ثقافة وفن

سيد شعراء العامية.. وشاعر الفقراء … رحيل سيد حجاب شاعر أغنية مسلسل «ليالي الحلمية» ومسلسل «المال والبنون»

| سوسن صيداوي

ليس بالأمر الهين الحصول على لقب، والأمر الأصعب أن يحافظ الملّقب سواء على لقبه أو على الثقة فيه، هذا إذا كان لقباً واحداً، فكيف إذا كان للشخص الواحد عدة ألقاب، كي نقترب أكثر من الموضوع. توفي سيد شعراء العامية أو شاعر الفقراء سيد حجاب يوم الأربعاء السابق، عن عمر ناهز 77 عاماً، بعد صراع لم يكن طويلاً مع مرض سرطان الرئة، حيث فوجئ كل أصدقائه بتدهور حالته الصحية، وتم نقله لمستشفى المعادي العسكري حيث وافته المنية سريعاً.

نبذة من سيرة
ولد حجاب في محافظة الدقهلية في 23 أيلول عام 1940، والتحق بكلية الهندسة، قسم العمارة، جامعة الإسكندرية عام 1956، وكان انتقل إلى جامعة القاهرة لدراسة هندسة المناجم عام 1958 لكنه لم يكمل دراسته بها لأنه انصرف إلى كتابة الشعر العامي المصري، خلال مسيرته كتب حجاب للأطفال في مجلتي«سمير» و«ميكي» في الفترة من عام 1964 إلى عام 1967، كما شارك في إصدار مجلة «غاليري 68» ونشر بها بعض أشعاره ودراساته. يعد حجاب من أبرز الشعراء المصريين في تقديم الأغنية، كما غنى له الكثير من المطربين المصريين منهم:عفاف راضي وعبد المنعم مدبولي وصفاء أبو السعود وكتب أغاني لفريق الأصدقاء في ألبومه، ثم أتبعه بألبومين هما «أطفال أطفال» و«سوسة». بعدها لحن له بليغ حمدي أغنيات لعلي الحجار وسميرة سعيد وعفاف راضي، وكتب لمحمد منير في بداياته أغنية «آه يا بلاد يا غريبة» في أول ألبوم له، ثم أربع أغنيات في ألبومه الثاني، كما كتب أشعار العديد من الفوازير لشريهان وغيرها، بجانب العديد من تترات المسلسلات منها:ليالي الحلمية، أرابيسك، المال والبنون… إلخ من الكثير من تترات المسلسلات التي بقيت عالقة في بال وقلوب المشاهدين العرب والمصريين. كما كتب العديد من فن «الأوبريت»، وشارك في كتابة ديباجة الدستور المصري عام 2014، وكان التحق حجاب منذ شبابه بأشبال الدعاة مع الإخوان المسلمين ثم انضم إلى حزب مصر الفتاة، واعتُقل خمسة أشهر في عهد جمال عبد الناصر، وهذا الأمر كان أكده الراحل خلال لقاءٍ له ببرنامج «مصر في ساعة»، الذي يُذاع على قناة «الغد العربي». حصل الشاعر على العديد من الجوائز كان أبرزها جائزة «كفافيس» الدولية في الشعر عام 2005 عن مجمل أعماله، كما كرّمه معرض تونس الدولي للكتاب في دورته السادسة والعشرين باعتباره أحد رموز الشعر الشعبي في العالم العربي.

بداية المشوار
نشأ حجاب في مدينة المطرية مدينة الصيادين ضمن عائلة متوسطة الحال، كان والده يعمل كموظف صغير في الحكومة، ولقبه بين أصحابه«الشاعر» لأنه كان حافظاً للشعر والمعلقات وديوان الحماسة باعتباره رجلاً أزهرياً، رغم أنه لم يتم تعليمه، لكنه كان على قدر عال من الثقافة كونه قارئاً جيداً لأمهات الكتب المتنوعة الثقافة والتي احتوتها مكتبته الخاصة، وبالطبع سار الابن على خطا الأب، فعلاقته بالشعر بدأت منذ كان تلميذاً في الابتدائية، لم يتجاوز 8 سنوات، عندما كان يلعب هو وإخوته مع أبيه لعبة «المطارحة الشعرية»، ولأنه أراد أن يجاري إخوته وأبيه كان يستعين بمحفوظات الأغاني وعندما لا تسعفه كان يرتجل بيوتاً من الشعر، بعدها استفاد كثيراً من الكتب التي في المنزل منها:خزانة الكتب للبغدادي، العقد الفريد لابن عبد ربه، الأغاني للأصفهاني، ديوان الحماسة للبحتري وديوان المتنبي، بعدها في المرحلة الثانوية قابل الأستاذ شحاتة سليم نصر الذي عرف باهتماماته الشعرية وتوجيهه له كان الانطلاقة لاكتشاف الذات والسير في طريق مقدر له في الشعر العامي.
بعد أن أنهى الدراسة الثانوية التحق بهندسة الإسكندرية قسم المناجم، الأمر الذي أخرجه إلى مكان أكثر انفتاحاً وهو الإسكندرية بكل ما يُقام فيها من ندوات ثقافية ومحاضرات ومسرح وسينما، الأمر الذي زاد من ثقافته وصقلها، وكان سبباً لرسوبه في الهندسة، بعدها انتقل إلى هندسة القاهرة مع بداية العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، عندها كتب مجموعة أشعار بعث بها إلى مجلة «الرسالة الجديدة».

شعر الفصحى
أول قصيدة بالفصحى كتبها الشاعر حجاب كانت عام 1951، عندما انفجر الكفاح المسلح ضد الإنجليز في قاعدة قناة السويس، حينما استشهد صبي من الفدائيين في نفس سن الشاعر الراحل والذي كان وقتها 11 عاماً، هذا الحدث أثر به كثيراً ودفعه للخروج في مظاهرات صامتة مردداً الهتافات التالية «الكفاح الكفاح السلاح السلاح»، لكن شحنة الغضب لم تخمد داخله وكانت الشرارة الأولى لأول قصيدة بالفصحى، بعدها تابع الشاعر مسيرة الفصحى في المجلات مثل «مجلة الرسالة الجديدة»، ثم في برنامج «كتابات جديدة»، بعدها في مجلة «الشهر» التي تقدم بها كشاعر فصحى من خلال قصيدة اسمها «ثلاث أمنيات إلى البعيد».

تتر المسلسلات وعمار الشريعي
لم يترك الشاعر حجاب الكثير من الدواوين المطبوعة، على العكس من عبد الرحمن الأبنودي وأحمد فؤاد نجم، ولكنه ترك لنا مشاعره وأحاسيسه التي رافقتنا على أغنيات وتترات لمسلسلات كانت بدايتها مع الفنان عادل إمام من خلال مسلسله «الفنان والهندسة»، ولكن تعتبر البداية الحقيقية للشاعر من خلال مسلسل«الأيام» لعميد الأدب طه حسين، والذي احتوى على عدد كبير من الأغاني سواء داخل المسلسل أو تترات النهاية والبداية. ثم أسس الشاعر حجاب والموسيقار عمار الشريعي مكاناً مميزاً في هذا المجال ومن الصعب أن تُنسى ملامحه، من خلال مسلسل «بابا عبده» بطولة الفنان عبد المنعم مدبولي والفنانة فردوس عبد الحميد، ومما أثرت فينا كسوريين بشكل خاص نذكر:ليالي الحلمية غناء محمد الحلو، أرابيسك غناء حسن فؤاد، المال والبنون غناء علي الحجار، الشهد والدموع علي الحجار، بوابة الحلواني ألحان بليغ حمدي وصوت علي الحجار.

شريهان من نوادر الزمن
اعتبر الشاعر حجاب أن شريهان أحد نوادر هذا الزمان، لأنها قادرة على الغناء والتمثيل والرقص في آن واحد، كما أنه لطالما يقول عنها «شريهان» الفنانة ذائبة مع شريهان الإنسانة فهي شديدة الاهتمام بعملها وشديدة التلمذة أمام المخرج والملحن، وهي دؤوبة وحريصة على العمل، عالم الاستعراض فقدها. وأقول لها ببساطة شديدة «وحشتينا».

الأطفال رهان للمستقبل
راهن حجاب على الحياة فكتب للدراما ولأنه راهن على المستقبل كتب للأطفال، وقال في هذا الخصوص «الشائع عن كتابة الأطفال أنها سهلة ولكنها أصعب بكثير، ﻷنها تقتضي معرفة دقيقة بمراحل العمر معرفة تربوية، وامتلاك كامل الأدوات الشعرية، ومطلوب فيها الاحتفاظ ببكارة المشاعر وبراءة الأحاسيس التي تمس الطفل». مؤكداً ضرورة التواصل مع الأطفال للمساهمة في بناء شخصيتهم الخلاقة بشكل حر دون قيود المجتمع العربي وكان مع الشريعي قدم أعمالاً مع الفنانة عفاف راضي والفنانة صفاء أبو السعود ونيللي.
مع صلاح جاهين

حلم اللقاء بالكبار هو شغف يتوق له كل مغمور في مجاله، فلطالما كان يحلم شاعرنا الراحل بمقابلة الشاعر والرسام صلاح جاهين، وشاء الزمن أن يحكم التوقيت في لقاء تمّ لتلحين أغنية «مصر على بمبة» للشاعر أحمد عبد المعطي حجازي، في ذلك الزمن لم يعر الشاعر أي اهتمام لدخول ضيوفه ولكنه أشار لهم بالجلوس وكان وجهه متجهماً ورغم أن حجاب قال له من الشعر عدة قصائد إلا أنه بقي متجهماً بلا أي انفعال، ولكن في المرة الثالثة الحال تبدّل وكان قال جاهين فيه «فإن كان هناك حبٌّ من أول نظره فقد أحببت هذا الشاعر من أول شطرة.. تذكروا جيداً هذا الاسم فسوف يكون له شأن كبير في حياتنا المقبلة». جاءت هذه الكلمات كي تلقي المسؤولية على مسيرة شاعر وبنفس الوقت حسمت أمره في مسيرته بين القصيدة الفصحى والعامية.

هاوي شعر ومحترف قراءة
بين جنبات الأدب العربي والغربي كان حجاب يجلس ساعات طويلة مستمتعاً بالقراءة، فهو يعتبر نفسه عاشقاً للأدب الأجنبي والغربي بشكل كبير فهو يقرأ منها مستمتعاً:لأشعار فيرغل والشاعرة سافو وهوميروس وصولاً لـبابلو نيرودا ولوركا، وفي الأدب الانجليزي قرأ لـشوسر وشكسبير وغيرهم وهذا أمر طبيعي لشاعر قال عن نفسه «عشت حياتي كلّها هاوياً للشعر محترفاً في القراءة.. تعودت دائماً ألا أترك ورقة إلا وقرأتها، ولا قصيدة إلا وحفظتها، وكل كتاب يقع تحت يدي فهو فريسة لا أترك فيه شيئاً إلا وحللته، ومن هنا كونت شخصيتي».

قصيدة وصديق
كتب الكثير من الدواوين والكتابات ولكن كل ما كتبه هو منه ويعود إليه، ليس غريباً عما يفكر ولا بعيداً عما يشعر أو يحس به، وهذا ما كان قد قاله «بنيت دواويني وكتاباتي كلّها تلمسني، ليس هناك قصيدة كتبتها رغبته في مال أو في شيء آخر، فكل كتاباتي بأحاسيسي وشعوري ومواقفي الشخصية». كما اعتبر أن الشاعر عبد الرحمن الأبنودي من أقرب الأصدقاء إليه، وأيضاً فؤاد نجم الذي كان له «صديق عمره»، كما أكد أن كل شعراء هذا الجيل وما بعد هذا الجيل هم أصدقاؤه لأنه يحترم أي شاعر فهم يخرجون من هذا العالم كي يكتبوا قصائدهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن