الأولى

ابتسامات السيدة ماي

| تيري ميسان 

الأمور ليست بهذه البساطة، من المفترض أن يؤدي تغير الإدارة في واشنطن إلى استئصال جماعة الإخوان المسلمين، وكل المجموعات الجهادية التي أنشأتها الإدارة السابقة، ولم ينتظر الرئيس الأميركي الجديد أكثر من أسبوع حتى يُصدر مذكرة حول كيفية محاربة داعش فعلاً، لا قولاً.
مع ذلك، لا يبدو أن حلفاء الولايات المتحدة ينوون الاصطفاف بسهولة وراء هذا الانقلاب 180 درجة من سياسة استمرت على المنوال نفسه منذ العام 1951، وعرفوا جيداً كيف يجنون الأرباح من ورائها.
تدرس المملكة المتحدة الآن مختلف الخيارات المتاحة أمامها بعد «البريكزيت»: إما التقارب مع القوة الاقتصادية الصاعدة، الصين، أو إعادة تفعيل التحالف الأنغلوسكسوني، وتشكيل مركز قيادة عالمي من جديد مع الولايات المتحدة، ولكن هناك مشكلات دون ذلك، فلا يزال الصينيون يحتفظون بذكريات سيئة عن مرحلة الاستعمار البريطاني، ويؤكدون في هونغ كونغ عدم نيتهم الاستمرار، قبل الاتفاق على «دولة واحدة، ونظامين»، على حين تأمل الولايات المتحدة من ذلك توسعا تجاريا لإمبرياليتها العسكرية.
وجهت لندن دعوة رسمية لدونالد ترامب، ولأنه أجّلها في الوقت الحالي، مخرت رئيسة الوزراء تيريزا ماي عباب المحيط الأطلسي، وذهبت إليه بنفسها، وفي خطاب غريب من نوعه، ألقته أمام نواب جمهوريين في فيلاديلفيا، أعادت إلى الأذهان التاريخ المشترك للدولتين، والنفوذ الدولي لحلف الكومنولث، وخلصت إلى أنها على أتم استعداد لإعادة تشكيل الثنائي السابق نفسه، ريغان-تاتشر، الذي كان يقود الغرب في الثمانينيات، مع ترامب الآن.
لم تفارق الابتسامات وجهها طوال لقائها الرئيس الأميركي، ورحبت بإعلان مضيفها عن اتفاقية ثنائية للتبادل التجاري، وهي الأولى خلال ولايته، لكن الجانب الأميركي اشترط ألا تدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ، إلا بعد خروج المملكة المتحدة رسمياً من الاتحاد الأوروبي، أي ليس قبل سنة أو سنتين.
لم تكن السيدة ماي مقتنعة بالنتيجة، لهذا واصلت جولتها، ومضت إلى تركيا للقاء الرئيس رجب طيب أردوغان، وأعلنت من هناك عن تطوير التجارة الثنائية بين البلدين، وإن لم يكن ذلك الهدف الحقيقي من زيارتها.
كان الحوار الأهم بينهما يدور حول إيجاد السبل التي تمكن لندن وأنقرة من الاستفادة معا من الاتحاد الأوروبي، من خارجه، فطرحت فكرة، مكتب خارجي، لحل النزاع القبرصي بالحصول على حقوق اقتصادية خاصة لتركيا، ما يتيح لأنقرة الاستفادة من السوق الأوروبية المشتركة، من دون شرط الانضمام للاتحاد الأوروبي، كما يتيح للندن أيضاً استخدام هذا الامتياز لمواصلة التجارة مع الاتحاد الأوروبي، من وراء «البريكزيت».
فكرة تنم عن ذكاء بالتأكيد، لكنها لاتتنفس نيات طيبة، ولا توحي بالثقة التي تطالب بها السيدة ماي بروكسل، للتفاوض على خروج بلادها من الاتحاد.
كما أثار التقارب الروسي-التركي مشاعر القلق لدى السيدة ماي، على الرغم من العداء القديم بين الطرفين، لكنها بعد أن أدركت أن مفاوضات أستانا لم تكن تهدف إلى التوفيق بين وجهات نظر السوريين، بقدر ما كان همها تمكين تركيا من اتخاذ الخطوة الأولى نحو دمشق، سعت على الفور إلى تعكير أجواء ذلك التحالف الناشيء، فليست المشكلة أن يكون أردوغان الآن على استعداد لاحتضان الرئيس الأسد، وتقبيل وجنتيه بعد سنوات من محاربته، بل المشكلة في أن يتم ذلك بتوجيه من خصمها الكبير، روسيا.
أما فيما يتعلق بسورية، فبوسع لندن المساعدة على قتال الأكراد، في حال تنازلت لها أنقرة عن السيطرة على الجهاديين، وهذا مايتناقض كليا مع الاقتراح الذي عرضته على «الأميركيين».
في كل الأحوال، هذه عادة تاريخية لدى أتباع «البيون الغدار» أن يغيروا أحاديثهم تماشيا مع اختلاف محاوريهم، والنظر مع مرور الوقت، أيهما أصلح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن