريف الإدلبي لتحسين مواقعها النسبية قبيل المنازلة المقبلة مع المسلحين المدعومين تركياً (وروسياً؟)، بعد اجتماع أستانا.
وبالتوازي مع المعارك في الريف الإدلبي، شنت «فتح الشام» هجوماً على المشاركين في اجتماع أستانا، معتبرة أن المشاركة فيها بمنزلة «بيع تضحيات أهل الشام في سوق النخاسة»، وأن من ذهب إلى هناك فإنما رضي بشكل مباشر أو غير مباشر، ببقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم. وشددت الجبهة في بيان لها، على أن حق التفاوض حول مصير سورية «لا يملكه أحد بعينه، وأنه لا يحق لفئة، أو مجموعة أن تقوم بهذا الدور دون كامل أطياف الثورة و(الجهاد) الفاعلة».
واعتبرت «فتح الشام» قبول المسلحين وأن تكون روسيا هي الطرف الدبلوماسي والسياسي الذي يرعى محادثات أستانا «إذلالاً» لـ«تضحيات أهل الشام». وأكدت أن المسار السياسي الذي واكب الأزمة منذ بدايتها لا يخدم في مرحلة من مراحله أهداف «الثورة الشامية». وأشارت الجبهة إلى أنها ليست ضد إيقاف القصف والحفاظ على المدنيين وفكاك الأسرى ودعم المناطق المحاصرة بالمساعدات الإنسانية، مشددة على أنها لن ترضى أن يستخدم ما سبق من شعارات ومواضيع تجميلية تخفي في ظلالها «بيع الشام» وإفشال «جهاده وثورته». وكان أحد المصادر العسكرية المعارضة، قد رجح إعلان عمل عسكري على «فتح الشام» وميليشيات إسلامية أخرى عقب انتهاء اجتماع أستانا. ونقلت وكالة «سمارت» المعارضة عن المصدر، الذي يشارك باجتماع أستانا، أن الجبهة أخلت بعض مقراتها في إدلب وقطعت طرقاً رئيسية لمقرات أخرى استعداداً لمعركة محتملة تقودها روسيا.
وتلقت «فتح الشام» أعظم صفعة نهاية الأسبوع الماضي، عندما نفذ طيران «التحالف الدولي» غارات على موقع للجبهة ما أسفر عن مقتل العشرات. وبعد يوم على الغارة اندلعت معارك بين «فتح الشام» وحلفائها في «جند الأقصى»، من جهة، وميليشيات «حركة أحرار الشام الإسلامية» و«صقور الشام» وحلفائهما، من جهة أخرى. إلا أن الهدوء الحذر عاد وساد محاور الاشتباك أمس.
وانسحب مقاتلو «جند الأقصى»، التي حلت نفسها وانضوى مقاتلوها ضمن «فتح الشام»، من بلدة قميناس في ريف إدلب، تنفيذاً لأحد بنود الاتفاق الذي توصلت إليه «اللجنة القضائية» المكلفة فض النزاع بين «الجند» و«الأحرار».
وقبل ثلاثة أيام، اقتحم مسلحون من الجبهة مقرات لـ«الأحرار» عند معبر خربة الجوز على الحدود مع تركيا، كما اندلعت اشتباكات في عدة قرى وبلدات في جبل الزاوية بينها كنصفرة وإبلين الخاضعتان لـ«فتح الشام»، وفي قرى بليون ومشون وأبديتا التي استعادتها «الأحرار» من «فتح الشام» بعد قتال عنيف وهجوم مباغت من الجبهة. وبالتوازي مع ذلك، شن مسلحو «جند الأقصى» هجوماً على أحد مقرات «الأحرار» في جبل الزاوية، تزامن مع هجوم آخر على مواقع الميليشيا في بلدة قمنياس. عمليات «جند الأقصى» دفعت الميليشيات المسلحة إلى تشكيل غرفة عمليات مشتركة مع «الأحرار» بهدف استعادة المناطق التي سيطر عليها مسلحو التنظيم في جبل الزاوية. وتهدف الغرفة التي تضم إلى «الأحرار» كل من (جيش المجاهدين – صقور الشام – تجمع فاستقم كما أمرت- جيش الإسلام) إلى استئصال «جند الأقصى» والقضاء على هذه الميليشيا.
وأعلنت الميليشيات المسلحة أن قائد ميليشيا «ألوية صقور الشام» أبا عيسى الشيخ، هو من سيقود غرفة عمليات المسلحين لضرب «الجند». ولم تعلن «فتح الشام» موقفاً واضحاً من الاشتباكات بين «جند الأقصى» و«الأحرار»، واكتفت بتأكيد ضرورة فض النزاع وتنصلت من «جند الأقصى». لكن قائد «ألوية صقور الشام» طالب الجبهة التي أقرت بأنها لا تستطيع ضبط الميليشيا المنحلة، والمنتسبة إليها، بأن تنأى بنفسها عنه، مضيفاً: إنها «لم تتحرك بعد تعدي (الجند) في عدد من القرى في إدلب، ولكنها تقف لتمنع الفصائل من استرداد هذه القرى بحجة فض النزاع». واحتجاجاً على المعارك في الريف الإدلبي مع إخوة السلاح، أعلن عضو مجلس شورى الجبهة جهاد الشيخ (أبو أحمد زكور) وحمزة سنده عن خروجهم من الجبهة، معللين ذلك بـ«التشرذم التي وصلت إليه الساحة ومحاولات كل فصيل الاستئثار بها والوصاية عليها دون القبول بالنصح».
والشيخ هو المسؤول الاقتصادي العام لـ«فتح الشام» على حين سندة هو المسؤول العسكري للجبهة في حلب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن