ثقافة وفن

هي الحب والشجن

| إسماعيل مروة

لأم كلثوم ينحني النغم شرقياً أو غربياً
لها تتراقص الأشعار فصيحة وعامية
لبحة صوتها نغم الخلود وقد أرسلت أوتارها رسولاً لا يردّه عاشق نغم، ولا يبتعد عنه محب كلمة أو قصيدة، فالقصيدة تتقلب بين أصابعها، تستقر في خاطرها وذهنها، لتخرج وكأن مبدعها لا يعرفها، لم يلتق بها من قبل، حين دخلت في عباءة أم كلثوم صارت لها، وربما غريبة عنه يطاردها في قبة العلاء، ويباهي بأن يرتبط اسمه ذات لحظة من زمن بالصوت والنغم، الأصل والظل، الحقيقة والصدى، الواقع والمدى…
فما من عجب أن تكون أم كلثوم قبلة الكلمة المفعمة بالحب والحياة
الكلمة النابضة بالشعور
الكلمة الذائبة في شغاف قلب
الكلمة الثائرة المحفزة
الكلمة الصوفية التي غزلها بيرم التونسي
ليست صوتاً يردد كلاماً
إنها عالم من شعر وقصيدة، عالم من طقطوقة وتراتيل
لذلك انتشت بها القصيدة، وتلاعبت على شفتيها، وعندما نظرنا إلى الشفة اكتشفنا أنها تضع قلبها وروحها على لسان السحر الذي أبدع شوقي في وصفه عند أم كلثوم في قصيدة غنتها (حديثها السحر) سحر جاوز ما حفظنا وما ورثنا، سحر هو العذوبة المشتهاة، وهو الكلمة التي تبحث عنا بدل أن نبحث عنها، تبحث عنا لتعطينا المزيد من الألق والرفعة والسمو.
أم كلثوم صوت يلتصق به الوتر، وكل آلات الإيقاع ليست سوى صدى لتقلبات أوتار صوتها، صوت يعشقه الوتر، ويعشق ذبذبات الوتر التي تسمو به في أقاصي الأماكن البعيدة من خلود لا يدركه سوى الخلود.
أيقونة، بل مجمع أيقونات هي بصوتها
تتراقص الأوتار معها
والقانون يضبط أوتاره على نغماتها فيسعد الفارابي
والكمان يسند رأسه المرهق بالنغم إلى كتفها ليستمد منها
والقصبجي ينقر على عوده
يترنم، يخرج من روحه
يسكن روح الصوت
يسكن أم كلثوم
فيسمو نغم العود على الوجود
ليصبح نغماً أبدياً تردده حوريات الفتنة
وتحمله رسالة خلود أبدي لها
يخشى المرء أن يقول صوت
أم كلثوم ليست صوتاً
ليست أصواتاً
إن شئتها مزامير قداسة
إن شئتها دليل هداية
وإن شئتها فهي نشيد وطن ومقاومة وتحدٍ
خاطبت الألوهة فأبدعت
وانتصرت للوطن فانتصر
وشدت بالحرمان فصار عالماً من جمال
وتغنت بالحب فغدا عالماً من نور وألق وجمال
قالت هيام حموي: لا أتخيل نفسي بعيدة عن الإذاعة
أنا بحب الست، وأتمنى أن أبقى مع المايكرفون
سحبتني لتسمعني نوادر لأم كلثوم تعدّها
اللحن صوتها
والكلمة شجنها
ويذهب كل شيء لتبقى أم كلثوم
يترنح المستمع مع دمعات في الفؤاد والعين
ويؤمن بأنها الخلود المتكامل
صوتاً وصورة ولحناً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن