قضايا وآراء

كل ما عداها انتظار..

| عبد المنعم علي عيسى 

تتسارع المواقف وكذا التراصفات الإقليمية بما يتناسب مع استشراف المتسارعين للرياح التي تصدّرها واشنطن في هذه الآونة والتي تحمل بين ثناياها العديد من المؤشرات التي تشي بمتغيرات كبرى قد تشهدها السياسات الخارجية الأميركية، وهذي الأخيرة تبدأ بـ«طلاق بائن» مع طهران بل وإمكان الوصول معها إلى مواجهة ليست بالضرورة أن تكون عسكرية والمؤشرات على ذلك عديدة لربما في الذروة منها الميل الذي تبديه الخارجية الأميركية الحالية لأمر إدراج الحرس الثوري الإيراني على لوائح إرهابها إذ لطالما ظلت الديبلوماسية الأميركية على مدى ثمانية أعوام منصرمة تقف في مواجهة البنتاغون والـCIA في ذلك الأمر الذي يحمل العديد من التداعيات التي قد تصل في مداها إلى اتفاق فيينا 14/7/2015 مع ما يعنيه هكذا وصول من إمكان العودة من جديد إلى سياسات حافة الهاوية التي طبعت المرحلة بين آب 2005 (الإعلان عن بدء استئناف تخصيب اليورانيوم في طهران) وحزيران 2015.
ولا تنتهي بإمكان «وصل» ما انقطع مع أنقرة خصوصاً ما بعد انقلاب تموز الفاشل العام الماضي وما يعنيه هذا الوصل أو يخلف من تداعيات على الدور التركي والمطامع التي يسعى إليها.
بعيداً عن تلك التراصفات التي يفترض الآن أن تكون في مرحلة ترقب بانتظار انقشاع كامل الضباب أما هذا الحدث الأخير (انقشاع الضباب) فإنه سيحدث بالتأكيد في أعقاب انعقاد القمة الأميركية- الروسية المرتقبة التي ترشح العديد من مراكز البحوث بأنها ستحمل في طياتها «صفقة إستراتيجية» تكون من العيار الثقيل هذا- تضيف تلك المراكز- إن لم تحمل إطاراً عاماً لنظام دولي جديد يأخذ بعين الاعتبار العديد من المتغيرات التي شهدها العالم في السنوات الأخيرة.
ما تحمله- إذا ما جربنا الخوض في طبيعة الصفقة سابقة الذكر- المؤشرات لرسم إطار عام يمكن إيجازه في هذا السرد التالي:
ترجح المؤشرات حدوث المزيد من التقارب الروسي الأميركي بما يحقق لروسيا اعترافاً أميركياً وغربياً بوضعها الراهن في منظومة العلاقات الدولية والحجم الذي تشغله فيها من دون العمل على تقليصه أو محاصرته، ولذا فإن الراجح أيضاً أن مرحلة ما بعد القمة ستشهد تفككاً «تدريجياً» للعقوبات المفروضة على روسيا، أما لماذا تدريجياً؟ أو على مراحل زمنية متباعدة؟ فذلك لأن ترامب يأمل في أن تؤدي أولوية الحرب على داعش والمشاركة الروسية فيها إلى إضعاف تيار المعترضين على رفع العقوبات من موسكو في الداخل الأميركي من دون أن يؤدي ذلك إلى صدام مباشر مع هؤلاء.
كما ترجح تلك المؤشرات حدوث توافق ما حول طريقة التعاطي مع الدورين الصيني والإيراني بما يضمن لواشنطن تهدئة مخاوفها الأمنية التي عملت على إبرازها بحجم كبير في أعقاب إجراء طهران تجربة إطلاق صاروخ عابر للقارات 2/2/2017 وفي الآن ذاته لا يفقد موسكو ورقة مهمة في مفاوضاتها مع الأميركان لإنتاج صيغة دولية جديدة.
في العام 1971 قام هنري كيسنجر بزيارة سرية إلى بكين أفضت إلى توافقات كبرى وفي الذروة منها التوافق على قيام جبهة صينية- أميركية في مواجهة موسكو تقف بالمرصاد تجاه هذي الأخيرة ولربما كان هذا التوافق الأخير مدخلاً مهماً (مداخل أخرى عديدة) للمآلات التي أدت إلى ذلك الحدث الدراماتيكي الذي شهده الاتحاد السوفييتي 25/12/1991.
والسؤال الآن هو: هل يستطيع ترامب استمالة الروس وإدخالهم في جبهة روسية- أميركية تقف في مواجهة بكين وتستطيع كبح جماحها الآخذ بالنمو والتصاعد في الوقت الذي قامت فيه واشنطن بالعديد من الانسحابات في شتى جبهات العالم للتركيز على جبهة الشرق الأقصى التي ترى فيها بالتأكيد مركزاً جديداً للثقل العالمي وميزاناً يحدد التوازنات الدولية بدرجة كبرى وهو أمر إذا ما تحقق لها (لواشنطن) فإنه قد يؤدي إلى استنساخ السيناريو السوفييتي في الصين خصوصاً أن جغرافيا هذه الأخيرة تحمل في جنباتها العديد من المكامن القابلة للانفجار مثل مسألة تايوان وإمكان تعزيز طموحاتها الانفصالية وكذلك إقليم الإيغور الذي يتيح اللعب على المكون الإسلامي لإنتاج إقليم تناحري مع السلطة المركزية في بكين يمكن له القيام بدور يقض مضجعها ويعوق من تقدمها، ناهيك عن إمكان إيقاظ تيار نائم منذ ما يقرب من ثلاثة عقود بعد أن أدخلته بكين في سبات إجباري في أعقاب التظاهرات التي شهدتها ساحة تيان شان عام 1988، والذي من الممكن ترميمه وإيقاظه بعد ضخ المزيد من المقويات والمنشطات في شرايينه ليكون قادراً على لعب دور «برويستوريكي» في البلاد هو أقرب ما يكون إلى الهدم لكن بمعول الإصلاح والتحديث.
الثابت الآن أن القمة المرتقبة سوف تحمل المزيد من المتغيرات وعلى المستويات كلها ومهما قيل عن التراصفات أو المواقف الإقليمية الحالية فإنها لا تعدو أن تكون تبصراً استباقياً لما يمكن أن تفضي إليه تلك القمة التي يعتبر كل ما عداها انتظاراً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن