ثقافة وفن

سعدة الحكيم لـ«الوطن»: اخترت آلة الباصون لأنني وجدت نفسي بها رغم غرابتها عن ثقافتنا الموسيقيّة

| سوسن صيداوي

الآثار هي الدليل على نهوض الحضارات وعلى أسلوب الحياة الذي عاشه سكانها، وكيف كانت طرق العيش وما الأمور التي تعودّوها وما الأدوات التي اعتمدوها في حياتهم اليومية وحتى في الأمور الترفيهية، وعلى ذكر الأمور الترفيهية لابد لنا هنا من ذكر الآلات الموسيقية التي اعتمدتها الحضارات كلّها، والتي رغم اختلافها إلا أنها متقاربة في المضمون والهدف، وكانت تطورت إلى أن وصلت إلى الشكل الحالي المعروف، واليوم ما سنذكره هو عن واحدة من الآلات الموسيقية النفخية، وهي آلة الباصون، والتي تعتمد بشكل كامل على نفخ الهواء بداخل الآلة من أجل خروج النغمات المختلفة منها، أما بالنسبة إلى عملية النفخ فهي مدروسة، سواء من حيث زاوية النفخ، أو وضعية الفم، وحتى سرعة دفع الهواء، وطبعا كل ما تمّ ذكره قواعد تخص كل الآلات النفخية، وتعمل مجتمعة على إخراج نغمات مختلفة ومتنوعة تزيد من جمال صوت الآلة، وبالطبع هناك من الآلات الموسيقية النفخية ما هو معروف وشائع ومنها ما هو غريب عنا وعن ثقافتنا الموسيقية، فمن الناي والمزمار، إلى الفلوت إلى الكلارينت والسكسفون إلى آلة الباصون.

الباصون الأول
الباصون هو مزمار ذو أنبوبة خشبية مزدوجة وفم معدنيّ مُلتَوٍ، وكانت طُورت هذه الآلة نحو عام 1650 من آلة شبيهة بها وتدعى الفاجوتو التي كانت طُوِّرت في إيطاليا عام 1540، وآلة الباصون هي ذات الصوت الأعمق بين أفراد عائلتها من الآلات الشبيهة، كما تؤمّن صوت الباص ضمن الأوركستر، وتُصنع من الخشب والمعدن، ويبلغ طولها نحو 134 سم، وهي مؤلفة من أنبوبين متوازيين موصولين من الأسفل بواسطة أنبوب على شكل حرف (U) الإنكليزي، ويمر الهواء في مجرى ضمن الآلة ويبلغ طوله نحو 2.4 متر، ولهذه الآلة ثمانية ثقوب للأصابع، ويتم التحكم بها عادة عن طريق المفاتيح، ولها أيضاً عشرة ثقوب إضافية يتم التحكم بها عن طريق مفاتيح خاصة، يبلغ المجال الصوتي للباصون نحو ثلاثة أوكتافات، ويوجد أنواع من هذه الآلة مثل الباصون الفرنسي الذي طُور في منتصف القرن التاسع عشر، والباصون الألماني الذي تمّ تطويره في القرن التاسع عشر.

سلّم وآلات
هناك من الموسيقيين من يجدون ضالتهم من الآلات ويتآلفون معها ويعتنقون أنغامها مدى الحياة، ومنهم من لا يكون الأمر عليه بالسهل، لأنه يتجول بين النغمات الموسيقية الصادرة من الآلات في دنيا النغم والنوتات، زمناً ربما يطول أو يقصر، إلى أن يستقر ويختار رفيقته الموسيقية من بين المئات من الآلات والتي يلتزم معها في مشواره، وبالنسبة لمشوار موسيقية شابة واختيارها لآلة الباصون النفخية تحدثت عن البداية والتعلّم، الموسيقية سعدة الحكيم قائلة «اختياري لآلة الباصون لم يكن منذ بدايتي، لأنه كان لي تجارب عديدة موسيقياً للتعرف على الآلات، وخاصة أنني بدأت التعلّم بعمر صغير، فأنا بدأت التعلّم بعمر أربع سنوات مع أستاذ البيانو فؤاد الخوري، بعدها تدربت مع الأستاذ ألبير خوري على آلة العود وكان ذلك كان لفترة قصيرة جدا، حيث اقتصرت على تعلمي على الصولفيج، بعدها انتقلت إلى الأستاذ أسعد ليلى في حمص الذي علمني على آلة الكمان الشرقي، وهنا في هذه المرحلة بدأت أشارك في الاحتفالات المدرسية، بعدها وفي مرحلة المعهد العالي للموسيقا بدأت رحلتي في التدريب مع آلة الباصون وكان هذا بإشراف الأستاذ حسام الدين بريمو والخبير الروسي الكسندر، وهنا الأمر الذي لن أنساه أبدا والذي لابد لي من ذكره، بأنه وفي كل المراحل من بداية تعلمي العزف حتى الآن، أبي هو من كان يدعمني في كل خطواتي».

الأكاديمية
الدخول إلى المعهد العالي ليس سهلاً فهناك من يكون محظوظاً بموهبته ومتحداً معها وقادراً من خلالها على اجتياز الاختبارات والحصول على القبول في المعهد، على حين هناك الكثير من الشبان من يسعى ويحاول جاهداً، ولكن ليس مقدراً لهم، وطبعا هذا ليس موضوعنا، فنحن هنا نتحدث عمن ساعدهم القدر وتكاتف معهم وليس ضدهم، وأعود إلى قواعد المعهد فعلى الطلاب فيه التعلم على الآلة الالزامية البيانو وإلى جانبها الآلة الأخرى التي يتم اختيارها، وعن مشوار المعهد العالي قالت باقتضاب عازفة الباصون «طبعاً كنت ملزمة بالتعلم على آلة البيانو مثلي مثل كل الزملاء، وأيضاً تابعت تدريبي على آلة الباصون بشكل جاد، وهي الآلة التي قمت باختيارها لأنني وجدت نفسي بها، ونغماتها تستهويني رغم أنها غريبة عن ثقافتنا الموسيقية الشائعة، وطبعا تابعت التدريب إلى أن تخرجت في المعهد، الذي ساهم في صقل موهبتي ورفع مستوى أدائي، ومكنني بالتالي من المشاركة في حفلات سيمفونية، سواء بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، أم اركسترا ماري مع الأستاذ رعد خلف، وأيضاً شاركت في حفلات بقيادة المايسترو عدنان فتح الله».

صعوبة النفخيّة
بعد أن تمّ اختيار الآلة الموسيقيّة وتحقيق الانتماء معها من أجل خلق وجود موسيقيّ متناغم بين الاثنين كما هو حال الأنغام الصادرة من الآلة، تأتي مرحلة تتطلب جهداً كبيراً من الطاقة النفخية وإلى ساعات طويلة من التدريب كي يبقى الموسيقي متآلفاً مع ألته وقادراً على السيطرة عليها أو تملّكها، وعن صعوبة الأمر، وما تتطلبه من جهد قالت العازفة سعدة الحكيم «العزف على آلة الباصون معقد بشكل كبير وبالطبع يحتاج إلى طاقة عالية وقدرة نفخية قوية، ولهذا الأمر ومن أجل تحسين القوة الجسدية لدي، أمارس الرياضة والسباحة باستمرار، هذا إضافة إلى أنني أمارس لعبة الجودو، وخصوصاً أنني بطلة في هذه اللعبة على مستوى محافظة حمص، وكل ما ذكرته يقوم بشحذ طاقتي، وطبعا لا أكتفي بذلك لأنني أقوم بالتدريب على الآلة لمدة ساعتين إلى أربع ساعات بشكل يومي».

غرابة آلة
الإنسان بطبيعته دائماً يحاول التعرف على ما هو جديد وأيضاً يسعى بشكل دائم أن يكسب الجديد، ويمكن أن يطوّع الغريب كي يصبح مألوفاً لديه، وهذا هو الحال بشكل عام، فكيف بخصوص الموسيقا وهي غذاء الروح والثقافة الوحيدة التي يمكن لكل الكون أن يلتف حولها ويفهمها ويستوعبها رغم اختلاف العقول والمفاهيم والأفكار، ورغم اختلاف الألسن الناطقة باللغات والحروف، إذا انضمت آلة الباصون إلى الموسيقا السيمفونية كونها خُلقت لتكون فرداً مهماً من هذه الأسرة، والتي يعتمد على نغمها ضمنها بشكل أساسي، وعن هذا قالت العازفة سعدة «كنت اخترت آلة الباصون لكونها آلة غريبة، وخصوصاً عن مجتمعنا الموسيقي الشرقي، وكل من علّمني من أساتذة على هذه الآلة كان يسعى دائماً إلى تقديمها ومشاركتها في الحفلات، كي نتمكن من دمجها بين الموسيقا الشرقية والغربية، وبقصد نشر صوت هذه الآلة في أوساطنا الشرقية، وخصوصاً لأن لها صوتاً رخيماً وجميلاً، ومتاحة من أجل العزف المنفرد في بعض المقاطع، وأن تكون آلة مرافقة خلال العزف الجماعي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن