ثقافة وفن

كرّمَ في الداخل والخارج ولكن الاهتمام بما لديه دون التكريم … محمود حديد لـ«الوطن»: أنصفني وزير الثقافة وأنتظر إنصاف مقتنياتي

| عامر فؤاد عامر

يُعدّ شيخ كار السينما الأخير في سورية، وهو امتدادٌ للراحل نزيه شهبندر، فقد تلقى معلوماته منه وتدرب على يديه، ومنذ بداية حديثنا يقول: «أصل أي شيء في الحياة هو الحبّ فعندما يحبّ الإنسان مهنته سيبدع فيها». وقد قارب الثمانين عاماً وما يزال يعمل كعارضٍ سينمائي في سينما الدنيا، فيمضي وقته بين الأشرطة القديمة وآلات عرض الأفلام، والتحضير لحلقات برنامجه نادي الفونوغراف الذي ما زال يُبث على أثير إذاعة دمشق منذ 20 عاماً، وفي مكان إقامته يجمع لوحات الخط التي أبدعها، فهو خطاطٌ متمرس أيضاً. وفي هذا الحوار عدنا بالذكريات القديمة وللبدايات وللعلاقة مع نزيه شهبندر ولتفاصيل كثيرة كان أهمها رغبته في إقامة معرض (سينماتك) يجمع كل ما امتلكه من آلات سينمائية قديمة وغيرها من التسجيلات والمعدات النادرة، إلا أن مشكلة حصلت بينه وبين دار الأوبرا السورية، ومن خلال «الوطن» يروي تفاصيل المشكلة وأمله كبير في إنصاف وزارة الثقافة له.
ما الذي حصل بينك وبين إدارة دار الأوبرا، وما تفاصيل المشكلة؟
ورثت مهنة العارض السينمائي عن أستاذي المرحوم نزيه شهبندر، وكان يقول لي: «عليك أن تحتفظ بتاريخ بلدك، فكلّ ماكينة يجب أن تحافظ عليها، وأن تجمع المعلومات السينمائيّة من كلّ مكان وتخبئها». وفعلاً اتبعت ما نصحني وعلمني إياه، ولذلك كانت الحصيلة قطعاً نادرة وأجهزة مهمة وتسجيلات كثيرة بمنزلة أرشيف يعتمد عليه التلفزيون السوري فمؤخراً أخذوا مني أرشيفاً في فيلم بعنوان «المؤسس حافظ الأسد» وجهات كثيرة، كدار الأوبرا التي أخذت أرشيفاً خاصاً بفريد الأطرش وسامي الشوا وقت تكريمهما، وكنت احتفظ بكل ما جمعت في غرف استأجرتها على حسابي الخاص وأسكن فيها مع عائلتي، ريثما أنظم معرضاً لها برعاية وإشراف الدولة. ويتمّ استدعائي من أحد المسؤولين ليطرح عليّ فكرة تسليم الأجهزة بصورةٍ قانونيّةٍ لدار الأوبرا ففيها مستودعات تحفظ هذه الأجهزة والمعدات الثمينة، وبذلك ارتاح من تكاليف الأجرة التي تسبب لدي إرهاقاً متزايداً. وفعلاً قدّمت الأوراق الرسميّة في الشهر العاشر 2014، وكان تسليم كل شيء بمهمة رسميّة، وجاءت السيارات وأخذت الأجهزة من جديدة عرطوز ومن سينما الدنيا حيث أجمعها، ودخلوا إلى دار الأوبرا. تمرّ سنتان وأربعة أشهراً ولم يتم تنفيذ الوعد خلالها، وهو إقامة متحف للسينما يضمّ هذه الأجهزة وكل ما سلمته، ومؤخراً يقولون لي إنهم يجهلون ما لديهم في المستودعات، وكنت قد سلمتهم مجلدات، وأشرطة، وأفلاماً عن زيارة الرئيس حافظ الأسد إلى أوروبا، وأفلاماً قديمة عن السيد المسيح، وفونوغرافين، وفوانيس إضاءة وفحماً خاصاً للإضاءة مع مرايا عمرها 75 عاماً وهاردين يحوي كل منهما أكثر من مئتي ألف تسجيل. وأتمنى عبر صحيفة «الوطن» أن ألقى الإنصاف ممن يسمع، وأعتقد أن وزارة الثقافة ستنصفني، وبهمة الوزير محمد الأحمد، فهو أبو السينما، وهو من سعى لتكريمي، وهو من سلّط الضوء عليَّ منذ أن كان مديراً عاماً للمؤسسة العامة للسينما، وأرجو من خلال رعايته أن يتمّ تنظيم متحف سينمائي يليق بهذا البلد المعطاء. ولا بدّ أن التأخير في تشكيل هذا المعرض سيسبب خسارتين فأولاً أنا من يعرف معلومات كلّ قطعة في هذا المعرض ولا أحد غيري فما هو موجود في الصدور لا يمكن أن ينقل إلى السطور. وأنا من يعلم ماذا تحوي الأفلام والورقيات والتسجيلات. وثانياً إن مدّة مكوث هذه الأشياء في المستودعات قد يعرضها إلى التلف، وبالتالي ماذا سنكون قد جنينا؟! ومن خلال «الوطن» أرجو توجيه الشكر لوزير الثقافة، السيد محمد الأحمد، وأنا واثق أنه سيقوم بأسرع ما يمكن لإنهاء المسألة، وإنشاء متحف، وأنا مستعد لأي تحقيق حول هذه الأجهزة فبت مرتاباً أن تكون هذه الأجهزة قد تمّ التصرف بها بصورة غير قانونية، ولا سيما أن عدد التسجيلات يقارب لمليون تسجيل وربما أكثر. وأرجو الإسراع قبل فوات الأوان وإن لم يُنشأ هذا المتحف فأرجو أن تدفن أجهزتي معي فهكذا تعلمت من الأستاذ نزيه الشهبندر.

حدثنا عن علاقتك وذكرياتك مع الراحل السينمائي نزيه شهبندر؟
يعدونني شيخ كار السينما الأخير، فأنا امتداد لنزيه الشهبندر، وقد تلقيت معلوماتي وتدربت على يده، وعلى يد أحمد الخضري، والشركة الإيطاليّة ووكيلها أوهانيس توربيان، فأصل أي شيء في الحياة هو الحبّ وعندما يحب الإنسان مهنته لا بد أن يبدع فيها، ويبذل لها ويضحي في سبيلها. كان المرحوم نزيه الشهبندر يبحث عن عارض ذكي وعن شخص سريع التعلّم، ويحبّ المهنة معاً، ووقع الخيار عليّ، وهكذا كنت رفيقه في كثيرٍ من التفاصيل والأمور المهنية، وبالتالي وصلت إلى نتيجة أنه كان يوكل إليّ الكثير من المهام التي تخصّ المهنة ووصل إلى درجة أنه أطلق عليّ اسم محمود شهبندر حديد.
كانت السينما صامتة، وكانت الشركات تأتينا عبر لبنان لتؤجرنا الأفلام، وتأخذ أجرتها بالأيام والأمتار، فكانت تجارة رابحة لهم، فلا أجهزة صوت لدينا هنا في سورية، والأستاذ نزيه الشهبندر درس المسألة جيداً، وبدأ يصوّر وينتج أفلاماً، فاحتكاكه بمصر ولبنان وفرنسا منحه خبرة، وكان رجل لا يقبل أن يكون رقم 2 في الحياة، فيطلع على الصناعة الأوروبيّة ويطوّر فيها، ويظهر بالجديد دوماً، إلى أن استغنى عن خدمات الشركات الغربيّة ليكون لدينا صناعة محليّة فقد واكب تطوّرات كثيرة للسينما.
أنا أحد تلامذة هذا الإنسان، وقد علمني المهنة من عرض وتقنيات وصيانة، فأي غلطة تؤدي إلى كوارث، وهذا ما حصل من حرائق نتيجة الإهمال أكثر من مرّة في دمشق، ولذلك يجب على العارض السينمائي أن يكون متنبهاً دائماً فحساسية المادة التي تصنع منها مادة الأشرطة السينمائية تؤدي إلى مشكلة، كما حصل في حادثة حريق سينما جناق قلعة وحريق سينما التبن. وقد وجد الشهبندر فيّ الشخص المحبّ القادر على الاستيعاب، وعشت معه فترة زمنيّة، فكنت مقرباً منه للعمل والحياة، وأوكل لي أعمال التصليح في عدّة جهات منها الزبداني وبلودان، فقد كانت السينما منتشرة في الأرياف جميعها، وفي مضايا، وعين الفيجة، وداريا، ومناطق كثيرة.
كان يجتمع في زمان نزيه الشهبندر شيوخ الكار وهم الكبار في كلّ المهن، وكان يجمعني معهم لاكتساب الخبرة وفهم آلية العمل. وقد أحببته كثيراً إلى أن وصلت لأكون أنا شيخ الكار للسينما حالياً، فقد نقل لي الكثير مما وصل إليه، وصنعت الكثير من الأجهزة الصوتيّة للسينمات الموجودة لدينا، وأنا أول من صنع هذه الأجهزة محلياً. وقد وظفت فكرة أن يكون التسجيل في خط واحد لأسجله في عدة خطوط أو عدة تراكات.
قال نزيه شهبندر لي كلمتين أثروا فيّ كثيراً: «عليك أن تكمل مشواري في البحث عن تاريخ البلد، فبلدنا يمتلك تاريخاً عظيماً، فاجمع الورقيّات والماكينات والتسجيلات ولا تهملها، وأرجو إقامة متحف (سينماتيك) في سورية يجمع التسجيلات والمرئيّات». نزيه شهبندر كان بالنسبة لي الأب والعالم والمثقف والكبير، حاول أن يجتهد في تطوير آلية العرض الثلاثي الأبعاد لكن العمر لم يخدمه. اليوم أمتلك أكبر أرشيف سينمائي، وأتمنى أن أقدّم المعلومات لمن يريدها في دراساتٍ، وفي منهاج، وفي دورات.

تمّ تكريمك في فرنسا، حدثنا عن تفاصيل هذا التكريم وكيف حدث؟
بعد أن تمّ اختيار سورية لتمثيل السينما في العالم وكان هناك مجموعة من الاحتفاليات جاءني اتصال هاتفي من المركز الثقافي الفرنسي في دمشق لإصلاح أجهزة العرض السينمائي هناك التي حملت أعطالاً كبيرة اعتذر عنها المرحوم نزيه شهبندر نتيجة تعبه الصحي وعلمت فيما بعد أن خبراء من لبنان جاؤوا ولم يكتشفوا العطل فيها، وفعلاً ذهبت إلى هناك وأصلحت الأعطال وأنقذت الموقف فقد كان الوفد الفرنسي على أهبة الوصول وكانت كاترين دونوف على رأس الوفد وهناك اهتموا بي وجعلوني مشرفاً على الأجهزة مدة الاحتفال بالمجمل وكنت أحضر معهم المحاضرات لأكتشف أنني أعرف الكثير منها ومن الأسماء القديمة وأخبرتهم هناك بما أملك من أجهزة وأرشيف وتمّ تسليط الضوء علي من جديد من خلال إقامة معرض مرافق للفعاليات حينها، وبناءً على ذلك كتبت الصحافة السورية والفرنسية عن المعرض وعني شخصيّاً، وبعدها تمّ توجيه دعوة لي من خلال كاترين دونوف والمركز الثقافي الفرنسي لزيارة فرنسا والإقامة في المكتبة السينمائية الفرنسية مدة 28 يوماً وتكريمي هناك ومن المقالات التي أذكرها أنهم جمعوا صورتي مع الإخوة لوميير وشارلي شابلن وكتبوا عني الكثير حينها.

ما الاهتمام الذي لاقيته في الوسط السينمائي والإعلامي في سورية؟
كتبت الصحافة عني كثيراً، والناقد صلاح دهني استضافني وقدم حلقة بعنوان عالم السينما ومحمود حديد، وقد استضافني نذير عقيل في مقابلة كانت ناجحة جداً وإثرها تمّ استدعائي لتقديم برنامج نادي الفونوغراف وما زلت أقدمه منذ 20 عاماً مع المخرج حسن الحناوي، ثم قدّمت برنامجين، هما أضواء المدينة وذكريات السينما، في إذاعة صوت الشعب. أيضاً لن أنسى اهتمام الأستاذ محمد الأحمد بي، فقد تمّ تكريمي منه كمدير للمؤسسة العامة للسينما وكان وزير الثقافة السيد محمود السيد، وبعدها أصبح معرض السينما يرافق دورات مهرجان دمشق السينمائي دوماً، ومنه تعلمت الدول العربية إقامة معرض يرافق مهرجاناتهم على شاكلة معرضنا في دمشق، وكلّ ذلك بفضل السيد محمد الأحمد طبعاً. وفي إحدى الدورات عرض عليّ أحد سفراء دولة من دول الخليج أن يشتري مني الأجهزة بمبلغ مغر جداً فرفضت لأن هذه الأجهزة هي لتاريخ بلدنا الحبيب.

ما الرسالة التي تريد أن تكملها اليوم؟
أريد فقط أن يظهر متحف السينماتك للنور، وأن تنفذ وصيّة المرحوم نزيه شهبندر، وأقترح أن يكون هناك صورة لكلّ مبدع في سورية ونبذة عن حياته تعلق على جدران دار الأوبرا السورية من سينمائيين وخطاطين وكل المبدعين الذي نفخر بهم، وأقول أخيراً إذا عادت هذه الأجهزة هل ستعود كلها؟ وأتساءل إن عادة فأين سأحتفظ بها؟ فأنا لا مأوى لي ولعائلتي وإلى اليوم أسكن مستأجراً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن