قضايا وآراء

اليوم غير البارحة

صياح عزام : 

 

إن صعود نجم «أردوغان» بالأساس كان غير طبيعي، وكثيرون شبهوا هذا الصعود «بأقراص الفوار» أو «الموضات السياسية» التي سرعان ما يسقطون أو تخبو أحلامهم بأسرع من المتوقع، حتى بأسرع مما يتوقع أشد خصومهم.
«أردوغان» المصاب بجنون العظمة خسر جولة كبيرة في تركيا أو خسارة نهائية بعد أن كان يحلم ويعمل باتجاه مأسسة وجوده ووجود حزبه في السلطة منذ 14 عاماً.. هو خرج على قيود كانت المؤسسة العسكرية التركية ومعها جملة من بيروقراطيات الدولة التركية قد فرضتها على الحرية السياسية في البلاد، وخاصة لناحية التسليم بطوطم «العلمانية الأتاتوركية» المتطرفة، كما خرج من عباءة الإسلام السياسي التقليدي الذي مثّله «نجم الدين أربكان» الذي كان يُعيب على تلامذته من أمثال أردوغان إفراطهم في البراغماتية والطموحات الشخصية على حساب قضايا الإسلام المبدئية العادلة.
لكن أردوغان خسر مع منظر «العثمانية الجديدة والالتفاف نحو الشرق» في الوصول إلى صفة «الزعيم» الأوحد بعد إجراءاته وقراراته تجاه خصومه في ميادين الإعلام، والتربية، والجيش، والمؤسسات الأمنية، والقضاء، وتجاه خصمه الداعية الإسلامي المقيم في الولايات المتحدة «فتح الله غولين»، علماً أن هذا الأخير كان حليفاً لأردوغان.. خسر أردوغان في الحصول على ثلثي الأصوات في الانتخابات الأخيرة ما يُمكنه- كما كان يأمل- من التوصل إلى إقرار نصّ دستوري يجمع مزيداً من الصلاحيات في يد الرئيس.
إذاً، لم يفلح «العثماني الجديد» في انجاز تحوّل تاريخي في بُنية السلطة التركية يسفر عن جعل النظام رئاسياً، وخسر مغامرة إمكانية التحوّل إلى «أتاتورك الثاني» أي إلى مؤسسة نمط جديد من علاقات القوة داخل تركيا يسمح بتعديل هوية الدولة ورؤيتها لنفسها وللعالم جذرياً.
كما أن أردوغان لم يُفكر كثيراً بالأيام التالية للانتخابات في حال تراجع نسبة التأييد لحزبه «عما كان يحلم»، وهذا ما حصل بالفعل، فقد بات الاستقطاب في تركيا اليوم بين الراغبين بمزيد من مركزية السلطة بيد حزب واحد وامبراطور واحد وأولئك المتخوفين من هذا الأمر، أي بينه وبين سائر الأحزاب الممثلة في البرلمان التركي وهذا أول ما يُصعب على أردوغان وحزبه «حزب العدالة والتنمية» إدارة دفة السياسة الداخلية والخارجية لتركيا.
لقد أغفل أردوغان أمرين أساسيين مُهمين هما:
1 – إن سياسة الاستقطاب «الهوياتي» التي مارسها ستدفع طبقات تركية واسعة إلى الاصطفاف على خطوة جديدة، عمادها البرامج الاقتصادية والاجتماعية في المقام الأول، وأن جمع حزبه بين طبقات ريفية فقيرة وأخرى تمثل كبار المحتكرين والرأسماليين المستفيدين من سياساته الاقتصادية يحتوي على قدر كبير من الهشاشة التي قد تنكسر عند أول انعطافة انتخابية «كما حصل مؤخراً في المقام الثاني».
2 – لم يُفكر أردوغان المُصاب بداء جنون العظمة أن سياساته الخارجية، وبالتحديد سياسته تجاه سورية، كانت في صُلب خطاب وتحركات ونشاطات الأحزاب المناوئة له أثناء الحملة الانتخابية التركية، والدليل على ذلك، أن حزب «الشعوب الديمقراطية» بزعامة «ديميرتاش» سبق أن اتهم الحكومة التركية بالتواطؤ مع «داعش الإرهابية» أثناء معاركها الأخيرة مع الأكراد في شمال سورية «معارك عين العرب»، كذلك صرح «ديميرتاش» بعد الانتخابات بأن داعش استهدفت مناصريه في التفجير الغامض الذي حصل قبل أيام، مذكراً ثانيةً بالموقف المشبوه لأردوغان أثناء معركة عين العرب.
أما حزب «الحركة القومية» فقد دعا إلى محاسبة حكومة أردوغان على تقديمها تسهيلات كبيرة للإرهابيين في سورية، هذا في الوقت الذي قام فيه «الحزب الجمهوري» بنشر معلومات موثقة تؤكد حصول هذه التسهيلات المقدمة للإرهابيين في سورية والعراق من أردوغان.
الخلاصة: الأيام التالية للانتخابات التركية الأخيرة ليست بالتأكيد مثل التي سبقتها، واندفاعات أردوغان ومُنظره المغرور «أحمد داود أوغلو» في السياسات الداخلية والخارجية لن يُسمح لها بالاستمرار، حيث ستتم إعادة رسم هذه السياسات على نحو مختلف.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن