سورية

يجعل الترابط حتمياً بينها وبين الأزمة السورية … ترامب يحرك أوكرانيا لدعم انفتاحه على روسيا

| أنس وهيب الكردي

لم يتأخر الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن التحرك على خط الأزمة الأوكرانية، فيما بدا أنه تلبية لدعوة الكرملين استئناف الحوار الروسي الأميركي خشيةً من تداعيات سلبية للاشتباكات في شرق أوكرانيا، على سياسة الانفتاح التي يتبعها ترامب نحو روسيا.
وبات مؤكداً أن إدارة ترامب تسعى إلى حل الأزمة الأوكرانية بالتفاهم مع موسكو. ينبع ذلك من رؤية هذه الإدارة بضرورة إرساء تعاون أميركي روسي يستهدف القضاء على «حركات التطرف الإسلامي» في العالم، إضافة إلى مواجهة المشكلات العالمية الأخرى. وتتطلع واشنطن إلى قطف ثمار أخرى من تقاربها مع روسيا، مثل زيادة هامش مناورة الولايات المتحدة ضد كل من إيران والصين، اللتين صنفهما ترامب «أعداء». ويسعى الرئيس الأميركي إلى تقليم نفوذ الأولى في الشرق الأوسط وإعادتها إلى حدودها، وجر الثانية إلى طاولة المفاوضات لتخليصها أوراق قوتها الاقتصادية.
هذه الرؤية الإستراتيجية التي تتبناها الإدارة الجمهورية الجديدة في واشنطن تجعل الترابط حتمياً بين الأزمة السورية والأزمة الأوكرانية. ليس ذلك فحسب، بل هي تؤدي أيضاً إلى زيادة التداخل ما بين ساحات الصراع العالمي في شرق أوروبا، شرق البحر الأبيض المتوسط وبحر الصين الجنوبي، إضافة إلى مشكلة الصواريخ الإيرانية البالستية والدور الإيراني في الهلال الخصيب والخليج العربي وسعر صرف الرمنبي الصيني، واحتياطيات بكين من الدولار وأذونات الخزانة الأميركية، وأخيراً، توطن المصانع الأميركية في الصين!
وأشارت تقارير إلى أن أسئلة «فريق سورية» في وزارة الخارجية الأميركية ومجلس الأمن القومي لزوار واشنطن من مسؤولين غربيين وشخصيات سورية معارضة، تركزت حول العلاقة بين أزمتي سورية وأوكرانيا، وعن كيفية «تقليص نفوذ إيران في سورية» وعن كيفية إقامة المناطق الآمنة، ودور موسكو في كل ذلك.
وعلى وقع تصاعد التوتر في شرق أوكرانيا، هاتف ترامب نظيره الأوكراني بيترو بوروشينكو. والأسبوع الماضي، عبرت الأمم المتحدة عن قلق بالغ بسبب تصعيد الاشتباكات في شرق أوكرانيا التي أسفرت عن سقوط عدد من الضحايا، ودعت جميع أطراف النزاع هناك إلى الوقف الفوري لإطلاق النار واستئناف الجهود الرامية إلى التسوية السلمية. ورأى المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف في تصاعد العنف في شرق أوكرانيا، سبباً جديداً لاستئناف الحوار بين روسيا والولايات المتحدة حول الأزمة الأوكرانية.
وألقى تصريح بيسكوف الضوء على قلق موسكو من إمكانية سعي الدول المتضررة من احتمالات تحسن العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا. وسبق للرئيسين الروسي والأميركي أن أكدا في أول اتصال هاتفي بينهما قبل أكثر من أسبوع، أهمية توحيد الجهود في مكافحة الإرهاب الدولي وإقامة تنسيق حقيقي بين البلدين من أجل القضاء على داعش والتنظيمات الإرهابية الأخرى في سورية، كما أعربا عن عزمهما على العمل معاً لتنشيط التعاون الروسي الأميركي وتطويره بشكل بناء وعلى أساس من المساواة والمنفعة المتبادلة للطرفين. ولدى قوى دولية، بينها ألمانيا والصين، مسرحان لافتعال أحداث تنسف مساعي التقارب الروسي الأميركي الجارية على قدم وساق: سورية وأوكرانيا. ومكن اجتماع أستانا، روسيا من إغلاق المسرح السوري أمام تلك الجهود. لكن ظل مرجحاً استخدام المسرح الأوكراني كساحة لإشعال توتر أميركي روسي جديد. وقد تجد برلين أو بكين في أوكرانيا، الدولة التي تحتل مكانة حاسمة لأمن روسيا، المكان الأنسب لإحباط التقارب الروسي الأميركي.
ربما كانت هذه الحسابات في عقل الرئيس الأميركي ومخططي إدارته الإستراتيجيين عندما قرر الاتصال بنظيره الأوكراني. وحسب بيان صادر عن البيت الأبيض أبلغ ترامب بوروشينكو أن إدارته ستعمل مع «أوكرانيا وروسيا وسائر الأطراف المعنية بغية المساعدة على إعادة السلام على طول الحدود». واللافت أن البيان الأميركي لم يتطرق صراحة إلى القوى الأوروبية التي توسطت بين كييف وموسكو للتوصل إلى اتفاق مينسك لحل الأزمة الأوكرانية في شباط من عام 2015.
وفي كييف، نقلت الرئاسة الأوكرانية عن بوروشنكو، قوله: إن «المكالمة مع ترامب كانت ايجابية للغاية»، مشيرةً في بيان لها حسب وكالة «سانا، إلى أن «الطرفين أعربا عن قلقهما العميق إزاء تصاعد العنف وتدهور الوضع الإنساني» في شرق البلاد.
وبدا أن كييف باتت أميل إلى الحلول السياسية والدبلوماسية خوفاً من فقدان تأثيرها مبكراً على إدارة ترامب، وخشيتها من ضغوط أميركية لتليين مواقفها حيال موسكو. وفي هذا الصدد، ذكر البيان الرئاسي الأوكراني، وفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء، أن حديث بوروشينكو وترامب ركز خصوصاً على «تسوية الوضع في دونباس (شرق أوكرانيا) وتحقيق السلام من خلال الوسائل السياسية والدبلوماسية».
وأواخر الشهر الماضي، حذرت وزارة الخارجية الروسية من أن كييف ما زالت تسعى إلى تحقيق حل عسكري للنزاع في شرق البلاد بدلاً من البحث عن سبل سياسية لتحقيق سلام مستقر ومستدام في المنطقة، معربة عن أملها في أن يمارس «شركاء أوكرانيا» ضغطاً مناسباً على كييف لجعلها تتخلى عن «محاولات تحقيق الانتقام العسكري في دونباس ودفن اتفاقات مينسك».
ودافع ترامب عن موقفه الداعي إلى التعاون الأميركي الروسي. وشدد على أن احترامه للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لن يؤثر على سياسته الخارجية. وأردف قائلاً في مقابلة في شبكة «فوكس نيوز» الأميركية للأخبار، «إنني أحترم كثيرين ولكن هذا لا يعني أن أتفق معه. إنه زعيم لبلده. أقول إن الاتفاق مع روسيا أفضل من عدمه». واستطرد محدداً مجالات التعاون مع موسكو بالقول: «من الجيد أن تساعدنا روسيا في محاربة تنظيم داعش، والإرهاب الإسلامي في جميع أنحاء العالم». وتساءل قائلاً: «هل نتفاهم معاً؟ (يقصد روسيا).. ليس لدي فكرة».
وبات مؤكداً أن إدارة ترامب تنظر إلى روسيا بوصفها شريكها الأساسي، ليس فقط للقضاء على الإرهاب، وإنما لحل الأزمة السورية. وكشف أبرز مستشاري حملة ترامب لشؤون الشرق الأوسط غابرييل صوما، أن بلاده وبالاتفاق مع روسيا ستتصل بجميع الأطراف التي لها علاقة مباشرة بالصراع السوري، لافتاً إلى أن مشروع المنطقة الآمنة سيتم تدارسه عسكرياً مع موسكو.
وقال صوما في مقابلة مع إحدى الصحف السعودية نشرت أمس: «في الوقت الحالي لدينا شركاء، وهم تركيا وروسيا»، لكنه أشار إلى أن «الحل في النهاية سيكون بيد روسيا وأميركا».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن