قضايا وآراء

زيادة التقارب الإسرائيلي التركي ودوره بين المتناقضات

| تحسين الحلبي 

يبدو أن الأسابيع والأشهر المقبلة للعام الجديد 2017 ستشهد تزايداً في أشكال التعاون بين أنقرة وتل أبيب بعد أن سادت نسبة جمود في العلاقات بين الجانبين منذ استهداف الجيش الإسرائيلي للسفينة التركية مرمرة في عام 2010، ومنذ بداية شباط الجاري شهدت الساحة الإسرائيلية والتركية زيارات لمسؤولين من الجانبين بعد أن تسلم أردوغان في 5 كانون الأول 2016 أوراق اعتماد السفير الإسرائيلي بعد ست سنوات من تدهور العلاقات، وكان مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلي يوفال روتيم قد زار أنقرة قبل عشرة أيام لإعداد جدول عمل مشترك لمسؤولي الجانبين ومنهما وزيران تركيان سيصلان إلى تل أبيب للاتفاق على تعزيز العلاقات في كل المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية.
ويلاحظ المسؤولون في إسرائيل وكذلك عدد من المحللين السياسيين الأتراك أن «أردوغان» يريد استعادة علاقاته مع «تل أبيب» بشكل سريع ومتطور لأنه بحاجة إلى زيادة التنسيق معها في موضوعين هما: قطاع غزة ورعايته لحماس وللإخوان المسلمين وموضوع سورية.. بعد الإنجازات العسكرية السورية في الحرب على المجموعات الإرهابية وحلفائها في شمال سورية وجنوبها، وبالمقابل يرى المحللون في إسرائيل أن أنقرة وتل أبيب كانتا تتطلعان منذ بداية الحرب على سورية ووقوفهما ضدها وقيادتها إلى التفتيت والاستفادة من هذا التفتيت لتحقيق التوسع وزيادة السيطرة، وبعد فشل هذا المشروع الأميركي- الإسرائيلي وجدت أنقرة أنها مجبرة على إجراء تغيير في سياستها تجاه إسرائيل والعمل على توثيق العلاقة بهدف تحقيق مصالح مشتركة من تطورات الوضع السوري. ويبدو أن أردوغان يجد في إسرائيل بوابة يمكن من خلالها المرور نحو قطاع غزة ونحو الاستقواء بإسرائيل ضد سورية وخصوصاً في هذه الظروف التي يجد نفسه فيها مجبراً على التعاون مع موسكو وطهران بعد تدهور علاقاته مع الاتحاد الأوروبي من ناحية وبعد الإنجازات العسكرية الميدانية التي حققها التحالف السوري- الروسي- الإيراني في جبهة الحرب ضد كل من كان أردوغان يقدم لهم الدعم، لكن نظرة سريعة على علاقات أردوغان بدول الجوار الإقليمي في الشرق الأوسط تدل على أن كل علاقات تقيمها أنقرة غالباً ما تتعرض للتدهور وتتحول إلى علاقات مؤقتة وخصوصاً أن أردوغان يريد الانفتاح على إسرائيل، وفي الوقت نفسه لا يغلق باب الانفتاح مع طهران التي تهددها إسرائيل بشن حرب مباشرة، كما يريد أن يهاجم القيادة المصرية والدفاع عن الإخوان المسلمين وحماس على حين أن حلفاءه في قطر والسعودية يدعمون الإخوان المسلمين.
ولذلك يستنتج المحللون السياسيون في تركيا أن سياسة أردوغان لم تحكمها أي ثوابت بقدر ما كانت انتقائية تفرضها الحاجة إلى الاستعانة بأي طرف يوفر له البقاء في الحكم، وهذا ما يثبته سجل السياسة الخارجية لأردوغان، فلا صديق دائماً ولا عدو دائماً مادامت أهداف قواعد اللعبة السياسية التي يضعها هي البقاء في الحكم حتى لو كان سبيل ذلك دعماً إسرائيلياً أو غير إسرائيلي.
وهذه السياسة لم يحقق منها حتى الآن أي هدف كان قد أعلن عن ضرورة تحقيقه منذ سنوات طويلة… وعلى المستوى الدولي ما زال أردوغان عاجزاً عن تحقيق أي استقرار في علاقاته مع الإدارة الأميركية وإدارة الاتحاد الأوروبي، ولا عن توفير الثقة به من موسكو أو إيران، فهو يقدم وعوداً كثيرة لأطراف متناقضة المصالح والأهداف لتحقيق غاية واحدة وهي المحافظة على رئاسته وتطورها اللاحق في الدستور والبرلمان التركي.
ولهذا السبب يؤكد محللون سياسيون من المعارضة في تركيا أن أردوغان لن يعوّل على دور أي طرف، بينما ترغب إسرائيل باستغلال حاجته لها لتحقيق هدف استراتيجي إسرائيلي هو الاستعانة بأردوغان لنزع أسلحة الفلسطينيين وخصوصاً أسلحة حركة حماس في قطاع غزة، ولذلك يحاول الآن استغلال المعابر الإسرائيلية للدخول إلى قطاع غزة، حتى لو كان ذلك إجراءً يثير قلق مصر التي ما زالت تتعرض لحرب من الإخوان المسلمين ومن مجموعات داعش في سيناء وفي القاهرة… وفي النهاية ربما لن يشكل عام 2017 لأنقرة وتل أبيب عاماً مختلفاً عما سبقه من أعوام مضت منذ حرب الربيع العربي في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن