قضايا وآراء

ملامح مختلفة للأزمة

| مازن بلال 

استطاع لقاء استنة تشكيل مشهد مختلف للصراع في سورية؛ فإضافة للترتيب الإقليمي لاستيعاب نتائج الأزمة وتخفيف حدة العنف، فإن الاهتمام الأساسي أصبح منصبا على إنهاء الفصائل المسلحة في إدلب والرقة، وظهر نقاش واسع حول الترتيبات السياسية بما فيها الدستور الذي أثار جدلاً واسعا، وهذه الصورة تبدو غير مسبوقة منذ بداية الاضطراب في عام 2011، لأنها تنقل الاشتباك إلى مجال مختلف رغم استمرار المعارك في الكثير من المناطق.
عمليا يمكن تحديد الاختلافات الحالية في الانتقال إلى التفكير بآليات إعادة التجميع؛ سواء باتجاه العمل السياسي أو حتى العسكري، وبغض النظر عن «الهشاشة» التي تتصف بها الهدنة، لكنها تتجه نحو تثبيت وقائع أساسية في وضع إطار للعملية التفاوضية مستقبلا، وينقل الجهد الدبلوماسي للأطراف الضامنة محاولة لانهاء التشتت الذي ضرب كل جولات التفاوض الماضية، وإذا كانت المؤشرات تقدم تفاؤلا واضحاً عند البعض لكن التركيز ينصب اليوم في اتجاهين:
– الأول هو قدرة الأطراف الضامنة على تجاوز إشكالية أساسية ترتبط بمشروعية التمثيل السوري، المعارض والرسمي، فهناك «تصفية» إن صح التعبير للتكتلات الكبرى التي تطورت خلال الصراع، في المقابل لا يبدو أن الآلية السياسية للدول الضامنة (روسيا، تركيا، إيران) تسعى لإنشاء تحالفات مماثلة لتلك التي شهدناها منذ نهاية عام 2012.
يمكن فهم اجتماعات موسكو لأطراف المعارضة ضمن هذا السياق، وخلال الأيام القادمة هناك اجتماع في أنقرة للدول الضامنة من أجل متابعة هذا الأمر، وإذا كانت بعض أقطاب «الهيئة العليا للتفاوض» امتنعت عن حضور اجتماع موسكو، فإن وجود حسن عبد العظيم كان كافيا لروسيا كي تكسر قاعدة التمثيل للمعارضة، فـ«عبد العظيم» هو عضو في وفد «الهيئة العليا»، وهو تنقل أيضاً داخل منصات أخرى، ولا تبدي دول أوروبا أو الولايات المتحدة اعتراضات واضحة عليه.
– الاتجاه الثاني يتعلق بالأكراد حيث يشكلون عقدة تلتقي فيها التناقضات، فالمواقف التي تحكم العمل معهم لم تتخذ اتجاها واضحا، ومن الصعب وضع سيناريو نهائي لموقعهم من عملية التفاوض، ورغم كل العقبات فإن الأكراد لا يشكلون حتى هذه اللحظة نقطة اشتباك.
الموقف الأميركي من الأكراد يحتاج لمرحلة سياسية ربما تطول، فإدارة الرئيس ترامب مشغولة بملفات داخلية معقدة، وخلال الأشهر القادمة سينتقل البيت الأبيض باتجاه تحديد عمله مع ملفات الشرق الأوسط، ولكن هذا الأمر لايعني أن هناك سيناريوهاً جديداً ومنجزاً، فالولايات المتحدة تنتظر النتائج العملية للأستانا وما تضعه على الأرض من موازين عسكرية أو سياسية، في وقت تبدو موسكو منشغلة أيضاً بملفات إضافية متعلقة بأوكرانيا وشرقي أوروبا عموما، وهو ما يجعل الأشهر القادمة محط احتمالات متعددة للعلاقة بين موسكو وواشنطن، ويقدم أيضاً صورة غير مسبوقة عن وضع دولي تحكمه التفاصيل التي تخلقها الإدارة الأميركية حصرا.
المرحلة السورية الحالية هي قفزات متتالية للوصول إلى جنيف والبدء بتفاوض جديد، ولكن في المقابل فإنها من أصعب المراحل لأنها لا تحوي فرزا واضحاً للقوى الداخلية السورية، ولا للقوى الإقليمية والدولية المؤثرة داخل الأحداث السورية، واستمرار المسار الحالي مرهون بقدرة الدول الضامنة على الاستمرار في تنسيقها، وقدرتها على تجاوز التعقيدات المفروضة إقليميا، فالتعثر في هذا الأمر سيغير من التوازنات وربما يخلق مسارات غير متوقعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن