قضايا وآراء

ألمانيا وفرنسا أكبر خاسرين من نظام ترامب العالمي الجديد

| تحسين الحلبي

ربما كانت الحكومة الألمانية من أكثر المتضررين بسبب هزيمة هيلاري كلينتون في انتخابات الرئاسة وفوز دونالد ترامب وهذا على الأقل ما يراه عدد من المحللين السياسيين الألمان في مجلة «دير شبيغل» الألمانية حين يستنتجون أن (ترامب) سينقل العالم إلى نظام عالمي جديد يختلف عن النظام العالمي الذي وضعه أوباما وكانت هيلاري ستتابع عملها بموجبه.
فتحت عنوان: «دونالد ترامب والنظام العالمي الجديد» «دير شبيغيل 20/1/2017» يرى هؤلاء المحللون ومن أهمهم كريستيان إيش ومارتين هيس وبيتر مويلير أن «سياسة ترامب ستشكل نذيراً بنظام عالمي جديد في ظل غرب أضعف مما سبق، بينما ستشكل القومية الأميركية تهديداً على الاقتصاد الألماني والاتحاد الأوروبي» فقد كان ترامب واضحاً حين قال في مقابلة لمجلة (بيلد) الألمانية ومجلة «تايمز أوف لندن» «إن الاتحاد الأوروبي مجرد عربة لألمانيا وأنا أعتقد أن دولاً أخرى ستنفصل عنه» مثلما فعلت بريطانيا.
فالإدارات الأميركية حافظت طوال ستين سنة على تشجيع وحدة أوروبية بينما يستخف ترامب بالاتحاد الأوروبي ويتوقع انهياره بعد أن أصبحت ألمانيا ثاني أكبر قوة اقتصادية فيه وبعد أن خرجت منه أكبر قوة اقتصادية وهي بريطانيا ليلتقي شعار ترامب: «أميركا أولاً» مع شعار تيريزا ماي «بريطانيا أولاً» وتكون أول زعيمة في أوروبا تجتمع بترامب لترتيب وحدة هذا الشعار في المصالح الأميركية والبريطانية.
أما أوروبا فتجد نفسها كما ترى «ديرشبيغيل» أمام فترة تحول تاريخية لم تشهد مثيلاً لها منذ سقوط جدار برلين وانهيار كتلة الدول السوفييتية، وهذا ما تؤكده المؤرخة الأميركية «آن أبيلباوم» للمجلة قائلة إنها تتوقع تغيراً تاريخياً «فالنظام العالمي الذي عرفناه منذ نهاية الحرب الباردة بدأ يتغير بشكل حاد». ويقول المحللون في المجلة إن ترامب على خلاف أوباما لم يعد يضع على جدول عمله بوتين أو الرئيس الأسد وبهذا الموقف تخلى عن الوقوف ضد بوتين في الأزمة الأوكرانية وضد الرئيس الأسد في الأزمة السورية. وبالمقابل تضيف المجلة إن الفراغ الذي سيتولد عن تراجع وانسحاب السياسة الأميركية إلى «أميركا أولاً» لا ترحب به سوى روسيا والصين وهذا ما سوف يشق الطريق لعودة موسكو قطباً دولياً إلى جانب الصين بصفتها قطباً عالمياً جديداً في الساحة الدولية وهذا ما تريده بكين، وهذا ما جعل الرئيس الصيني يعلن أن «قواعد التعاون الدولي يجب أن تتغير» فبكين يعرف الجميع أنها ليست راضية عن هيمنة الغرب على المنظمات العالمية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك العالمي وهي ترغب في الحصول على مزيد من المسؤوليات في ساحة العالم، ولأن ألمانيا أدركت ما سوف يحمله ترامب ونظامه العالمي الجديد من أخطار فقد أرسلت أحد أقدم الدبلوماسيين الألمان إلى الاجتماع «بجاريد كوشنير» صهر ترامب وأحد مستشاريه السياسيين ومع ذلك انتهت هذه اللقاءات بعبارة قالها «كوشنير» هي: «ماذا يمكن لألمانيا أن تعمل من أجلنا» ثم أرسلت ميركل مستشارها للسياسة الخارجية «كريستوفر هويسيغين» للاجتماع بمستشار الأميركيين القومي الذي عينه ترامب «ميشيل فلين» ولم يحصل هويسيغين على أي «طمأنات» تستند إليها ميركل التي تنتظر الآن استلام ريكس تيليرسون لمنصبه في وزارة الخارجية الأميركية ومع ذلك ظهر لميركل أن سيدة أوروبية أخرى حصلت على كل ما تريد من ترامب وهي تيريزا ماي رئيسة حكومة بريطانيا المنفصلة عن الاتحاد الأوروبي والتي تضايقت منها ميركل إلى حد أنها رغبت في معاقبة بريطانيا على انسحابها الذي أضعف أوروبا وألمانيا وفرنسا بشكل خاص، فقد ظهر لفرنسا وألمانيا أن تيريزا ماي بدأت تقطف ثمار نظام ترامب العالمي الجديد قبل أي زعيم أوروبي فقد رأست اجتماعاً لزعماء قمة دول الخليج ووضعت لهم جدول عمل جديداً مع بريطانيا بموافقة أميركية، وكأنها ستتقاسم مع واشنطن مصالح كثيرة في الدول المتحالفة معها ودشنت شراكة رسمية مع الرئيس ترامب من دون أي اهتمام بحلفائها الأوروبيين وهي التي ستستفيد من أي خلاف أميركي- صيني متوقع في ساحة العالم الاقتصادية، فأوروبا وخصوصاً ألمانيا وفرنسا ستجد نفسها أمام ساحة عالمية محدودة الخيارات إن بقيت على حالها أو إذا ما انفصلت عنها دول أخرى فأميركا ترامب تستعد الآن لعقد اتفاقات تجارية من دون النظر إلى حليفها الأوروبي مادام الشعار هو «أميركا أولاً» وفي هذا العصر الاقتصادي وسوقه العالمي لن يكون بمقدور عدد من الدول الأوروبية تعويض الخسارة في مختلف المجالات ريثما تنتصب أعمدة النظام العالمي الجديد الذي ستحل قواعده محل الكثير من قواعد نظام أميركا العالمي السابق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن