ثقافة وفن

في هذه المدينة أضاعني!!

| إسماعيل مروة 

في هذه المدينة أضاعني أبي
بحثت عنه طويلاً على الأرصفة، لم أعثر على أثره
سألت حنايا الطريق، فتاه رسولي بحثاً عن خلود مزعوم
سألت الغريب… كان على أدهمه، فلم يكترث لشآمي.. إنه غريب
سألت الصديق… فغر فاه… أهرق دمعتين
حين انكشف أعلى الكتف
فاحت رائحة الأرض.. في الشام رائحة الشاب الظريف
رائحة أبي… لم يكن له اسم سوى اسم الزقاق
من بخار الأرغفة… تصاعدت العمارة العالية
في هذه المدينة أضاعني أبي.. في الشام
تمليت كل الوجوه
بحثت عنه كثيراً
كان على جانب نازفاً
الدم يشخب من فمه
وفاته في جحوظ عينيه
أنكرته
سقطت حمالة الصدر
كان أبي
أنكرته
وكان الدليل دافعاً
في هذه المدينة أضاعني أبي
ترك في أذني وصايا لقمان الحكيم
لا تصعِّر خدك للناس
لا تمش في الأرض مرحاً
تلّني أبي للجبين
حين همّ بذبحي
خافت خراف الأرض
كان قد أضاعني
لكن الخراف عرفتني
تلني للجبين
خرجت سالماً مذبوحاً
على حافة السكين
سكنت ما بين الصدر والرقبة
لكن أبي أضاعني في هذه المدينة
في السراديب الضيقة
نسيت وصاياه
وغابت عني السماء
أضاعني أبي
أشاح عني الإله
لم يرد أن يغمرني بدفئه
انحاز للغرباء الذين يسكنون التلال
أعطاهم عمري
ذبحوا الرسل الذين كنتُهم
وكلما ذُبحت أنهضني قاسيون
هناك وضع لي قبة
حدثني بفصاحة
لشام ما تبقى وما تبقى كثير
حين يصبح بردى هواك
حين تقصّ الأجنحة فيها
حين لا تبغي عنها تحولاً
أمنحك نقاءً
أعطيك خلوداً يشبهها
أبوك تلّك للجبين
وأنا حفظتك لليقين
انهض وابحث عنه
عن دمه بين أقدام الغرباء
في هذه المدينة فقدني أبي
كان أعلى كتفها مكشوفاً
وددت أن ينهمر الغطاء
لعلي أنزوي عند ركن فيها
في هذه المدينة أضاعني أبي
وأنا ألوب بحثاً
عن أبوة وحنان
يا أعلى الكتف انهمر على عمري
حمالة العري في عمري تدلت
انهمر عند الحواف
على المدينة
على الأرق
على ما تبقى من شفق
في هذه المدينة تاه عني أبي
فك يدي وانطلق إلى الخاتمة
لم تقبل المدينة أن تسترخي
أعلى الكتف مكشوف
وأنا مترع بما تبقى من عطر
من عبق
في هذه المدينة لم يمسك بيدي أبي
تهت فيها
لذت بها
وعندما كان أعلى الكتف مكشوفاً
كنت أحتسي ما تبقى في الكأس
أريد النجاة
طريقي يغمرني بالماء
حد الغرق
تلاشت المدينة
واستتر أعلى الكتف
وأنا يغمرني شلال حزن
ومزيد من قلق
وبقيت الشام علامة الأبد

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن