قضايا وآراء

جنيف… وحال المعارضة

| ميسون يوسف 

من يطل على المشهد السوري اليوم يجد نفسه أمام تناقضات في جزئيات وتفاصيل هذا المشهد، ففي الوقت الذي يتيقن المشاهد من أن في سورية دولة عميقة تعرف كيف ترد العدوان عنها وتعرف كيف تعقد التحالفات التي تعزز قرارها المستقل وتحفظ سيادتها وتعرف كيف تدير معاركها الدفاعية على أكثر من صعيد وعنوان، يجد في المقابل أن من ادعى أنه يقوم بثورة في سورية وزعم أنه معارضة يمثل الشعب، مشتت مترنح متناحر، لا يجمعه قرار ولا توحده رؤية ويتسكع على عتبات سفارات وفي العواصم الأجنبية يتوسل مساعدة أو ينتظر أمرا من جهة ما.
وفي التفصيل يجد أن الحكومة السورية المدعومة من حلفاء يحترمون سيادة الدولة واستقلالها تمضي قدما في الميدان وتحقق بجيشها والقوات الرديفة الانتصارات وتراكم الإنجازات ضد الفصائل الإرهابية من داعش والنصرة وكل التسميات الأخرى المتوحدة معهما في الفكر والتبعية والسلوك، كما نجد أن الحكومة تستمر في فتح الباب أمام التائبين الراغبين في العودة إلى حضن الوطن وتشجعهم على الانخراط في مصالحات تطوي تاريخهم الإرهابي وتمنحهم الفرصة للانطلاق في مسار المواطنة وتستعد في الوقت ذاته لحوار من ارتضى السعي إلى حل سياسي نابذ للعنف وملتزم بمحاربة الإرهاب.
أما على المقلب الأول فحدث ولا حرج من صراع ومناكفة وتناحر في الميدان كما في السياسة. حيث إن جبهة النصرة الإرهابية التي اتهمت فصائل مسلحة أخرى بأنها غدرت بها وخانتها في أستانا انطلقت في عملية تأديب والتهام واجتثاث لتلك الفصائل، فشهد الميدان عمليات التصفية والقتل بين الأطراف المتناحرة تلك والتي لا يجمعها إلا عنوان واحد هو الإرهاب. أما في السياسة فقد عجز من ادعى يوماً أنه يمثل الشعب السوري وأنه معارضة عن اللقاء وعن تأليف وفد يحاور وفد الدولة السورية حتى بات الظن صحيحا بأن جمع هؤلاء المسمين معارضين في وفد واحد يمثلهم إنما هو ضرب من الاستحالة والخيال. فالتابعون لمنصة الرياض لا يرتضون الجلوس مع التابعين لمنصة القاهرة وكلا الطرفين يرفض الاعتراف بوجود التابعين لمنصة موسكو، كما أن هذا وذاك لا يقر بوجود معارضة داخلية أو منصات لها غير منصته ويسود الاضطراب والفوضى والتناحر بين الجميع ويتعطل تشكيل وفد ما يسمى المعارضة السورية ما يستتبع تأجيل موعد اجتماع جنيف بسبب تعذر وجود الطرف الآخر، والأدهى من ذلك هو تقريع الأمم المتحدة لهؤلاء جميعاً وووصفها لهم بالقاصرين عن تشكيل وفد وأنهم بحاجة إلى وصي عليهم يشكل منهم وفداً، فهل يفعلها ديمستورا ويمارس الوصاية على ناقصي الأهلية هؤلاء؟
لقد رفض البعض من هؤلاء تهديد ديمستورا لهم، ومختصر الرد كان « ليس من اختصاصك» ولكن هل يمكنهم سد الذريعة وتشكيل وفد؟ الأمم المتحدة أعطتهم فرصة إضافية بتأجيل اجتماعات جنيف أسبوعين، ليس لسبب إلا بسبب وضع هذه المعارضة المشرذمة فهل يستثمر هؤلاء الفرصة ويشكلون وفدهم أو إن هذا الأمر غير قابل للتطبيق؟
في ظل عدم الثقة بهؤلاء، يبقى السؤال هل يكون تأجيل جنيف التأجيل الأخير؟ أو ستكون المراوحة وهدر الوقت وتعود العين إلى الميدان لانتظار ما سيحصد الجيش العربي السوري فيه وعندها سيضطر المهزومون إلى القبول غدا بما يرفضونه اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن