ثقافة وفن

التجريد صفة أساسية في لوحة الحفر واللون مساحة للاختيار … علي الخالد لـ«الوطن»: الآلات الحديثة تحل مكان إبداع الفنان

| عامر فؤاد عامر

يمتلك لغة خاصّة قادرة على لفت الانتباه في كلّ وقت، ومن يراقب مسيرته الفنيّة والعلمية يلاحظ الكثير من الجهد والاجتهاد ولغة العطاء والتعب، ومن بين لوحاته نرى اللونيّة الخاصّة واختصار الزمن وحكاية أماكن لها صداها في نفسيّة المراقب للعمل الفنيّ، وفي دقة وضعه للوحاته نقف متأملين ابن تدمر التي كانت وما زالت أيقونة فريدة في تاريخ البشرية، فمنها جاء إلينا ومنها يمكن اقتباس الشيء الكثير من طريقة وخط الفنان التشكيلي الدكتور علي الخالد، القادر على مواكبة تطور فنّ الحفر والمواءمة بين لوني الماضي والحاضر معاً في تقديم لوحة مستقبليّة فيها من صفات النضوج والوعي والاختلاف والتفرّد.

حكاية
يبقى للفنان التشكيلي بصمته الخاصّة وحكاية تجربته المتفرّدة مع الاكتساب والعطاء، وللفنان التشكيلي الدكتور علي الخالد خطواته التي تميّز وتفرّد فيها ضمن خطّه الذي اختاره في فنّ الحفر منذ دراسته لهذا الاختصاص في كليّة الفنون الجميلة في دمشق، وعن هذه التجربة يقول:
«تعد سورية إحدى الدّول التي ما زالت تدرّس مادّة الحفر على الحجر، فهي الدّولة السادسة في هذا التصنيف عالميّاً، أو ما يسمّى الرسم والطباعة الحجريّة، أو ما تعارف عليه بمصطلح الليتوغرافيا، وهي إحدى طرق الطباعة القديمة جداً في تاريخ الفن التشكيلي عالميّاً، وأنا بالأساس أدرّس هذه المادّة في كليّة الفنون الجميلة في دمشق منذ العام 1972 وقد سافرت إلى باريس، وأقمت فيها مدّة 5 سنوات، لاكتساب الخبرة والثقافة الفنيّة من الوسط الفني هناك، وما زلت إلى اليوم أتعلّم وأمكن تجربتي في هذا النوع من الطباعة، وقد أنجزت إلى اليوم أكثر من 85 عملاً ملوناً».

تطوّر
يعلم الجميع أن فنّ الحفر هو من الفنون الصعبة بسبب آلية التعامل معها ونوعيّة الأدوات والمواد والأحبار التي يختّص بها، لكن في سياق التطور التقاني والمعلوماتي، بدأ الكثير من المعالم الأساسية للوحة الحفر بالتغيير وعن هذا التطور وحكاية الانتقال يقول ضيفنا:
«في معرضي الأخير (الخرز الناعم) وضعت 4 أعمال من نوع الطباعة الحجريّة فقط، كعيّنة ليشاهدها المتلقي. لكن العالم اليوم يتطوّر ويتبدّل، وهناك الكثير من الأشياء التي طرأت على هذا الفنّ بالتحديد، والعصر يفرز لنا آلات عظيمة، فالقرن السادس عشر أفرز لنا الكاميرا التي تنسخ الصورة بوجهٍ أدق بكثير مما يقوم به الفنان، وكذلك بشكلٍ أسرع بكثير، واليوم أفرز لنا آلات حديثة في نظام الكومبيوتر وآلات النسخ والتصوير والطابعات الحديثة، فلا يمكن لنا أن ندير لها ظهرنا ونحجم عن استخدامها، بل يجب التعامل معها، وهذا ما شاهدته في أوروبا، فقد استخدموا هذه التطوّرات التقنيّة وأدخلوها في الأعمال الغرافيكيّة الحديثة، وفي أعمال الحفر والطباعة، وأصبحت تنوب عن الإنسان في إبداعه، مع ملاحظة أن الأعمال اليدويّة التي يقوم بها الفنان بشكل مباشر لها صفة العلاقة الذاتيّة والعلاقة الحميميّة مع روح الفنان، الذي يتعامل معها، ولكن في الحقيقة هذا العصر لا يمكن فيه استثناء هذه الآلات واستخداماتها المعروفة، بل لا بدّ من الاتجاه نحو إنتاجات جديدة في هذه المجالات».

أكثر من مئة وتسع لوحات
لدى سؤالنا له عن تجربته في التعامل مع التقنيّة الحديثة والتطورات التي طرأت على آلية التعامل مع فنّ الحفر وما أنتجه يقول:
«أنتجت من خلال هذه الطريقة الحديثة؛ ما لا يقل عن مئة وتسعة أعمال، ابتداءً من العام ألفين وأحد عشر إلى اليوم، فأنا أسلط الضوء على أجزاء صغيرة من الطبيعة، لا تكاد تتجاوز سنتميترين أو أقل من هذا القياس، ثمّ آخذ مرتسماً لها بالكاميرا الحديثة، وبعدها يتمّ وضعها في الحاسوب لتتمّ معالجتها تقنيّاً، من خلال برنامج معالجة الصور (PhotoShop). والنتف الصغيرة التي نختارها يشكّل كلّ منها لوحة، نعالجها لمدّة ساعة أو ساعتين، إلى أن تنضج وتخرج بالشكل الأخير والنهائي للمتلقي».

المعاناة
تحتاج هذه التقنية لصورة متجددة من التعب والبذل، فهي على الرغم من سهولة التعامل معها تقنيّاً إلا أنها تبقى بحاجة إلى الدقة والتمهل وإضافة شيء من روح وبصمة الفنان الذي يصنع ويرسم لوحته، وهذا ما شرحه الدكتور الخالد:
«بالنسبة لعملي في هذه الآليّة؛ أعمد إلى أخذ قطع صغيرة، لا تكاد تتجاوز مساحة ظفر الإصبع الواحد، وأصوّرها، ثم أُدخلها للحاسوب، وتبدأ عملية المعالجة إلى أن تنضج، فأنسخ أجزاء منها، وأضيف أجزاء أخرى عليها، وهكذا إلى أن تنتهي هذه العمليّة، وبعدها أكون قد منحتها القياس الذي أرغبه، وبإرادتي، وبحسب ما يلزم الصورة طبعاً».

طرق خاصة
تطرقنا في الحديث أيضاً إلى مستوى فن الحفر وتطوره في سورية وذلك من خلال التجربة الطويلة التي عاشها الفنان التشكيلي علي الخالد، وعن ذلك تحدّث:
«يعدّ فن الحفر أصلاً من الفنون الأوروبيّة وهو ليس عربيّاً أو سورياً، وبالنسبة لنا كنا لا نجد له الأدوات المناسبة في عملية التنفيذ، فلم يكن لدينا مناقيش، ولا إبر، أو مقاشط، أو ممالس، ولا يوجد حبر طباعة ولا الورق الخاصّ، أو غيرها من الأدوات، ولكن نحن نستنهض هذه الدراسة وهذا الاختصاص بطرقنا الخاصّة وجهودنا الذاتيّة، بحيث إننا نصنع الكثير من المواد والأدوات بأيدينا، ثمّ نعلم الطلاب هذه الآليّة، وهذا ما أقوم به مع الطلاب حقيقةً، بعد أن تلقيت تعليمي طبعاً من الدكتور غياث الأخرس، وقد استمررنا على هذه الطريقة والمنهج منذ العام 1972 وبعدها سافرت إلى باريس ودرست الاختصاص بصورة جيدة ثم عدّت إلى سورية لأحضر من جديد لبحثٍ علمي في إسبانيا في مدينة برشلونة، التي قدّمت فيها دروساً عن فنّ الحفر والطباعة الحجريّة، كما تعلمت هناك في إسبانيا عمليّة الطباعة الحجريّة باستخدام الصفائح المعدنية المطليّة بمادّة السيراميك الحراري، التي تنوب عن صفيحة الحجر ذي الوزن الكبير، فالحجر المستخدم في الطباعة يصل وزنه إلى 75 كيلوغراماً في حين صفيحة المعدن المطليّة بالسيراميك الحراري لا يكاد يصل وزنها إلى مئة غرام».

الخرز الناعم
قدّم الفنان التشكيلي الدكتور علي الخالد معرضه الأخير في دمشق، وقد حمل اسم الخرز الناعم، وتعليقاً على المعرض من التسمية إلى اللوحات، والذي أقيم في صالة الرواق العربي «لؤي كيالي»، كان هذا الحديث:
«الخرز الناعم قصدت فيه حبات النمنم، التي تعمل بها فتياتنا وبناتنا في الأعمال اليديويّة والبيتيّة المعروفة، والصور في المعرض هي نتف صغيرة من هذه الأعمال، فأخذتها من خلال صور لا تتجاوز مساحة كلّ صورة منها سنتيمتراً مربعاً، فأنا بهذا المعرض سلّطت عليها الضوء، وصنعت منها لوحات كبيرة، ومنحتها شكلاً متجدداً من الحياة، ولذلك منحت المعرض اسمه (الخرز الناعم) وجاء عدد اللوحات بـ65 عملاً فنيّاً في هذا الموضوع، ولكن لدى عرض اللوحات وبالنظر لسعة الصالة الفنيّة، صالة لؤي كيالي، في الرواق العربي في دمشق، حيث أقيم المعرض، استطعنا فقط أن نعرض ثلاثين عملاً منها فقط، وفي المستقبل سنعرض البقية منها».
لونيّة خاصّة

تميّزت لوحات المعرض بلونيّتها الخاصّة، النابعة من أساس الموضوع المختار وهي حبات النمنم اللامعة، وعن اللون واستخداماته في فنّ الحفر كان سؤالنا الذي أجاب عنه ضيفنا بما يلي:
«هذه الألوان عالجتها من خلال الحاسوب ومنها ما يبقى على حالته اللونيّة الأصليّة فكلّ ذلك يبقى على حسب ذوق الفنان، فأحياناً تكون نابعة من ذاته ومن خياراته الشخصيّة، وأحياناً تكون من ألوان الطبيعة الأصليّة، فتبقى كما هي من دون تدخل منه. وفي الخرز الناعم لكلّ لوحة طبيعتها الخاصّة وأبعادها اللونيّة التي ترتبط بها، بحسب مساحتها والأشكال التي تضمّها، وإن كانت اللوحات بصورة عامة خالية من المضمون، فهي فنّ تجريب بحت كما هو معروف عن طبيعة هذا الفنّ الخاصّة. فينشأ من ذات الفنان إلى ذات الناظر فلا يمكن للكثير من المشاهدين أن يروا عملاً فنيّاً في نظرة واحدة بل تتغير النظرة في كلّ مرّة وتتجدد».

علي الخالد في سطور
ولد الفنان التشكيلي علي الخالد في مدينة تدمر السوريّة في العام 1944
درس في كليّة الفنون الجميلة في جامعة دمشق قسم الحفر وتخرج بدرجة امتياز شرف في العام 1970
تخرج من مرحلة الدراسات الإضافية في المدرسة الوطنيّة العليا في باريس في العام 1980
تابع البحوث والدراسات الفنيّة في مدينة برشلونة الإسبانية في العام 1996
عمل أستاذاً للحفر والطباعة على الحجر – ليتيو غرافير في كليّة الفنون الجميلة في دمشق من العام 1972
استلم رئاسة قسم الحفر في كليّة الفنون الجميلة في دمشق لمدّة عامين
أعطى دروسه في الطباعة الحجريّة في كليّة الفنون الجميلة في برشلونة في العام 1997
انتخب ممثلاً عن الفنانين التشكيليين في نقابة الفنون الجميلة كعضو في مجلس الإدارة في العام 2000 في المكتب التنفيذي
عمل رئيساً في مكتب العلاقات الخارجيّة في المكتب التنفيذي لنقابة الفنون
أعماله موزّعة في متحف دمشق، ومتحف الفنّ الغرافيكي في القاهرة، وفي بيروت والنمسا وفرنسا وكوبا
أقام العديد من المعارض الخاصة بدأت منذ العام 1964 في تدمر وحمص ودمشق والرقة وحماة والسويداء، ولديه معارض دولية في باريس والنمسا وبرشلونة والأرجنتين وبلغاريا وبنغلادش وفي المعرض العربي الإسباني – العربي في برشلونة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن