ثقافة وفن

للحب عيد وللوطن حب

| إسماعيل مروة

اليوم عيد الحب، العيد الذي وفد إلينا قبل زمن قصير، وصار الاحتفال فيه عرفاً اجتماعياً عند شريحة الشباب والمحبين… ومنذ اليوم الأول لدخول هذا العيد حياتنا اختلف الناس فيه، فمنهم من رآه بدعة، ومنه من حرّمه، ومنهم من عدّه إسرافاً، ومنهم من رآه خروجاً عن الأعراف ولتقليد الغرب.. ومنهم من احتفى به واحتفل، ومنهم من بالغ بالاحتفاء، ومنهم من كان عنده كباقي الأيام.
إن اختلاف الناس في هذا العيد يشبه اختلافهم حول الأعياد غير الدينية وغير الوطنية، وأناس لم يتفقوا على جمالية الاحتفاء بالأم، لن يتفقوا في الاحتفال بغيرها، وأناس لم يعجبهم الاحتفال بالمعلم، لن يعجبهم لون الورد الأحمر في عيد الحب… والسؤال المهم: هل نحن أناس لا نجيد صنع مناسبات الفرح والسعادة والحب؟ هل نحن قوم لا يليق بنا إلا الوجع والألم والنكد؟ هل نحن من الذين كتب عليهم أن يؤلمهم الفرح؟
منذ أن بدأ الاحتفال بهذا اليوم قبل أكثر من عقد، وعلى نطاق واسع، قلت لنفسي: هبه ما كان هذا اليوم، إنه مناسبة للفرح والحب والسعادة، مناسبة للتماهي بالذات قبل الآخر، ومناسبة للذوبان بالآخر، ومناسبة، حتى في توقيته لتذويب الجليد، ولإنهاء الصقيع في حياة كل منا… قلت لنفسي ولست مخولاً أن أسدي رأيي لأحد هو أدرى مني بشأنه، لا بأس من أن يفترّ ثغر عن ابتسامة، وأن ينطلق اللسان بالحب وعباراته، ولكل منا طريقته في التعبير عن حبه، فأحدنا يختار وردة، والآخر يختار لعبة، وثالث يختار دمية دب، وبعضنا يضيف برجاً من الأبراج يطلق عليه اسم برج الدب تحبباً لمن يوجه إليه عبارته في هذا اليوم المضرّج بالحب وعباراته.
قلت سأحتفل بهذا اليوم، وأريد لكل يوم أن يكون عيد حب، لا بأس أن تكون كل الأيام معبرة عن أحاسيس ومشاعر تضج بالنبل، ولنعمل كل يوم على إضافة حب جديد خالد خلود الحياة، وليكن لكل منا رسول من الحب والمشاعر النبيلة التي لا يطولها زيف مهما عربد الزمن وفجَرَ.. وآه من الزمن عندما يعربد بوجه أسود كالح، كل ما فيه لؤم وغدر وحقد، وإن انفرجت أساريره ذات لحظة عن بياض قذر تفوح منه رائحة الحقد والغدر والنذالة، ومحاولة استباحة القداسة.
اليوم سمعت من يقول: وهل هذا أوان عيد الحب وسورية في حرب؟ هل من المعقول أن نتبادل العواطف والهدايا والحرب تعربد بعهرها في كل الساحات؟!
نعم اليوم عيد الحب، وربما احتفال السوريين بعيد الحب خلال سنوات الحرب أهم بكثير من احتفالهم به قبل الحرب أو بعدها، الاحتفال لشعب لا يعرف سوى الحب طريقاً لبقائه وتجذره وخلوده، لشعب لم يغير من عشقه للون الأحمر رؤية الدم الذي يسيل بريئاً في كل مكان، لشعب أدرك أن بقاءه بالحب وحده.
لشعب عرف أن الحرب سوداء، وأن القبح أسود، وأن انفراجة فم الحرب الغول لن تغير في حقيقة أنيابها!!
لشعب عرف أن الحرب وإن عربدت، فلا تكاد تشققت عيناها، وملأها الرمد والقيح، فهي قميئة تقضم رؤوس أظفارها بأسنانها، وكل ما يعلق فيها من غبار حذاء الوطن!
الدم الذي ينزّ طاهر
الدم الذي ينهمر ينهمر، لتلوين علم
الدم الذي يرتفع يرتفع لصناعة لعبة حمراء لطفل غد سورية
للحب عيد، وإن اختلفوا فيه
أما الوطن فله الحب الذي لا مراء فيه
له الدم الذي يعجز أحد عن طهره
له الدم الذي يزرعه في خلود أبدي…
فلتشرئب أيها الوطن الجميل
ارتفع عالياً عالياً
احمل وردتك وازرعها في قمة قاسيون
عند ذاك الذي حملنا جثمانه أو بقاياه، وما عرفنا اسمه، فكان معلوماً، والكل يظنه مجهولاً، احتضنه قاسيون، وقاسيون لا يحتضن مجهولاً، لا يحتضن إلا الأولياء والصالحين وكومة من عاشقين.. احمل وردتك الحمراء وارقص مع كسّارة البندق
ستضمك، تحتويك، ستخفيك عن كل شيء
تدور بك حول رمح شآمي
سيف دمشقي
وعندما تنتهي ستجد أن الرمح انزرع في سواد الحرب
وأن السيف نحر الحرب وحرس طهر قاسيون
غنى للأمويين
أنشد للعباسيين
وانطمر في حنانيا
ويدور في مولوية عشق صوفية
من ذي الكفل والشيخ محيي الدين، وإلى الشيخ رسلان
من كنيسة فاطمة إلى كنيسة الزيتون
في سورية
في شام
للحب طعم آخر
ها هي الحرب تدور، تقتل، تعربد
ولكن الطهر يغزل ثوبه الأبيض
يدور فيمحو السواد، ويزيل غبار الحرف
ليزرع في الصالحية
في العفيف
في الربوة
وردة للشام هي الشاب الظريف
تتحلق القلوب حولها… تسعد بها
وتبدأ «رقصة ستي» ولا تتوقف
عمر النقشبندي يخرج حاملاً عوده، لا يتوقف عن العزف، عن الحب، عن الإنشاد، بردى يفيض ماء طاهراً، والأذان يصدح، والناقوس يقرع
كلها تنشد نشيداً واحداً
حيّ على الحب
اليوم حب وكل يوم حب
حيّ على الحب
وبينما تمسك الملاك هدية لتقدمها لمن تحب، تدور الأنوال بخيطانها لتغزل ما للشام.. إنه يوم الحب، لنستمر به كل ذلك العمر الذي انقضى، والذي نحيا، والذي لم نعرف.
ومن قمة قاسيون، ومن شرفات العلا، ومن التكية الشامية، ومن الربوة، ومن العيون الشّهل، والعسلية، ومن كل العيون.
سنرقب حركة لا تتوقف
حباً لا يهدأ
ونحن نرقب حفرة قذرة، تتسع وتتسع لتأخذ عهر الحرب، وتبتلع كل من أشعلها، وكل من عربد بظلها ظاناً أن الحرب تقيه سواد وجهه وروحه..
نعم. اليوم عيد الحب، وللحب كل الأيام
بالحب وحده نحيا
بالحب دون فلسفة
دون أن نختبئ بتوصيفه
لحبيب أو أم أو أب أو وطن أو… أو…
الحب حب لا وصف له
لا حدود له
فلنرفع الوردة عالياً
ولنفرح بالدب مهما كان لونه
لابد أن يعم الحب
والحرب السوداء راحلة
مهما عربدت، ومهما عهرت
ومهما حاولت أن تغير جلدها
كل عام وأنت الحب
أنت المطلق
إنسان ووطن وروح.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن