قضايا وآراء

الفجوة تتعمق بين «ترامب» وأوروبا؟

| صياح عزام 

عمّق الرئيس الأميركي «دونالد ترامب» الفجوة بين إدارته وأوروبا، حين جدد ازدراء حلف شمال الأطلسي «الناتو»، وهاجم ألمانيا والسياسات الأوروبية حول قضايا الهجرة والتعاون الدولي والمناخ، ورحب بالانسحاب البريطاني «العظيم» (حسب وصفه له) من الاتحاد الأوروبي، وأطلق مواقف أضافت الكثير من الغموض على سياساته التي أعلنها طوال حملته الانتخابية.
هذه المواقف صرّح بها ترامب إلى صحيفتي «بيليد» الألمانية و«تايمز» البريطانية، وجاءت قبل أربعة أيام من تسلمه رسمياً رئاسة الولايات المتحدة خلفاً لـ«باراك أوباما».
بالطبع، كانت تصريحاته هذه مفاجئة مثلما كان فوزه مفاجئاً قَلَبَ كل التوقعات، إذ كان من المفترض أن تكون تصريحاته باعثة للاطمئنان لمن يشككون في التوجهات الأميركية المستقبلية في ظل الإدارة الجمهورية الجديدة، كما كان عليه أن يمارس التحفظ على الأقل في الملفات الحيوية بالنسبة إلى واشنطن باعتباره الرئيس لأربع سنوات، ولكنه لم يفعل ذلك، وتعّمد «الإساءة» إلى الأوروبيين، ما دفع وزير الخارجية السابق «جون كيري» إلى انتقاد الرئيس «ترامب» بأشد العبارات، معتبراً تصريحاته «غير لائقة»، وهي صورة غير مسبوقة للعلاقة بين إدارتين أميركيتين، واحدة تذهب والأخرى تتسلم الحكم، وبهذا يمكن القول إن الاجواء الأميركية الأوروبية باتت متوترة جداً، وسيكون البيت الأبيض على موعد مع أيام قادمة لا كغيرها، ظهرت مقدماتها في الخطاب الوداعي «لأوباما» في شيكاغو والذي أظهر فيه الكثير من مشاعر الخوف والإحباط، التي يتقاسمها مع قادة أوروبا، في خطاب التنصيب الذي ألقاه الرئيس الجديد «ترامب» يوم 20/1/2017.
المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من بين الزعماء المُحبطين، وقد أجلت الرد إلى ما بعد تنصيبه، بينما سارع الرئيس الفرنسي «هولاند» إلى الرد، مهاجماً ترامب ومُعلناً أن الاتحاد الأوروبي لا يحتاج إلى نصائح خارجية، وسيتحرك عند الضرورة وفق ما تمليه عليه مصالحه وقيمه، وهو ردّ شاذ عن القاعدة التي حكمت العلاقات الأوروبية الأميركية منذ الحرب العالمية الثانية على الأقل.
هذا، ولم تتوقف ردود الفعل، حيث بدأت وسائل الإعلام الأوروبية في الشحذ التدريجي للرأي العام المذعور للتعايش مع سياسة أميركية مختلفة حسب ادعاءات زعماء أوروبا. إن من شأن هذه البلبلة الشديدة أن ترسخ سياسات الانعزال المُتبادلة، ليعود العالم كله إلى عهود الانقسامات القومية والمذهبية والسياسية، وستكون التيارات اليمينية هي الرابحة بالدرجة الأولى وخاصة في أوروبا، وكأن «ترامب» بهجومه على أوروبا عشية تنصيبه، يحرض اليمين المتطرف في ألمانيا وفرنسا على استمالة المنزعجين والمتخوفين من انهيار التعاون بين ضفتي الأطلسي، وهم يرون ما يسمونه «التهديد الروسي» يتعاظم على حدودهم الشرقية حسب زعمهم.
وسط كل هذه المؤشرات يجد الأوروبيون أنفسهم على شفا وضع مختلف تعبر عنه الدعوات المتكررة من مسؤولين ألمان وفرنسيين إلى ضرورة الوحدة والتكتل، وكأن الأمر أصبح رجاء أو أمنية من الأمنيات، ومن غير المؤكد أن يتحقق شيء من ذلك في ضوء الأزمات في أوروبا، فهذه القارة أصبحت العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة في أسوأ حالاتها، ولكن على الأغلب- كما يقدر محللون سياسيون- أن مصالح الطرفين المتراكمة ستتغلب في نهاية المطاف على هذا الجفاء المؤقت، إذ إن «ترامب» بعد تسلمه مهامه رسمياً، قد يتراجع عن بعض طروحاته تجاه أوروبا.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن