قضايا وآراء

قراءة في رسائل ترامب الداخلية والخارجية

| د. قحطان السيوفي 

الرئيس الأميركي دونالد ترامب تحدّى مراكز القوة الحزبية والحاكمة، والتقاليد المعتادة، والنخبة السياسية، ومراكز الفكر والاستخبارات والإعلام الأميركي… ويبدو أنه بدأ بتوقيع أوامر تنفيذية لوعوده الانتخابية، تشير إلى عزلة الولايات المتحدة وانحسار هيمنتها عالمياً.. زاعماً أنه سيجعل أميركا متفوقة تستعيد عظمتها وفي الأمر الكثير من الريبة والارتباك مع رئيس تنقصه الخبرات، ويحكمه الغرور والتعصب القومي، والعنصرية، والتحيز للكيان الصهيوني… وليس لديه (فهم يذكر للتاريخ وللحقائق الإستراتيجية) كما جاء في الفاينانشال تايمز.
يمكن اختزال شعارات ترامب الانتخابية ورسائله، من حيث المبدأ، في الداخل ، وفي علاقة الولايات المتحدة مع كل من روسيا، والصين، وأوروبا وحلف الناتو، والشرق الأوسط، والإرهاب.
المشهد العالمي يشير إلى تموضع فاعل للقطبية الثانية روسيا والصين، والى أوروبا ضعيفة ومبعثرة، وإيران مستعدة لحماية نفسها من طاقم الإدارة الجديدة…. مع أمين عام جديد للأمم المتحدة وسط ضبابية وحضور ضعيف لمجلس الأمن… روسيا القوية تمسك بملف سورية بجنيف وآستانة… ودول الخليج العربية الداعم بعضها للإرهاب تقف منتظرة، واشنطن منهمكة في الترقب للتعرّف على برامج الرئيس الجديد وطاقمه… وسط عدم يقين حول سياسة أميركا الداخلية.
ترامب دخل البيت الأبيض غاضباً من الإعلام، غير مطمئن لأجهزة الاستخبارات الأميركية… تيليرسون، مرشح ترامب لوزارة الخارجية قال أمام مجلس الشيوخ إن في مقدمة الأولويات الرغبة في إيجاد نوع من الشراكة مع روسيا لمحاربة داعش وأخواتها… محملاً إدارة أوباما مسؤولية دعم الإرهاب وظهور داعش.
ويلاحظ أن إحدى نقاط الاختلاف بين بوتين وأوباما ستكون موضع التوافق الجديد بين بوتين وترامب ألا وهي معارضة صعود المتطرفين إلى السلطة في الشرق الأوسط بمن فيهم الإخوان المسلمون..
والمكالمة الهاتفية بين بوتن وترامب في 28/1/2017 أكدت إرادة مشتركة لمحاربة داعش… من المتوقع ألا تتوقف العلاقات الأميركية – الروسية عند اللقاء على مكافحة الإرهاب، إذ إن مقاييس المصالح الأميركية ستختلف في إدارة ترامب عن إدارة أوباما، وأبرزها ما وصفه تيليرسون بإحياء الوزن الأميركي عالمياً على ضوء صعود موسكو وتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط..
إن معالجة أزمة الثقة الأميركية – الروسية القديمة العهد، والتنافس على المصالح الكبرى… أمور تستغرق وقتاً بالنسبة للعلاقة مع الصين ؛ احتلت صدارة وعد أطلقه ترامب مفاده أنه سوف يقوم برفع معدل الرسوم الجمركية على البضائع الصينية المصدرة إلى الولايات المتحدة، علماً أن صادرات الصين إليها تبلغ ما يقارب خمسمئة بليون دولار سنوياً. بالمقابل كسر ترامب «مُحرماً» صينياً، وذلك عندما قبل تهنئة رئيسة تايوان عبر الهاتف، ما أثار حفيظة الصين في الوقت الذي تلوح فيه احتمالات صدام عسكري مسلح بين العملاقين في بحر الصين الجنوبي.
بالنسبة لحلف الناتو، ترامب يعتبر أنه أخفق في مواجهة الإرهاب، وصولاً إلى اعتباره حلفاً قد عفا عليه الزمن.
إيران القوية تدرك أن الضغوط عليها آتية عبر إدارة ترامب، وقد تكون راضية بفتح الحوار بشروطها، أولوية مكافحة الإرهاب ستنعكس على العلاقات مع مصر التي تعاني من الاخوان، وستؤثر على العلاقة مع تركيا في حال بقي اردوغان راعياً لمشروعه العالمي الإخواني.
وقد توجَه رسالة مماثلة لبعض دول الخليج الداعمة والممولة للإرهاب… الدبلوماسية الخليجية تبدو غائبة ومحاصرة بالحضور الإقليمي الإيراني والروسي القوي في سورية. دول الخليج الخائفة في انتظار الغامض الآتي على يدي ترامب..، وهم يعيشون فترة تقطيع الوقت والانتظار… ويراهنون تكتيكيا، مع شركائهم الأوروبيين، على إخفاق مؤتمر آستانة في زمن نجاح التحالف الروسي الإيراني السوري.
أما بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الصهيوني، فقد احتفل بفوز ترامب من خلال الاستيلاء على المزيد من الأراضي الفلسطينية…
اذا ما استطاع الرئيس ترامب، تحويل شعاراته الانتخابية، المتصلة بالسياسة الخارجية، إلى «حقائق» ملموسة، فهذا يعني أن العالم سوف يشهد تحولاً في بنية القوة الأميركية وفي النظام العالمي، أو التوجه لتمزيق الولايات المتحدة والنظام العالمي… وإلى فوضى وحروب وضياع.
وعود ترامب الانتخابية ضبابية، متناقضة، عنصرية قائمة على (الاستثنائية والتفوق العرقي). والترمبية نزعة تجريبية تهتم بالمال والتجارة والربح أولاً. ترامب القادم من عالم الأعمال يرى العالم كعكة تتقاسمها الدول التي هي، في رأيه، شركات تعمل بدافع الربح. لا شك أن صناع السياسة في العالم يتداولون بكيفية التعامل مع رئيس لأكبر دولة في العالم، ينشغل بالداخل الأميركي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن