اقتصاد

مساهماتنا «القيّمة» في الحرب علينا!

| علي هاشم

أن يصوغ رئيس اتحاد غرف الصناعة دعوة لرجال الأعمال «اللاجئين» يستحثهم فيها العودة بعدما لمسه من جدية حكومية لإصدار المراسيم والقرارات التي طالب بها من أجلهم، فهذا لا أقل من انقلاب حقيقي في علاقته المهنية بالحكومة، وما حفلت به، لقرابة أربع سنوات خلت، من رسائل مناكفة على خلفية التجاهل المديد لمطالباته بدعم القطاع الصناعي.
طوّع الرجل مفردات رسائله متكئاً على حقيبة وعود حملها معه من اللقاء الأخير لرئيس مجلس الوزراء مع اتحادات المنتجين والتجار. حقيبة يعكس ما بداخلها إدراكاً حكومياً بأن النهوض بالإنتاج يتطلب سلسلة الدعم الكاملة، وأن تجاهل أي من حلقاتها، إنما يحاكي استثمارا في ثقب أسود سيبتلع أهدافها، ورغم نياتها البادية لمنع الأمر، فثمة مخاوف جدية من تمسكها بـ«الروحية التقسيطية» التي ورثتها عن سالفتها لدى الانتقال من الشعارات إلى الواقع.
في سلسلة الدعم -التي لا غنى عنها- لإحياء طاقاتنا الإنتاجية الصناعية المتاحة، تبرز حلقة الحمائية «الموضعية» التي يتوقع أن يتسبب استمرار الحكومة بوهب أذنيها للتجار وإقامة الاعتبار لرؤاهم المغلّفة بمصلحة المواطن، في استبعادها من جملة إجراءاتها الموعودة، وكذا الأمر في بعض حوامل الطاقة التي يصل منها للمنشآت 10% من حاجتها على الرغم من إعلان الصناعيين -مرارا- استعدادهم لدفع ثمنها محررا، ومع النية المعلنة بزيادتها، فلا يبدو أنها ستتجاوز الـ25% من الاحتياجات وفق ما قال نُقل عن مدير المناطق الصناعية!.
في حلقتي التمويل المصرفي والرسوم الجمركية ليس الأمر بأقل تقسيطاً، فرغم حيويتهما للإنتاج، فلا يزالان محل تمييز واضح لمصلحة التجار خلافا للمنتجين، وأمثلة ذلك كثيرة، لا بل أن «فقائعية» بعضها تثير التساؤل، كترعرع التهريب ومؤونة التصدير وتعهد قطعه وغير ذلك.. وليس آخرا، حلقة إجازات استيراد المواد الأولية، التي رغم نموها بحدود 23% خلال الأشهر الأخيرة، إلا أنه يصعب تفهّم الإحجام عن إطلاقها إلى أقصى حاجة الصناعيين، ولو تطلب الأمر آلية رقابية على سيرورتها؟!.
وما دامت الحكومة متمسكة بروحية التقنين هذه، فعليها التيقّن بأنها ستحصد تقنيناً موازيا في السلع المنتجة محلياً لمصلحة المستوردة، ومثله في الصادرات والتشغيل والمعيشة، والأخطر، تقنينا في قدرة المصرف المركزي على تنويع أدواته لموازنة الاقتصاد، وفي المحصلة: تعظيم الزمن اللازم لمغادرة حفرتنا العميقة المهددة بمزيد من التعمّق، تبعا لتوقعات البنك الدولي حول أسعار السلع الأساسية هذا العام؟!.
في الأسواق، ثمة الأسعار فقط، أما القيمة فلن تولد سوى في مطارح الإنتاج، وما كل «سلعة/ قيمة» كان لها أن تُنتج قبل أن يمنعها «التقسيط» عن ذلك، سوى مساهمتنا العفوية في الحرب على أنفسنا!!
وإذا ما برهنت الحكومة صدق إيمانها بهذا الناموس الاقتصادي، فثمة فرصة كبيرة لدفع الإنتاج إلى مدياته الممكنة، وعندها فلن نحتاج إلى إشعال أصابعنا إغراءً لرجال الأعمال «اللاجئين» بالعودة، ولا لتشجيع رئيس الصناعيين على «تطريش» رسائل الوصل لهم.

 

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن